رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كاتب أسترالى يقرأ مستقبل العالم: حروب على موارد المياه وأوبئة بلا علاج

برميل البارود
برميل البارود

رغم كل ما طُرح من وعود بالتقدم غير المحدود والسعادة غير المحدودة والحرية المطلقة، ومن أن التقدم التكنولوجى سيكون ضامنًا لراحة أكبر، جنى الإنسان مزيدًا من الشقاء، فلم يؤد إشباع كل الرغبات بغير قيود إلى السعادة، وانتهى الحلم بأن نكون السادة الأحرار لحياتنا، مع معرفة أننا مجرد تروس فى الآلة الرأسمالية، فضلًا عن أن التقدم التكنولوجى خلق مخاطر إيكولوجية تهدد البيئة الطبيعية، ما يمكن أن يكون السبب فى إنهاء كل أشكال الحضارة.
يلوح سؤال المستقبل فى الأفق مع التحديات الراهنة التى يواجهها العالم، تحديات تكنولوجية تُنذر بعالم ما بعد الإنسانية، حيث الآلة أكثر أهمية من الوجود الإنسانى، وتحديات سياسية تشتد فيها حدة الصراعات لحيازة الموارد الأساسية من مأكل ومشرب حفاظًا على السيادة، وتحديات بيئية فى ظل التغيرات المناخية وتدمير النظام البيئى بما يُحذِّر من مزيد من الأوبئة والأمراض فى مستقبل ليس ببعيد.


اجتياز القرن الحادى والعشرين
كتاب يُناقش أخطر تحديات تواجه البشرية
منذ بدايات وجود البشر على سطح الأرض، كان الإنسان فى سعى دائم لاكتشاف أدوات وتطويرها بُغية مواجهة التهديدات التى تحيق به ومنعها، كانت تلك المقدرة على «التبصُّر» هى ما ميّزت الإنسان عما سواه من المخلوقات، فاستُخدمت التكنولوجيا البدائية آنذاك لتجنب المخاطر، لكنها فى العصر الراهن باتت تُنذِر بالعديد من التهديدات بعدما أساء الإنسان استخدامها ووجّهها وجهة تهدد الوجود البشرى فى مجمله.
فى كتاب «اجتياز القرن الحادى والعشرين»، الذى صدرت ترجمته العربية مؤخرًا عن «مؤسسة هنداوى للتعليم والثقافة»، يقوم الكاتب الأسترالى جوليان كريب برحلة تمتد منذ بدايات الوجود البشرى على الأرض حتى العصر الراهن، ليُبرز تلك التحديات أو ما سماه التهديدات الوجودية العشرة التى باتت البشرية فى مواجهتها وسُبل التغلب عليها كأفراد ودول وكنوع بشرى بشكل عام. يُعدِّد الكاتب السيناريوهات المُحتملة مستقبًلا، والتى قد تؤدى لانقراض البشر أو فنائهم جزئيًا، وهى حسبما يوردها «معهد أكسفورد لمستقبل الإنسانية»: التغير المناخى الحاد، والحروب النووية الناشئة عن النزعات الدينية أو العرقية أو السياسية، وتطور تكنولوجيا المعلومات إلى حد استبدال الذكاء الاصطناعى بالذكاء البشرى، ووباء عالمى ينتُج عن فيروس مُعْدٍ حديث التطوُّر أو من صُنع الإنسان، وانهيار النظام البيئى، وكذلك وقوع كارثة فى نظام الأرض لا يُمكن تجنُّبها، مثل اصطدام كويكب بالأرض أو اندلاع ثورة بركانية على نطاقٍ واسع.


التغيرات البيئية
خاض الإنسان على مدار تاريخه العديد من الصراعات من أجل حيازة الموارد اللازمة له، ذلك الصراع بات مُحدّدًا لمصير الحضارة فى المستقبل لا سيّما فى ظل ما تُنذر به التوقعات من تطور تلك الصراعات على شتى المستويات الاقتصادية والسياسية والعلمية والعسكرية.
وفى ظل طبيعة الاستهلاك البشرى الحالى، حدث تدمير واسع للنظام البيئى وتغيرات مناخية متزايدة، ويتوقع العلماء أن المعدّل الحالى للنشاط البشرى سيقود إلى انقراض ما يصل إلى نصف أنواع النباتات والحيوانات بنهاية هذا القرن، كما يحذرون من إمكانية اختفاء معظم الشعاب المرجانية فى العالم بحلول عام ٢٠٥٠.
يعتبر الكاتب أن المخاطر الوبائية من أبرز ما نجم عن التغيرات البيئية، والتى تعد من أكبر تهديدات القرن الحادى والعشرين، إذ تنشأ فى الغالب، حسبما يوضح، فى الحيوانات البرية أو المُستأنَسة وغالبًا كشكلٍ من أشكال التدهور البيئى، ويقول الكاتب: مع نموِّ أعداد البشر وتوغُّل الناس فى المناطق التى كانت تُسيطِر عليها فى السابق الحياة البرية والغابات، فمِن المُحتمَل أن ينتقل المزيد من هذه الأمراض حيوانية المنشأ إلى البشر.
يشرع الكاتب فى توضيح أبعاد الأزمات البيئية المستقبلية وما سينجم عنها استنادًا إلى أحدث البحوث العلمية، ويخلص إلى أن الحل لكلٍّ من تغيُّر المناخ والتسمُّم الوبائى يأتى عبر التكاتف من أجل القضاء على استخدام النفط والغاز والفحم، واستخدام الطاقة المُتجدِّدة وتكنولوجيا الطحالب لإنتاج الوقود والغذاء والألياف والمواد الكيميائية الصناعية والبلاستيك والأدوية.


