رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أصل تسمية «أولاد الناس» كما قدمه الكاتب الصحفى صلاح عيسى

صلاح عيسي
صلاح عيسي

عندما يمتدح شخصا ما جماعة من الناس٬ أو يذكر شخص آخر بخير٬ يصفه بأنه: "ابن ناس"٬ وأنهم: أولاد الناس٬ ولا يعني بالضرورة المصطلح أو التسمية أن يكون الشخص المشار إليه بالوصف٬ أنه ينتمي إلي طبقة ثرية أو أرستقراطية. فكما يذكر الكاتب الصحفي الراحل صلاح عيسي٬ في كتابه "هوامش المقريزي" بأنه وحيت الآن لا يزال تعبير "أولاد الناس" يجري علي ألسنة المصريين٬ ليشيروا إلي قوم كانوا أعزاء فأذلتهم الأيام٬ وكانوا أصحاب سلطة وسلطان٬ فأصبحوا بلا جاه ولا نفوذ٬ يشفق عليهم الناس٬ ويروون مأساتهم٬ وغالبا ما ينسون ما ارتكبوه من من جرائم أيام كانوا أصحاب جاه وسلطة وسلطان.

ويوضح صلاح عيسي أن وصف أو مصطلح "أولاد الناس"٬ يعود إلي العصر المملوكي٬ فعندما يعزل السلطان أو يموت كان مماليكه يطردون من "مقر الحكم" في القلعة٬ ويفقدون ما كانوا يحصلون عليه من امتيازات٬ وتنزل نساء السلطان المعزول أو المقتول من القلعة وعلي وجوههن غبرة٬ بعد أن ذهب زمن السلطة والتحكم٬ والعزة والكرامة٬ والتسلط علي الناس٬ وآن لمماليك السلطان الميت أن يعودوا إلي أصولهم٬ حينئذ كانوا يسمون "أولاد الناس" أو "مماليك السلطان القديم"٬ ويعيشون علي مخصصات يقبضونها من بيت المال٬ ولا تقاس بما كانوا يحصلون عليه من أموال في عهد سلطانهم القديم٬ فلم تعد الدولة عزبتهم٬ يتحكمون فيها ويوزعون أنفسهم على مناصبها٬ وينزحون بيت المال.    

ويستطرد صلاح عيسي: كانت مخصصات أولاد الناس هي البند السهل في ميزانية الدولة٬ فإذا وقعت أزمة مالية منع بيت المال عنهم مخصصاتهم٬ وانكسرت لهم مرتبات٬ فعانوا شظف العيش٬ لكنهم كانوا قد تعودوا العبودية٬ لذلك كانوا يسكتون. وذات مرة قرر أحد السلاطين أن يخرج في تجريدة (حملة عسكرية) فصرف لمماليكه نفقة لكل واحد مائة دينار٬ ومرتب أربعة أشهر وثمن جمل وثمن مؤونة٬ ثم أصدر أمرا بأن يلحق أولاد الناس بالحملة علي أساس أن يصرفوا مرتب أربعة أشهر فقط٬ فحصل لــ أولاد الناس كسر خاطر شديد.

ـــ هكذا كان موقف أولاد الناس من السلطان بعدما منع عنهم النفقة:
وعلي الرغم من تخاذل أولاد الناس ــ الذين لا تبدو شجاعتهم أو وقاحتهم إلا وهم في السلطة ــ فقد وقفت جماعة منهم للسلطان٬ بسبب النفقة٬ فلما وقفوا له٬ ولم يرث لحالهم٬ وقال:"أنا ما عندي نفقة لهؤلاء٬ فالذي لا قدرة له علي السفر٬ يرد الأربعة شهور التي أخذها٬ وأنا أترك له شهرا٬ ويستريح وتنقطع مرتباته". وما أن قال السلطان ذلك حتي سكتت أولاد الناس٬ وانتهت لحظة شجاعتهم المؤقتة٬ وقبلوا ــ وهم صاغرون ــ كل ما جري في حقهم.

ويؤكد صلاح عيسي: كان أولاد الناس كثيري الكلام قليلي الفعل٬ يهاجمون ما يجري في عهد السلطان الجديد حنقا علي المكاسب التي ضاعت منهم٬ لا معارضة لما يفعله٬ فإذا ما زاد السلطان مخصصاتهم مدحوه وشببوا به٬ كانوا قد تعودوا ذلة الالتحاق والهتاف لكل سلطة ــ طالما تعطيهم مخصصات ونفوذا وسلطة ــ وسرعان ما كانت الحال تتدهور بهم٬ فيحترفون اللصوصية والقتل٬ ويدخلون السجون.    
      
ويشدد صلاح عيسى على أنه: في ذلك الوقت كان في مصر أبناء للشعب لا ينتمون إلا له٬ ولا يترنمون إلا باسمه٬ وكان أولاد الناس يسمونهم بالدهماء٬ ويشنون ضدهم حملات قذرة٬ ويسقطون عليهم كل تاريخهم الملوث٬ يظنون كل الناس ذيولا وأتباعا٬ لأنهم كانوا طوال عمرهم لا يطمحون إلا لذلك.