رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حمدي عبدالتواب يكتب: شعب ضد الكسر


يجلس مسلوب الإرادة وينظر إلى هاتفه بشغف وفرحة وقد ملأت نغمات رنينه أركان غرفته غير عابئ بالرد.. لا أروي لك مشهداً من قصة عاطفية أو أحكي لك مشهداً سينمائياً، إنما هي مُجرَّد محاولة لتخيّل حال أحد رواد مواقع التواصل كَتَب على حسابه أنَّه من حجم عشقه لـ«أنشودة العظمة» التي عُزِفت في احتفال «موكب المومياوات الملكيّة» قرر تخصيصها كنغمة لرنين هاتفه، وأمسك بهاتف زوجته لا يفعل شيء سوى الاتصال بنفسه لسماع ألحانها.

تصرُّف كهذا لا يخرج إلا من مصري معجون بماء النيل، قادر على الابتكار حتى في صور احتفائه بما يحوذ إعجابه، مثله مثل ملايين المصريين الذين ملأوا الدنيا فرحاً واحتفالاً بالحدث العظيم، الذي أحيا بداخلهم عظمة تاريخهم، وكأن الدنيا تبدّلت من النقيض للنقيض، فمنذ أيّام قليلة كانت جولة لدقائق قليلة في صفحات التواصل الاجتماعي تكشف لك أن المصريين يقفون على أطراف أصابعهم مترقبين تطورات أزمة السفينة الجانحة في قناة السويس، تداول ضخم للأخبار وأحاديث متوترة تشعرك أنَّ الشعب يواجه خطر داهم وليس مجرد حادث عابر. حالة تكشف اعتزاز الشعب برموزه ومنها قناة السويس التي حفرها الأجداد بدمائهم.

حاول البعض الترفع عن التفاعل مع الحدثين المتباينين، ودخل البعض الآخر في مواجهات مع الشامتين والحاقدين، إلا إنَّ المدقق في ردود فعل المصريين يدرك أنَّ ما عبّر عنه أهل المحروسة خلال الأيام الماضية من مشاعر كانت كاشفة لقوة مصر الحقيقية المتجاوزة لمقدراتها ومشروعاتها ونفوذها، فقوة مصر الحقيقية تكمن في كونها وطن يجري في عروق أهله.

الصورة التي رسمها المصريون خلال الأسبوع الماضي، إنما تؤكد أنَّ هذه البلد عصيّة على الكسر، وأنَّ الحديث عن أزمة سد النهضة والمخاطر الداهمة لن يفت في عضد المصريين الذين اجتمعوا على اختلاف مشاربهم خلف قيادتهم بمجرد أن وصل الوضع إلى حد الجد.

شعب مصر أبيّ على الكسر.. شعب يعلن عنده وتجبره عبر نكتة أو إفّيه.. شعب مؤمن بنفسه وقدره.. يثور عندما تظنه مات.. يكتب ملاحمه بمدد الدم.. شعب عاش طوال تاريخه على حد الخطر، فلن تهزمه أزمة أو تنول منه معضلة، فاليقين أنَّ أزمة سد النهضة ما هي إلا فصل جديد من ملحمة هذا الشعب ومَن لا يؤمن بتاريخه فلينتظر ما ستسطره الأيام المقبلة.