نُدرة الموارد
من أبرز التهديدات المستقبلية التى أوردها الكاتب، تجاوُز المطالب المادية للبشر القدرة الاستيعابية لكوكب الأرض، وهو ما يُنذر بالعديد من الصراعات والحروب للحصول على الموارد اللازمة من غذاء وماء، إذ يشير أحد تقارير الأمم المتحدة إلى أن الطلب العالمى على المياه بحلول الثلاثينيات من القرن الحادى والعشرين سيتجاوز إمداد المياه بما يصل إلى ٤٠٪، ما قد يقود إلى اندلاع الحروب على المياه.
يقول الكاتب: «المياه مثالٌ جَلى على انعدام الحكمة لدى البشر، وعلى جشعنا وإسرافنا وفوضويتنا وفشلنا فى توقُّع المستقبل، إذ يُوجَد ما يكفى ويفيض من المياه العذبة على هذا الكوكب لتلبية احتياجاتنا واحتياجات جميع أشكال الحياة، ولكننا نُديرها إدارةً سيئة بشكل عام».
الأمر ذاته ينطبق على موارد الطعام، وينوّه الكاتب إلى أنه بحلول عام ٢٠٥٠ ستضُم مدن العالم أكثر من سبعة مليارات نسمة، لكنها لن تكون قادرة على إطعام نفسها، وستعتمد على ما يُنقل لها من إمدادات لإعادة ملء المتاجر، ومن ثمَّ فأى انقطاع فى مسار الإمدادات سيَنتُج عنه تضوُّر تلك المدن جوعًا خلال أيام.
ويلفت إلى أن هناك عشرة عوامل رئيسية تقودنا إلى انعدام الأمن الغذائى العالَمى، اثنان منها يخصُّان جانب الطلب وثمانية تخصُّ جانب العرْض، ففيما يخصُّ جانب الطلب، نجد الدافع وراء مُضاعفة إنتاج الغذاء العالمى من النمو السكانى وارتفاع مستويات المعيشة إلى جانب الطلب الاقتصادى على الأطعمة الأعلى جودة.
أما فيما يخصُّ جانب العرْض، فالعوامل الرئيسية التى تحدُّ من قُدرتنا على مضاعفة إنتاج الغذاء هى: تراجع خصوبة التربة فى جميع أنحاء العالم، وتقلُّص المناطق الزراعية فى العالَم، وندرة المياه العذبة النظيفة فى المناطق المُكتظة بالسكان، وارتفاع تكلفة وقود النقل السائل، وندرة الأسمدة المعدنية عالية الجودة بحلول منتصف القرن، والانهيار المُحتمَل فى مخزونات الأسماك البرية بسبب الإفراط فى صيد الأسماك وتلوُّث المحيطات، وكذلك الانخفاض العالمى فى استثمارات القطاع العام فى علوم الأغذية والزراعة ومصايد الأسماك، إلى جانب شُيوع استثمارات المضاربة فى الأراضى الزراعية والسلع وممارسات الاستيلاء على الأراضى من قِبَل المضاربين والشركات الغنية.


