رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإخوان ورحلة التيه




أيها السفاح الذى قرر أن يبدأ حياته فى عالم الإجرام، إذا كنت ذا طبيعة فاشية، تعشق الاستبداد، وتبحث عن القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، فلا تحمل همًا، إذ إنك تستطيع أن تحقق أمنياتك بكل بساطة، وأولى خطواتك فى طريق المال الحرام هو أن تُنشئ تنظيمًا تجمع فيه بضعة آلاف من الأتباع والمؤيدين، وهذا من أسهل الأمور ولكن بشرط، هو أن تجعل رايتهم دينية، ويكفى فى ذلك أن تكون خطيبًا بارعًا، وأن تقول لهم إن أمتنا لا تطبق الإسلام، وإنها هجرته سنوات طويلة، وإنك لذلك تريد أن تطبق الإسلام على مراد الله، وتقضى على الجاهلية التى يعيشون فيها، وتحصل للإسلام على قيادة العالم.
وبعد ذلك يصبح من حقك عند هؤلاء الأتباع أن تدعوهم للجهاد فى سبيل الله لإعادة الإسلام إلى الحياة مرة أخرى، ومن اليسير عليك أن تستخرج من كتب التراث آراء الفقهاء عن أن الجهاد نوعان، هما جهاد الدفع وجهاد الطلب، وقل لهم إن جهاد الدفع هو لكى ندافع عن ديننا وبلادنا، أما جهاد الطلب فهو لكى نفتح بالسيف بلاد الكفر لكى ننشر فيها الإسلام، فنضع قدمًا فى الأندلس وقدمًا فى الصين، ثم نتسيد العالم كله بعد ذلك، وسيصدقك الأتباع ويعيشون مع أقوالك فى عالم من الأحلام والتخيلات.
وبعد أن تضع فيهم تلك الأفكار بحيث تصبح جزءًا من تكوينهم النفسى قم بدفعهم إلى الانتظام فى تدريبات بالسلاح، وسيحلم كل واحد منهم بأن يستشهد فى سبيل الله، وأنه سيقابل الرسول، عليه الصلاة والسلام، فى جنات النعيم ويتناول معه طعام الإفطار، ثم ستلقى الحور العين بأنفسهن فى أحضانه التى كادت تذوب عشقًا لذلك اللقاء.
ولا يهم فى هذا كله أن يكون كل ما سلف يتفق مع صحيح الإسلام أو لا يتفق، فالأتباع فى كل حين لا يهتمون كثيرًا بالصواب والخطأ، والحق والباطل، ولكن الذى يهمهم هو الشعارات التى تدغدغ المشاعر وتحرك القلوب، الشعارات هى التى تصنع برمجة للعقول والأذهان، وتجعل الباطل عندها دائمًا هو الحق المطلق، وإذا أردت أن تجعلهم عبيدًا لك فليس لك إلا أن تنتقى لهم من تاريخ المسلمين ما يرفع من قدر الجهاد بالسلاح، احذف من منهجهم الفتن التى قامت بين المسلمين الأوائل، ولا تقترب من استبداد دولة الخلافة الأموية، ولا طغيان العباسيين، ولا دموية العثمانيين، فقط اكتب لهم عن الغزوات التى قام بها المسلمون، وقل لأتباعك إنها فتوحات إسلامية، وسيقارن التابع الضعيف بين واقعه الأليم وواقع جنود الفتوحات الأولى، وسيتمنى أن يكون مثلهم ليفتح بلاد العالم، وقتئذ سيكون كالخاتم بين أصبعك تحركه كيف تشاء، وتقتل به من تشاء وتجعله من المرتزقة لتقبض ثمنه غاليًا ليزيد رصيدك فى حسابك المفتوح فى بنوك الغرب.
هذا هو نفس ما قام به المرشد الأول للإخوان حسن البنا، فحينما أنشأ تنظيمًا سريًا مسلحًا كتب رسالة لهذا التنظيم طلب منه فيها أن يعمل على الجهاد، واستدل فى طلبه على مفاهيم انتهت تمامًا بل إن بعضها كان غير صحيح، وقال فى رسالته وهو يحض الشباب على القتال، إنه يجب إعداد تنظيمه بشكل عسكرى حتى يقوموا بغزو البلاد الأجنبية، بزعم أنهم بهذا الغزو سينشرون الإسلام! وأن هذا الغزو هو فى حقيقته فتح إسلامى، ومن بعدها انطلق شباب الإخوان يرتكبون كمًا من الجرائم الإرهابية لا حصر لها، فسجّل التاريخ عليهم قتلهم رئيس وزراء مصر أحمد ماهر، وكان ذلك فى ٢٤ فبراير من عام ١٩٤٥، والذى قتله شاب من شباب التنظيم السرى للإخوان هو محمود العيسوى، ولم يعرف أحد وقتها صلة العيسوى هذا بالإخوان، لأنه كان قد سجل عضوية فى أحد الأحزاب القائمة وقتها وهو الحزب الوطنى، كى تكون تلك العضوية تمويهًا وإبعادًا للأنظار عن الإخوان إن قُبض عليه، إلا أن شهادات الإخوان الكبار بعد ذلك دلت على أنه كان مكلفًا من قيادات الإخوان بارتكاب هذه الجريمة، وكان الشيح أحمد حسن الباقورى الذى كان مقربًا من حسن البنا هو أحد شهود التاريخ فى هذه الواقعة، وكذلك الشيخ سيد سابق والدكتور عبدالعزيز كامل، وكان قتل الإخوان لأحمد ماهر بسبب اتهامهم إياه بتزوير انتخابات البرلمان التى تمت فى يناير من عام ١٩٤٥ والتى رسب فيها مرشدهم حسن البنا عن دائرة الإسماعيلية.
