رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جدل «الشاباك».. مَنْ يقود الأمن الداخلى فى إسرائيل؟

جريدة الدستور

أثار قرار بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، تعيين مائير بن شبات رئيسًا لجهاز الأمن الداخلى «الشاباك»، خلفًا لـ«نداف أرجمان»، الذى تنتهى ولايته فى يونيو المقبل جدلًا كبيرًا فى الأوساط الأمنية الإسرائيلية، فى ظل اقتناع البعض بأن اختيار الأول جاء لأسباب سياسية وغير مهنية.
ويرى كثيرون أن خبرة «بن شبات» لا تتناسب مطلقًا مع خبرة سلفه «أرجمان»، الذى يتمتع بقدرات واسعة، ووصفه كثيرون بأنه مبدع فى إدارته للعمليات، بينما يتوقع المحللون أن يُلحق الرئيس الجديد لـ«الشاباك» الضرر بالجهاز، لكونه غير قادر على إدارته بنفس الكفاءة.
فى السطور التالية، نستعرض السيرة الذاتية للرجلين، وخلفية كل منهما سياسيًا وأمنيًا، وأهم الخبرات التى يتمتعان بها، والملفات التى أدارها كل منهما، بالإضافة إلى المقارنة بينهما من حيث الكفاءة فى تولى رئاسة أحد أهم الأجهزة الأمنية فى إسرائيل.

أرجمان مسئول اغتيال قادة حركة حماس.. وحقق طفرة كبيرة فى إدارة الجهاز
«فى كل يوم أفكر قبل النوم فى أن هناك جاسوسًا فى مرتبة عالية لم أكتشفه، ومع ذلك أذهب للنوم».. تعد هذه أشهر كلمات نداف أرجمان، الرئيس الحالى لجهاز الأمن الداخلى فى إسرائيل «الشاباك»، الذى يؤكد كثيرون أنه حقق طفرة فى أداء الجهاز منذ توليه المسئولية.
نشأ «أرجمان» فى «كيبوتس حمديا»، التابعة لقضاء مدينة بيسان، وله ميول يسارية، ويحمل شغفًا خاصًا بالتاريخ والتراث، ويهوى جمع القطع التاريخية، وذلك وفقًا لتقرير نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت».
حصل «أرجمان» على شهادتى البكالوريوس والماجستير من قسم العلوم السياسية بجامعة حيفا، وكذلك شهادة ماجستير فى الأمن والاستراتيجية من كلية الأمن القومى.
وفى عام ١٩٧٨ تجند بوحدة النخبة فى الجيش الإسرائيلى لمدة خمس سنوات، تولى خلالها مهام قيادية ميدانية، ثم التحق بجهاز الشاباك عام ١٩٨٣، وشغل مناصب عديدة، من بينها رئيس قسم العمليات فى الجهاز لمدة أربع سنوات، وذلك منذ عام ٢٠٠٣ وحتى عام ٢٠٠٧، ثم أصبح ممثلًا للجهاز فى الولايات المتحدة لمدة ثلاث سنوات، ونائب رئيس الجهاز لمدة ٣ سنوات، منذ عام ٢٠١١ حتى عام ٢٠١٤، ويتولى رئاسته منذ فبراير ٢٠١٦ حتى الآن.
لا يجيد «أرجمان» اللغة العربية، لأنه لم يشغل وظائف ميدانية كثيرة، فهو لم يعمل فى التحقيق مع الفلسطينيين مثل كثير من سابقيه، لكنه صاحب خبرة طويلة، وعمل فى قسم العمليات العسكرية فى فترة الانتفاضة الثانية، ما أكسبه القدرة على التعامل مع الفلسطينيين.
أشرف رئيس «الشاباك» الحالى على العشرات من عمليات الاغتيال التى نفذها الجهاز، ويؤكد بعض الجهات وقوفه وراء اغتيال أحمد الجعبرى، قائد كتائب «عزالدين القسام»، التابعة لحركة «حماس»، الذى اغتالته إسرائيل عام ٢٠١٢، ما فجر الحرب الثانية على قطاع غزة.
يتخصص «أرجمان» فى تجميع المعلومات المخابراتية، ويضع الأمن السيبرانى والفضاء الإلكترونى والتكنولوجيا العسكرية على رأس أولوياته، وفقًا لموقع «واللا» العبرى.
وكشف أحد الضباط السابقين فى جهاز الأمن الداخلى عن أن «أرجمان» كان القائد الحقيقى لـ«الشاباك» خلال حرب غزة المعروفة باسم «الجرف الصامد» فى صيف عام ٢٠١٤، قبل توليه رئاسة الجهاز بعامين، وذلك وفقًا لما نشرته جريدة «معاريف».
ويؤكد زملاؤه أنه صريح، ويقول ما يفكر به دون مجاملات، بالإضافة إلى كونه بارد الأعصاب، كما يؤكدون أنه مبدع فى نظرته إلى العمليات.
قبل توليه المسئولية خلفًا لـ«يورام كوهين»، رئيس «الشاباك» السابق، رأى الإعلام الإسرائيلى أن الأخير فشل فى صد هجمات الفلسطينيين، ولم يتمكن من وقف عمليات الدهس والطعن ضد الإسرائيليين، مؤكدًا أن هذا كان السبب فى استبداله وتعيين «أرجمان»، الذى انخفضت العمليات فى ولايته.