أسلحة الدمار الشامل
كانت الحروب وما زالت أحد أبرز التهديدات التى تعترى العالم، ويزداد الأمر خطورة مع الاستخدام المُفرط للأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل بشكل عام، ويلفت الكاتب إلى أن معظم السيناريوهات لنهاية الحضارة تَستحضر الاستخدام واسع النطاق لأسلحة الدمار الشامل، لكنه يُرجّح حدوث ذلك كنتاج لتوترات قاسية، مثل مجاعات وأزمة مياه وانتشار الأوبئة وتدفق اللاجئين وفشل الأنظمة المالية.
وفضلًا عن الأسلحة النووية، فهناك خطر متزايد نتيجة استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية التى تتكوَّن من: الكائنات العضوية المُسبِّبة للأوبئة القاتلة، والسموم الطبيعية القاتلة ومبيدات الأعشاب المختلفة، والآفات والحشرات والأمراض الفطرية التى تهدف إلى تدمير الإمدادات الغذائية، من قِبل بعض الدول المالكة لمختبرات لصنعها، بما يُشكِّل تهديدًا مستمرًا لوجود البشر.
يوضح الكاتب أن ثمة العديد من المُحرِّكات الرئيسية للحروب المُعاصِرة هى الدين والانتقام والتطهير العرقى والفشل فى المُساوَمة على الموارد، أما سيناريوهات حروب آخر مرحلة فى تاريخ البشرية فقد تأتى نتاجًا لتوترات بين القوى العظمى لتأكيد نفوذها، ونزاعات على الموارد، ونزاعات إقليمية، قد تصل إلى نزاع نووى، وخطر نشوب نزاع نووى سُنِّى شيعى ناتج عن سباق تسلُّح فى الشرق الأوسط، والاستخدام العشوائى للأدوات النووية أو الكيميائية من قبل الجماعات الإرهابية المُستعدة للمخاطرة بكل شىء، أو غير الواعية بالتبعات، ما قد يُؤدى إلى حالة من الذعر والارتباك والانتقام على الصعيد العالمى.
ويضيف: تشمل الأشكال الأخرى للهشاشة الحضرية المُتزايدة ما يلى: الأضرار الناتجة عن العواصف، وارتفاع مُستوى سطح البحر، والفيضانات والحرائق الناتجة عن تغيُّر المناخ أو القوى الأرضية، والاضطرابات المدنية والحروب الأهلية، كما حدث فى لبنان والعراق وسوريا بداية من عام ٢٠١٠، وانقطاع إمدادات النفط وما يترتَّب على ذلك من فشل وصول الإمدادات الغذائية، وتفاقُم المشكلات الصحية فى المدن بسبب الانتشار السريع للأمراض الوبائية والتلوُّث الصناعى، والتهديدات التى يُشكلها نهوض الذكاء الاصطناعى وعلم النانو.

الذكاء الاصطناعى
يشير «كريب» إلى أن مخاطر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى تنبع من إنذارها بنهاية العنصر البشرى مقابل سيادة الآلة، فمن بين جميع المخاطر المختلفة التى تواجه البشرية فى هذا القرن، تعتبر معارضة الذكاء الاصطناعى والتغلب عليه الأكثر صعوبة، لا سيّما مع وجود مصالح شخصيّة لدى العديد من الناس فى تطوره.
ويتابع الكاتب: الجانب الآخر الذى تُعرِّض فيه مسيرة التكنولوجيا مُستقبَل الإنسان إلى الخطر، هو بزوغ نجم النانوقراطية، وتعنى الوضع الذى تدير فيه شبكة من الحكومات والشركات التجارية والجهات المَعنية بتطبيق القانون عملية جمع المعلومات عن الأفراد ومُراقبتهم مراقبةً دقيقة طوال حياتهم.
مجتمعات المراقبة تلك، قد تُمكِّن بحلول عام ٢٠٣٠ بفضْل الحوسبة الكمية والانتشار العالمى للإنترنت والأجهزة الإلكترونية، مثل الهواتف الذكية وكاميرات الدائرة المُغلَقة، من مراقبة ورصْد كل فرد فى المجتمع افتراضيًا على مدار مُعظم حياته تلقائيًا ودون موافقته، وهو ما قد يمثل تهديدًا للخصوصية، فضلًا عن إمكانية استغلالها من قبل الأحزاب السياسية والهيئات الدينية.



التفاوت المالى
رغم أن التفاوت المادى لا يُمثّل تهديدًا مباشرًا على بقاء النوع البشرى، فى ظل المحاولات المستمرة للمجتمعات لتدبير أمورها فى هذا الصدد، فإن القلق كامن فى إمكانية أن يقود عدم المساواة إلى تدمير التماسُك الاجتماعى، ونفى احتمالات قيام جهد تعاونى لمُعالجة التهديدات الوجودية المُتعدِّدة التى يواجهها كوكب الأرض.
يُبين الكاتب المسألة بقوله: «كى تبقى الحضارة ويَنجح نوعُنا فى البقاء والازدهار بشكلٍ مُستدام على المدى الطويل، يُعتبَر التفاهُم المشترَك والتعاون ضروريين لرأب جميع الصدوع التى تفرق بيننا، سواء أكانت سياسية أم إثنية أم دينية أم اقتصادية. لن يُمكننا العيش فى عالَم مُستدام، ولن يُمكن لجنسنا البشرى البقاء إلا إذا تمكَّنا من تقليص فجوات الفقر وعدم المساواة، هذا إن لم نسدها بالكامل. وهى ليست مسألة سياسية أو أيديولوجية كما قد يُجادل الكثيرون، بل إنها الدرس نفسه فى التعاون والحكمة الجماعية الذى تعلَّمه البشر الأوائل لأول مرة فى السافانا الإفريقية منذ مليون ونصف المليون سنة مضت: باتِّحادنا نصمد، وبانقسامنا نسقط.
ويشدد الكاتب على أن الحل لكل تلك المعضلات التى تهدد مُستقبل البشرية، مثل انهيار النظام البيئى، واستنفاد الموارد، والحرب النووية، وتغيُّر المناخ، والتسمُّم العالمى، والمجاعات، والزيادة السكانية، وانتشار الأمراض الوبائية، والمراقبة العالمية، والتقنيات المتطوِّرة التى لا يُمكن السيطرة عليها- يكمُن فى التضافُر بين العقول والقيم والمعلومات والمعتقَدات والربط بينها كلها فى جميع أنحاء الكوكب.