رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا تزدرى المرأة الرجل المطيع؟


«الطاعة» بالنسبة إلى النساء ليست مجرد عنوان للفضيلة فى أسمى معانيها، لكنها هى التى تمنحهن أصلًا انتماءهن البيولوجى إلى جنس النساء.. هى «الرخصة» التى لا بد أن تُجدد يوميًا، حتى لا يُسحب من المرأة وجودها الإنسانى وتظل «مصنفة» فى خانة «الأنثى».. هى معادلة بسيطة يجب الحفاظ عليها، كلما زادت طاعة المرأة زادت أنوثتها، وزاد ثمنها فى سوق الزواج.
أما بالنسبة للرجل، فلا بد أن تكون له شخصية مستقلة نابعة من أفكاره ومزاجه وطباعه، ليبقى مسجلًا فى خانة «الذكر».
المرأة نفسها لا تحب الرجل المطيع بل تزدريه وتتجنبه ولا تجد سببًا واحدًا يدفعه إلى الطاعة التى تراها خادشة للرجولة، معيبة للذكورة، التى تسقطه من عينيها، حتى الأطفال فى البيت لا يحترمون الأب المطيع! أليست هذه كارثة أخلاقية وإنسانية وأسرية يجب تدميرها؟.
الرجل لا بد أن يتحرر من الطاعة حتى يثبت رجولته.. هو لا يطيع الناس، بل يطيع نفسه. وكلما تساءل وجادل وناقش وعارض وتمرد وشاغب وشاكس، يعتبر «بطلًا» و«شجاعًا».. بالطبع يوجد خط أحمر لعدم طاعته، تحدده السلطات السياسية والدينية، لكنه على الأقل لا يُقذف بالاتهامات والإدانات التى تُقذف بها المرأة التى تسأل وتجادل وتعترض.. فالمرأة التى لا تطيع إلا عقلها وعواطفها ومزاجها هى مريضة مرضًا متأصلًا.. لديها اختلال عقلى.. وارتباك عاطفى.. واضطراب فى الهرمونات.. عندها ميول انحرافية وعُقد منذ الطفولة.. تعانى من تشوش البوصلة البيولوجية.. تكره الرجال.. تكره الحياة.. تكره النساء.. وتكره نفسها.
وهذا كله يجعلها منبوذة، حتى تزف إلى العريس المتاح دائمًا «القبر»، وتصبح مغضوبًا عليها من الله والرسل والأنبياء، وتستنكرها الأعراف والعادات والتقاليد ومقررات التعليم ونظرات الجيران، وفى بعض الأحيان يجرها بالقوة واحد من ذكور العائلة لتصبح سجينة إحدى المصحات العقلية.
أليس تعبير «بيت الطاعة»، الذى يشد المرأة غير المطيعة لزوجها رغمًا عنها بقوة البوليس وجبروت القانون الذكورى وتسلط التقاليد الموروثة، خير دليل على أن الطاعة هى هوية النساء؟.
المفروض أن هناك مقياسًا واحدًا للأخلاق يطبق على الرجال والنساء.. فكما نمتدح الرجل الذى لا يطيع، علينا أن نمتدح أيضًا المرأة التى لا تطيع.
«الطاعة» ليست فضيلة، لكنها أعظم الآفات الأخلاقية وأكبر الأمراض الاجتماعية، هى أصل الشرور والإحباطات والتعاسة وضياع أحلام البشر وفقدانهم ذواتهم المتفردة، المبدعة، التى هى مثل بصمات الأصابع لا تتكرر.. إذا كنا نريد نهضة حقيقية، لا بد من إلغاء كلمة «الطاعة» من الأبجدية الأخلاقية واستخدام مقياس أخلاقى واحد يُطبق على الجميع.
لا تسرق.. لا تقتل.. لا تكذب.. لا تزنِ.. إلى آخر الوصايا المفروضة على البشر، لكن أين وصية لا تُطِع، لا تُطِيعى؟.
من بستان قصائدى
فى أحيان كثيرة.. أكتشف أننى
لا بد أن.. أموت
حتى أحيا وأعيش.. فى أحيان كثيرة
أكتشف أننى.. حتى أرى أعمق
لا بد أن أطفئ.. كل الأنوار
وأن أغلق الشيش.. فى أحيان كثيرة
أحن إلى طفولتى.. حين كانت أمى
تصنع لى ضفائر تمردى.. وتُخيط لى فستان الكرانيش
فى أحيان كثيرة.. أحب أن
أشم رائحة الدخان.. وأسمع نقاشات الفن
فى أتيليه القاهرة.. فى أى مكان على النيل
أو على مقهى «ريش».. فى أحيان كثيرة
أهرب من دعوة العشاء.. الفاخرة
وأجرى إلى كِسْرة من الخبز.. وقطعة من الجبن القريش
فى أحيان كثيرة.. أقرأ كتابًا
لأشم رائحة الحبر.. أو عبير الشعر..
ولكن يخنقنى.. حصار النفتالين
ورائحة الورنيش.. فى أحيان كثيرة
أشعر أننى.. لست فى الألفية الثالثة
ولكن.. فى معتقلات المغول
وعصور محاكم التفتيش.. فى أحيان كثيرة
لا بد للحمل الوديع.. أن يلبس جلد الشراسة
حتى تعود إلى أوكارها.. الوحوش والخفافيش
فى أحيان كثيرة.. أحس أن كل
تاريخ الموسيقى الغربية.. لا يساوى
نغمة واحدة من موسيقى «فريد».. أو «سيد درويش»
فى أحيان كثيرة.. لا أريد تكملة الحياة وكوارثها
اكتفيت من مباهجها.. وأتوق إلى الرحيل
لكنهم يمنعوننى.. يشدوننى.. يعيدوننى مرة أخرى إلى ثقافة
الدولارات والريالات.. وإلى زمن البانجو والحشيش.