رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحوار وتطبيق القانون




الإنسان ومنذ بداية تكوين المجتمعات الإنسانية تعرّف وعرف ومارس الكثير والكثير من العادات والتقاليد.. تلك العادات والتقاليد التى أخذت طابع الأعراف والعُرف، أى التوافق المجتمعى على الكثير من هذه الأعراف التى أطلق عليها «العُرف المجتمعى»، وهى التى كانت بمثابة القانون العرفى الذى يحكم حياة البشر.
بالطبع كان هذا العرف، أو القانون الاجتماعى، يخضع فى تكوينه وتعريفه إلى معطيات المكان والزمان الذى تكون فيه، وحسب ثقافة وأعراف وحكمة الشعب فى ذلك الزمان وفى تلك المنطقة، واستمرت هذه العادات والتقاليد والأعراف مرتبطة بالبشر صعودًا وهبوطًا، تقدمًا وتخلفًا.
ويقول الفيلسوف البريطانى جون أوستن، فى كتابه «محاضرات فى القانون»، إن «القانون هو القانون الوضعى الذى يقوم بوضعه حكام سياسيون من أجل طائفة محكومة سياسيًا، وهذا يعنى أن القانون هو فعل القوة»، وهنا لا يكون القانون الوضعى يمثل فعل القوة إلا إذا كان هذا القانون مستمدًا من أصول هذه العادات والتقاليد الحاكمة، ومن ذلك العرف الذى أصبح يمثل جزءًا من التكوين المعرفى والاجتماعى لمن ستطبق عليهم هذه القوانين.
ولأن التطور الاجتماعى والتقدم التكنولوجى قد أصاب الجميع، وهو الشىء الذى حلحل هذه الأعراف والتقاليد الموروثة، فأصبح الحوار المجتمعى الآن هو البديل لهذا الموروث.
وعلى ذلك، فعندما يتجاهل التشريع، أى تشريع للقوانين، الموروث الباقى من العادات والتقاليد والعرف ويتجاهل أى حوار مجتمعى، هنا لا بد أن يواجه تطبيق القانون، أى قانون، مصاعب جمة على أرض الواقع، فالقانون قبل تشريعه لا بد أن يلمس الواقع الذى نعيشه بمشاكله وأن يُوجد الحلول المناسبة لهذا الواقع حتى يكون هناك تجاوب جماهيرى حقيقى يساعد الجماهير إقناعًا وقناعة فى الالتزام بتطبيق هذا القانون.. فالحوار سمة حضارية وفضيلة اجتماعية وقيمة أخلاقية، وهو وسيلة للتواصل والتفاهم لتحقيق المنافع ودرء المخاطر.
فكلما زادت المشاكل وتعاظمت الأزمات المجتمعية ظهرت الحاجة إليه لتدشين حوار مجتمعى عام وشامل يتصدى للوضع قبل فوات الأوان.. كما أن الحوار المجتمعى يتأسس على قراءة الواقع قراءة صحيحة علميًا وموضوعيًا وميدانيًا.. كما أن التعصب للرأى والتفكير الأحادى وادّعاء امتلاك الحقيقة المطلقة غالبًا ما يكون عائقًا أمام أى تواصل وحوار مجتمعى.. فهل لغياب هذا الحوار المجتمعى نرى هذا الانفلات غير المسبوق فى عدم الالتزام بالقانون؟
لا شك أن الحوار، خاصة الذى يسبق العملية التشريعية، والذى يجب أن تقوم به الأحزاب السياسية «غير الموجودة فى الشارع التى تفتقد للعلاقة الصحيحة بالجماهير»، وكذلك نواب الشعب الذين يمثلون القاعدة الشعبية تشريعيًا، أى بمعنى وجود تواصل سياسى وجماهيرى يدرك من خلاله النائب المشكلة التى تحتاج إلى مواجهة قانونية تتوافق وتتواءم مع قدرة الجماهير عمليًا وواقعيًا حتى يتم الالتزام بهذا التشريع وذاك القانون-هنا، وبالطبع، وعند غياب هذا التواجد، وذلك الحوار تصبح هناك فجوة هائلة بين القانون والتطبيق، فتتراكم القوانين وتكثر التشريعات ويتعذر التطبيق، فقوة القانون لا بد أن يصاحبها إيمان واقتناع بأن تطبيق هذا القانون والالتزام به هو فى صالح المواطن وليس جبرًا أو وصاية حكومية عليه.
وفى كل الأحوال، وعند التشريع، لا بد من إدراك قدرة السلطة على التنفيذ فى ضوء الواقع الجماهيرى المعيش سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.. حمى الله مصر وشعبها العظيم وطنًا لكل المصريين.