رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عمرو الشيخ: العروض والقوافي لا يمنحان وحدهما الشعرية

الشاعر والباحث الأكاديمي
الشاعر والباحث الأكاديمي عمرو الشيخ

شهدت الفترة الماضية، هجوما من قبل البعض على قصيدة نثر العامية، إذ لا يعتبرها البعض شعرًا، وما زال الكثير من مثقفي مصر، لا يؤمنون بها، ولا بأهم الشعراء الذين كتبوها أمثال الشاعر الراحل مجدي الجابري، والشاعر مسعود شومان، والشاعر محمد علي عزب، وغيرهم.

في هذا السياق قال الشاعر والباحث الأكاديمي عمرو الشيخ للدستور: «دائما أنظر بريبة إلى مصطلح قصيدة النثر، وتتطور الريبة إلى اتهام بالتربّص لكل من يرفض نصوصًا شعرية، لا لشيءٍ سوى أنّها نصوص شعرية لم تنعم إيقاعاتها الحرة المتغيرة بوحدات «الخليل» التكرارية!. ورغم احترامي الكبير لموروثنا العظيم، وتقديري البالغ للشعر العموديّ، وشعر التفعيلة، وعلم العروض ومؤسسة «الخليل بن أحمد»، إلا أن هذا الاحترام لم يتحوّل إلى تقديس، أو لم يحصر مفهوم الشعر لديّ في أطره الموروثة قديمًا أو قريبًا. بمعنى أنّ مصدر الشعرية عندي ليس محصورا في شكله الخليليّ، أو التفعيليّ، وهذا لا يعني تضادًا في المفهوم بمعنى أن مفهوم الشعرية ليس محصورا على قصيدة النثر كما يدّعي متطرفو ما بعد الحداثة. والشعرية تتسع لكافة الأشكال وكافة طاقات الإيقاع منتظمًا كان أو غير منتظم. فنص النثر ليس مفتقرًا إلى الموسيقى والإيقاع، ومن توهّم ذلك هو من تصوّر أن الإيقاع وحدات تكرارية بانتظام. وهذا في تصوّري تضييق لمتّسع، وإقصاء وجحود لألوان من موسيقى الشعر لا نهائية وغير متوقّعة، وهذا في حدّ ذاته حيزُ رحب للشعرية وموسيقاها".

يواصل عمرو الشيخ حديثه: "وأعجب ممن يقصون قصيدة النثر عن القصيدة العربية محتجين بتعريفات لسان العرب مثلا، وقولي هذا لا يعني استهانة بلسان العرب وما في منزلته، بل يعني أمرين آخرين هما:.. الشعر الحقيقي حُجّة على المعاجم وليست للمعاجم حُجة على تعريفه أو حدوده.، والثاني:.. تنامي الحضارة مع مرور الزمن هو الحُجّة الحقيقية على الشعر والمعاجم معا، بمعنى أن الفن والعلم إن لم يستجيبا إلى السياق الآني، ويبشّر بالآتي فقدا شرعية وجودهما، وصارا مجرد اجترار وتقليد سخيف، ولو تأملنا ما قاله العرب- وهم أهل شعر ولغة- حين استمعوا إلى القرآن واعتبروه شعرًا واتهموا رسولنا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم بأنّه شاعر فهذا يعني أن العرب عرفوا أشكالا شعريةً ليست على النّسق الخليليّ، وإلا فلماذا اعتبروا القرآن شعرًا وهو دون وزن ولا قافية؟! إلا لو أنّهم كانوا يعهدون أشعارًا بدونهما. فلو قال متزيد هل كل نثر شعر؟ ستكون إجابتي قطعا لا، فكتب الجغرافيا والفيزياء والرسائل والتقارير والمقالات والخطب والمسرحيات وغيرها كلها أشكال نثرية فقط".

وأضاف: "كذلك فالعروض والقوافي لا يمنحان وحدهما الشعرية. وشعرية النثر ولدت وعاشت وازدهرت ومستمرة وتتنوّع عطاءاتها في الفصحى والعامية. وإذا كان تاريخها في الفصحى قديم ومتصل إلى اللحظة الراهنة، فإن تاريخها في العامية حديثٌ معاصرٌ بعض الشيء. نعم تاريخ شعرية النثر في العامية حديث، فالتاريخ سيذكر الدور التأسيسي لقصيدة نثر العامية على يد «مجدي الجابري، ومسعود شومان، ويسري حسان»، وغيرهم، ثم «مدحت منير، فسعيد عبد المقصود وحاتم مرعي»، ثم «عمرو العزالي»، وكل هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر . ونثر العامية لم تكن مجرد فرصة لاستخدام آلية فنية بل كان انطلاقة فنية نحو براح جديد يستمد عمقه وجمالياته من الواقع البسيط ويتخذ من المهمشين أبطالا لنصوصه. قصيدة النثر الحقيقيةـ رغم رفضي للمصطلح- ليست خروجا عن الشعرية، وليست ثورة ضد قصيدة ما وشكل ما، بقدر ما هي استجابة لزمن ووعي حضاريّ، وتتمّة للشعرية الموروثة المتعارف عليها".

يذكر أن الشاعر عمرو الشيخ  باحث أكاديمي في الشعر الحديث، وينشر قصائده ومقالاته وأبحاثه، في دوريات مصرية وعربية، وله سبع مجموعات شعرية: «قصائد تسعى وأخرى تصل»، و«الملوك»، و«أساطير الآخرين»، و«المقامات»، و«عادة الشعر يصل متأخرا»، و«بتوقيت النزيف»، و«النسوان».