بن شبات مفاوض وسياسى.. وحلقة وصل بين نتنياهو وموسكو وواشنطن
رغم الدور النشط والمركزى الذى لعبه مائير بن شبات فى بعض أكثر الملفات حساسية وأهمية على جدول الأعمال السياسى، ترتكز انتقادات تعيينه فى منصب الرئيس الجديد لجهاز الأمن الداخلى «الشاباك» على علاقته الشخصية برئيس الوزراء، لكونه أحد المقربين منه.
ويرى كثيرون أن تعيين «بن شبات» جاء لأسباب سياسية، بهدف إحكام «نتنياهو» قبضته على الأجهزة الأمنية فى إسرائيل، وأن خبرات الأول سياسية بشكل كبير، ما يستدعى تغييرات كبيرة فى طريقة عمل الجهاز.
ولد «بن شبات» عام ١٩٦٦، ودرس فى مدرسة دينية عامة فى مدينة ديمونا، قبل أن يصبح مراسلًا صحفيًا فى صحيفة «ديمونا» المحلية، بالإضافة إلى عدة صحف ووسائل إعلام.
تجند فى صفوف «الشاباك» عام ١٩٨٩، بعد انتهاء خدمته العسكرية الإلزامية فى الجيش الإسرائيلى، التى قضاها فى لواء النخبة «جفعاتى»، وعمل فى المقر العام للجهاز وقيادته، وفى ١٩٩٢ حصل على وسام ترقية من رئيس «الشاباك» عن إنجاز استخباراتى لم يكشف النقاب عن طبيعته حتى الآن.
عمل «بن شبات» فى القسم الإلكترونى، وتولى رئاسة شعبة مكافحة الإرهاب والبحوث الوطنية، وكان من مهامه التعامل مع «حماس»، وانخرط فى تنفيذ عمليات «الشاباك» خلال حرب غزة الأولى، المسماة بـ«الرصاص المصبوب»، فى أواخر عام ٢٠٠٨، كما شغل منصب رئيس مجلس الأمن القومى الإسرائيلى منذ أغسطس ٢٠١٧.
كان لـ«بن شبات» دور لافت فى التعامل مع أزمة «كورونا» خلال العام الماضى، كما كان أحد أهم المفاوضين الإسرائيليين فى عدد من الملفات المهمة، على رأسها خطة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، للسلام، وتولى أيضًا المسئولية عن إعداد الخرائط لبسط السيادة الإسرائيلية على مناطق فى الضفة الغربية وغور الأردن.
لـ«بن شبات» علاقات قوية على المستوى الدولى، وكان حلقة الوصل بين «نتنياهو» وإدارتى الرئيسين الروسى فلاديمير بوتين فى موسكو، والأمريكى دونالد ترامب، فى واشنطن.
وبالمقارنة بين الرجلين وخلفياتهما العسكرية والأمنية، يبدو أن «بن شبات» قد يكون أقل كفاءة عسكريًا وأمنيًا من سلفه «أرجمان»، وإن كان أنجح منه على المستوى السياسى، ما قد يشير إلى اهتمام إسرائيل خلال السنوات المقبلة بالملفات السياسية على حساب الأمنية، فى ظل انخفاض العمليات الفلسطينية خلال العام الأخير.
وشهد عام ٢٠٢٠ تراجعًا كبيرًا فى العمليات، وإطلاق ١٧٤ صاروخًا وقذيفة صاروخية تجاه إسرائيل، مقارنة بإطلاق ١٢٩٦ صاروخًا وقذيفة عام ٢٠١٩، و١١٦٤ صاروخًا وقذيفة عام ٢٠١٨، ويمكن إرجاع ذلك إلى الاهتمام بملفات تطوير قطاع غزة، والتطورات فى مفاوضات الأسرى، وكذلك الانتخابات فى السلطة الفلسطينية.
على جانب آخر، يبدو أن «بن شبات» لديه اهتمام خاص بالتكنولوجيا والأمن السيبرانى مثل سلفه «أرجمان»، ما يشير لاستمرار عمل الجهاز فى هذا الملف بنفس الطريقة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تولى «بن شبات» رئاسة هيئة الأمن القومى يشير لكون الهيئة أصبحت بوابة العبور إلى رئاسة الأجهزة الأمنية فى إسرائيل، فقد سبق لـ«يوسى كوهين»، رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلى «الموساد»، ترؤسها بين عامى ٢٠١٣ و٢٠١٦، وذلك قبل توليه رئاسة جهاز الاستخبارات، بينما يستعد «بن شبات» لرئاسة جهاز الأمن الداخلى، بعدما تولى رئاسة الهيئة منذ ٢٠١٧.