رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الخطة إنقاذ».. كيف تجنبت مصر مسار النفق المظلم؟

السيسي
السيسي

دخلت مصر نفقا مظلما في العام 2012 بعد نجاح جماعة الإخوان في السيطرة على مقاليد الحكم، طوابير أمام مستودعات اسطوانات الغاز ومحطات التزود بالوقود، فضلا عن انقطاع الكهرباء لفترات تتعدى الـ6 ساعات يوميا، ناهيك عن انخفاظ الاحتياطي الأجنبي لأدنى مستو له، ما قرب "قلب الشرق الأوسط" من مصير "الدولة الفاشلة"، وفق توقعات غالبية مراكز الدراسات والأبحاث الغربية، ووهو المفهوم الذي ظهر 1993 عبر دراسة تناولت انهيار الدولة الصومالية، نشرت في مجلة السياسية الخارجية الأمريكية، وحددت المقصود منه باعتبارها الدول التي لا تستطيع أن تلعب دورًا ككيان مستقل، ولم تعد قادرة على القيام بوظائفها الأساسية.

كان المشهد السياسي قبل تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد السلطة ينحدر إلى تفكيك الدولة والاعتداء على القانون والقواعد الدستورية المستقرة عبر إعلانات دستورية سعت لتأسيس ديكتاتورية الجماعة، والتي صنفت إرهابية في بعض الدول، واكتلمت حلقة الديكتاتورية بإصدار "دستور معيب" لم يحظ بأي حوار مجتمعي يسعى لاقتسام السلطة بين أجنحة الجماعة بين رئاسة وبرلمان يسيطر عليهما مكتب إرشاد الإخوان، وبذلك ينجحون في الاستيلاء على مفاصل الدولة مستغلين المشاعر الدينية في المعارك السياسية.

بطبيعة الحال، طالما أن السياسة في ذلك الوقت بهذا الشكل، فالاقتصاد حدث ولاحرج كانت مؤشراته تسقط إلى الهاوية، فلم يكن هناك أي اهتمام بأي عمليات تنمية أو إصلاحات، واعتمد الإخوان على الدعم المالي القطري في ظل حالة مقاطعة فرضها وجودهم في حكم مصر لدى دول عربية وخليجية ترفض التعامل معهم، فشهدت مصر أزمات كبيرة، منها العجز المالي الضخم بسبب تراجع مدخلات السياحة والأنشطة التجارية والتصديرية للدولة، وهو ما كان التعافي منه يحتاج لعلاج حاسم وعاجل يمتد لسنوات، وأصيبت قدرات الدولة بشلل كامل فى تقديم خدماتها الطبيعية مثل توصيل الطاقة الكهربائية للمنازل وإمداد السيارات بالوقود وتوفير السلع التموينية في المجمعات التجارية والأسواق التي شهدت نقصًا حادًا في كل السلع الضرورية.

بعد الضعف السياسي والاقتصادي، حدث بالتبعية انهيار اجتماعي من ملامحه تصاعد الضغط الديموغرافي، ويعبر عنه بارتفاع كثافة السكان في الدولة وانخفاض نصيب الأفراد في المجتمع من الاحتياجات الأساسية، مع تزايد حركة اللاجئين بشكل كبير إلى خارج الدولة أو تهجير عدد منهم في منطقة داخل الدولة بشكل قسري، مع انتشار ظاهرة هروب العقول والكفاءات.

وفي ظل ضعف جماعة الإخوان الواضح، جاء دور تخطيط الجماعات الارهابية مثل "داعش" لإدارة مرحلة ما بعد الانهيار كعادتهم، هذا التخطيط الذي وضعه مثلا "أبوبكر ناجي" أحد منظري الجماعة الإرهابية المجهولين وطبّقته داعش في المناطق التي خضعت لاحتلالها في سوريا والعراق.

- فوضى ما بعد إسقاط السلطة

كان المخطط يقوم بشكل رئيسي على استغلال فوضى ما بعد إسقاط السلطة الحاكمة ومعاناة السكان من نقص السلع والخدمات وغياب أدوات تنفيذ القانون، فتتقدم المليشيات الإرهابية المسلحة لتحل محل السلطة المنهارة الغائبة، ويقيم الإمارة الإسلامية ويطبق الشريعة وفق منظوره الخاص، وتعد هذه أحد مراحل التنفيذ.