ثم قاموا بتفجير تسعة أقسام شرطة بالقاهرة عام ١٩٤٦، ثم فجروا دور السينما ومحلات تجارية فى منطقة وسط البلد، ثم اغتالوا المستشار الخازندار، ثم اغتالوا رئيس وزراء مصر محمود فهمى النقراشى، ثم حاولوا اغتيال مصطفى النحاس، وبعد ثورة ١٩٥٢ حاولوا اغتيال عبدالناصر أكثر من مرة، وحينما أفرج عنهم السادات فى بداية السبعينيات قتلوه فى أكتوبر عام ١٩٨١، وهكذا، سجل من الإجرام لا ينتهى أبدًا.
ولأننا منذ نشأة الإخوان رأينا منهم العجائب، فإننا لن نتعجب من نهايتهم، ومن عجائب تلك الجماعة الإخوانية أنها جعلت الدين مصيدة للدنيا، وجعلت من الأخلاق الحميدة مضيعة للوقت، وارتكبت الموبقات باسم الدين تحت عنوان عريض هو «الضرورات تبيح المحظورات» وتحالفت مع رؤساء ثم حاولت قتلهم، وتحالفت مع رؤساء وقتلتهم، ورفعت رؤساء إلى أعلى سماء ثم شتمتهم واتهمتهم، وكانت تفعل كل ذلك وهى تذرف الدموع! ولعلك من ذلك ستتيقن أنهم ألد الناس فى الخصام، يفجرون فيه ويتهمون الناس كلهم بالفجور فى الخصومة، ومن فجورهم ذلك التزوير الإجرامى للتاريخ، فعندما نقموا على مصطفى أتاتورك قالوا كذبًا إن أمه يهودية، وعندما زادت خصومتهم مع جمال عبدالناصر قالوا كذبًا وزورًا أن أمه يهودية، وعندما فجروا فى خصومتهم مع السادات قالوا إنه بما أن والدة زوجته جيهان مسيحية إنجليزية لذلك فإن جيهان بالتبعية أصبحت مسيحية، ثم السادات بدوره سار وراء زوجته وأصبح مسيحيًا وقام بابا الكاثوليك بتعميده فى الفاتيكان، ونفس الأمر قالوه عن مبارك وزوجته سوزان، وكرروا نفس قصة التعميد الوهمية فى الفاتيكان بلا أى تغيير، ولكن الأهم من ذلك الفجور هو أنهم فى بداية عهد كل رئيس كانوا ينافقونه ويمتدحونه، ثم عندما ييأسون منه يأخذون فى تشويهه تاريخيًا وسياسيًا ويحشدون من أجل ذلك أكبر كم من الأكاذيب، يفعلون ذلك وكأنهم يتقربون لله بهذا الفجور.
وفى خلال تلك الفترة ارتموا فى أحضان الإنجليز، ثم الأمريكان، وأصبحت المخابرات الغربية تحركهم كما تشاء وكيف تشاء، وبعد ثورتنا العظيمة «٣٠ يونيو» ضدهم ذهبوا وهم يبكون إلى تركيا وظنوا أن حصونهم مانعتهم، وفتحوا جيوبهم للمال القطرى، وشاركوا مخابرات الغرب فى محاولة القضاء على استقرار مصر، وفتحوا قنوات فضائية لنشر الشائعات، واستغلوا لجانهم الإلكترونية لتشويه وعى المصريين، وأنفقوا ما أنفقوه، ثم كان ما أنفقوه حسرة عليهم، وفى ذات الوقت تركوا شبابهم الهارب من مصر وهو يعانى من الفقر والحاجة، فانخرط كثير منهم فى عصابات إجرامية تتاجر بالمخدرات والدعارة، وانتحر بعض شبابهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، والآن بعد أن أصبح رهانهم خاسرًا، أخذوا يبحثون عن بلاد أخرى تأويهم، ويبدو أنهم سيتيهون فى الأرض إلى ما لا نهاية.