رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«لا وقت للبكاء».. حكاية قصيدة ألقاها أمل دنقل في الذكرى الأولى لرحيل جمال عبد الناصر

أمل دنقل
أمل دنقل

إنجاز كبير استطاع الشاعر الراحل أمل دنقل أن يحققه خلال رحلة شاقة، ليصبح واحدة من ألمع الشعراء العرب، إذ يعد تركيبة فريدة، وكان ناضجا في رؤيته الاجتماعية، ورغم جذوره الصعيدية إلا أن رؤيته القومية لدوره كمثقف عربي لم تهتز أبدا.

في 28 سبتمبر 1971 وأثناء الاحتفال بالذكرى الأولى لرحيل الزعيم جمال عبد الناصر، وتوالي الشعراء على منصة قاعة الاحتفالات بمبنى الاتحاد الاشتراكي، وكانت قصائدهم كلها رثاء وبكاء للزعيم والقائد، ثم وقف أمل دنقل وألقى قصيدة "لا وقت للبكاء" ودهش الجميع إذ لم يرد بها أي ذكر للقائد، بل جاء فيها:
لا وقت للبكاء
فالعلم الذى تنكسينه.. على سرادق العزاء
منكس فى الشاطئ الآخر،
والأبناء ..
يستشهدون كى يقيموه على "تبة"،
العلم المنسوج من حلاوة النصر ومن مرارة النكبة
خيطا من الحب.. وخيطين من الدماء
وأنت تبكين على الأبناء،
تبكين؟
يا ساقية دائرة ينكسر الحنين..
فى قلبها، ونيلك الجارى على خد النجوع
مجرى دموع
ضفافه: الأحزان والغربة

وعلى الرغم من أن تزامن إلقاء هذه القصيدة، لم تكن حملات التهجم والتجريح على جمال عبد الناصر قد بدأت بعد، إلا أنه كان لأمل دنقل موقف معين من عبد الناصر، أوضحه في حوار له بمجلة "البيان الكويتية" بعددها رقم 129 الصادر بتاريخ 1 ديسمبر 1976، قائلا: إنني لا أذكر أنني هاجمت عبد الناصر شخصيا على الإطلاق، وإن كانت لي تحفظاتي حول نظام الثورة من أعلى لأن القائد في هذه الحالة يتصور أن عليه أن يفكر لكل فرد من الشعب، وبالتالي تنشأ الغيبوبة السياسية.

وتابع: عندما طلب مني أن أشارك في الذكرى الأولى لرحيل عبد الناصر قلت لهم سأقول ما أريد وكتبت هذه القصيدة، وكانت وجهة نظري أن ذهاب القائد لا يعني انهيار الجماعة، وأن روح الحزن والانهيار الجارف التي سادت نفوس الناس في ذلك الحين لا تتلاءم مع نفسية شعب يريد أن يحارب لأن غياب القائد في معركة ما لا يعني أن تنهار معنويات الجنود وإن كنا شعبا من الشعوب البدائية التي تنهزم بمقتل قائدها، وبالتالي فإن انتقادي كان لهذه الظاهرة السلبية ظاهرة التعلق بالقائد الذي كان يفكر لهذه الجماهير ويقودها ويفعل كل شيء بدلا عنها، فعندما رحل عبد الناصر حدث الانهيار الوجداني الكبير الذي تمثل في إيقاف الحياة لمدة 3 أيام.

وأضاف أن حملات التجريح والتهجم على جمال عبد الناصر، التي توالت بعد موته هي حملات ترمى لاقتلاع تجربته من جذورها، وهي ليست من أجل مستقبل أفضل للإنسان المصري، ولا نستطيع أن نزعم أنها منزهة عن الهوى، إذ أن القائمين بها ليسوا فوق مستوى الشبهات.