وبذلك اكتملت دائرة الخطر على مصر ما بين انهيار سياسي واقتصادي وتربص إرهابي إقليمي تجسد في المواجهات التي أعقبت فض بؤرتي رابعة والنهضة، وما نتج عنها من انتشار وتمدد العمليات الإرهابية في ظل دعم خارجي لا ينقطع عن تلك الجماعات، وسعي محموم لإسقاط الدولة المصرية واستغلال نقاط ضعفها.

في ظل تلك الظروف، تسلم الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم، واتضح أنه وضع خطة لاستعادة الدولة كهدف أولي تمر عبر مسارين متوازيين، الأول هو استعادة وتقوية مؤسسات الدولة المصرية وحمايتها من الانهيار والفشل ومكافحة الإرهاب واثبات وجود الدولة وقدرتها على المواجهة.

- خطة استعادة الهيبة بقيادة السيسي

ركزت إدارة السيسي بشكل عاجل على استعادة الدولة لقدراتها الأمنية لمواجهة الأخطار المحيطة بها خارجيًا وداخليًا بتقوية دور القوات المسلحة والشرطة المدنية، وفرض الأمن بشكل سريع وحاسم، وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية لاستعادة قدرة الدولة على توفير خدماتها للمواطنين والبدأ في حل أزمة انقطاع التيار الكهربائي
وإمداد محطات البنزين بالوقود وفق خطة واضحة طويلة المدى لمنع أي تعطيل لمسار تقديم الخدمة للمواطن بالتزامن مع الإعلان عن أول مشروع قومي كبير وهو قناة السويس الجديدة والانتهاء منها في ظرف عام واحد لاستعادة قدرة الدولة على العمل والبناء بمشروع كبير ومؤثر، ثم تبعها عدد من المشروعات القومية الكبرى، مثل البدء في حفر أنفاق تحت قناة السويس لربط سيناء مرة أخرى بالدلتا وإنهاء عزلتها بشكل عملي، وبدءعلميات التنمية فيها.

مع التقدم في استعادة الدولة لكفاءتها وقدرتها على العمل، بدأت الدولة في استكمال بنائها الدستوري والتشريعي بانتخابات لمجلس النواب 2015 ظهر فيها هندسة جديدة للعمل السياسي مبني على ضمان تمثيل المرأة والأقباط والشباب نيابيًا؛ حتى تشارك كل فئات الشعب في عمليات التشريع والرقابة، وبدأت الدولة عددًا من الإصلاحات الاجتماعية العاجلة أهمها وضع استراتيجية لمكافحة الفساد والبدأ في إصلاح وتطوير الخطاب الديني مع استعادة النسيج الاجتماعي لوحدته، وكانت زيارة الرئيس السيسي للكاتدرائية للتهنئة بعيد الميلاد كأول رئيس مصري يقوم بها، وهو ما عالج آثار سنوات الفوضى على المسيحيين المصريين، مع وضع خطة عاجلة للإصلاح الاقتصادي توفر مناعة للاقتصاد المصري في مواجهة ضد أي هزات اقتصادية طارئة أو مفاجئة، وتمكنه من استعادة مؤشرات نموه مرة أخرى.

التحرك لاحتواء الآثار السلبية على المواطن

تحركت الدولة ووفرت برامج حماية لاحتواء الآثار السلبية على المواطن جراء تلك القرارات الصعبة، ثم انتقلت الدولة إلى مرحلة وضع استراتيجية تنطلق من تحقيق أهداف الألفية التي وضعتها الأهم المتحدة لتحقيق الحق في التنمية كأحد حقوق الإنسان والذي تمت ترجمته إلى تعميم مفهوم جودة المعيشة.

وفي فبراير 2016، أعلنت عن "رؤية مصر 2030" والتي عكست فكرًا طموحا لدى الدولة المصرية لتحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة في كل المجالات، وتوطينها بأجهزة الدولة المصرية المختلقة، وتعكس الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة وهي البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي والبعد البيتي.

ووفق البيانات المتاحة على موقع الرئاسة المصرية، فإن الدولة قررت تحديث أجندتها للتنمية المستدامة بمشاركة كافة أصحاب المصلحة من شركاء التنمية لمواكبة التغييرات التي طرأت على السياق المحلي والإقليمي والعالمي، مع التركيز على الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري وتحسين مستوى معيشته في مختلف نواحي الحياة وذلك من خلال التأكيد على ترسيخ مبادئ العدالة والاندماج الاجتماعي ومشاركة كافة المواطنين في الحياة السياسية والاجتماعية، مع تحقيق نمو اقتصادي مرتفع واحتوائي ومستدام، مع تعزيز الاستثمار في البشر لوقف عملية هروب الكفاءات والعقول المصرية إلى الخارج، مع إعطاء أهمية لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية من خلال وجود نظام بيئي متكامل ومستدام يعزز المرونة والقدرة على مواجهة المخاطر الطبيعية.

بدأت الخطة بتطبيق خطة لحوكمة مؤسسات الدولة والمجتمع من خلال الإصلاح الإداري وترسيخ الشفافية، ودعم نظم المتابعة والتقييم وتمكين الإدارات المحلية. وبدأت الدولة في العمل على إنشاء عاصمة إدارية جديدة ضمن حزمة مشروعات تنموية بهدف مد التطوير والتحديث لكل مناحي حياة المواطن وترجمة مفهوم جودة
الحياة بشكل يلمسه المواطن العادي في حياته اليومية.

"الخطة مصر لاتهزم".. نجاح الحرب على الإرهاب

ذلك الانشغال الكبير بقضية البناء لم يوقف عملية مكافحة الإرهاب والذي حققت فيه مصر نجاكًا كبيرًا بفضل قدراتها الأمنية المتطورة والتضحايات العديدة التي قدمتها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، فيما بدأت توسع دائرة مكافحة الإرهاب إلى كشف شبكات تمويل، ودعم تلك الجماعات سواء بالاهوال أو الغطاء الإعلامي وانضمت إلى تحالفات إقليمية معنية بمكافحة الإرهاب والتنمية مثل الشراكة الثلاثية المصرية العراقية الأردنية.

وتوسعت مصر في الاستفادة من ثرواتها المعدنية الموجودة على حدودها البحرية سواء الموجودة في البحر المتوسط أو في البحر الأحمر باتفاقيات لترسيم الحدود البحرية مبنية على قواعد الشرعية الدولية والمبادئ المستقرة لدى الأمم المتحدة، وشكلت مع اليونان وقبرص وفرنسا تحالقًا جديدًا لحماية ثروات غاز المتوسط من التحرشات التركية غير القانونية، فيما أنشأت مصر منظمة دول غاز المتوسط والتي يتوقع لها الخبراء أن تتحول إلى منظمة أوبك للغاز للتحكم في أسعار الغاز وتحول مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، إلا أن الملمح الأهم في خطة استعادة الدولة المصرية هو استعادة دورها الإقليمي المهم والمؤثر في محيطها العربي والإفريقي والدولي، والذي ظهر عبر الدعم التنموي الذي تقدمه مصر لخطط التنمية في إفريقيا وأهمها إنشاء الشركات المصرية مشروع سد ومحطة "جوليوس نيريري" الكهرومائية في تنزانياء واهتمام مصر بشراكتها الاقتصادية مع دول الاتحاد الأفريقي والتزامها في حل نزاعها مع إثيوبيا حول مخاطر سد النهضة على حقوق مصر المائية بقواعد الشرعية الدولية والالتزام بنهج الاتحاد الأفريقي التفاوضي.

تبع ذلك التدخل لحماية الدولة الليبية من الأثر المدمر للتدخلات الأجنبية وانتشار الجماعات المسلحة بشكل يهدد مستقبل ليبيا، وبدأت مصر في إطلاق ما يمكن أن يطلق عليه دبلوماسية الخطوط الحمراء أمام المشروع التوسعي التركي الذي يحاول النيل من مقدرات الشعب الليبي، واستدامة النزاعات بين اطرافة لتحقيق مصالحه الخاصة.

المعطيات التي سردت، تؤكد أن مصر أصبح لديها تجربة نمو يمكن تطبيقها في الدول التي مرت بنفس الظروف، وأن التجربة نجحت نتيجة ما قدمه المصريون من تضحيات من أجل استعادة الدولة وقدرتها على النمو الاقتصادي بشكل يتوافق مع تطور المجتمع المصري وبشكل يسمح بأن تنخرط مصر بسهولة في الاقتصاد العالمي الجديد وفق محددات وآليات تنطلق من تحقيق مصالح مصر وكذلك مشهد امتلاكها لقدرات جديدة عسكرية وتنموية تمكنها من مواجهة تحدياتها الداخلية والإقليمية والدولية.