وسّع على غيرك يوسع الله عليك

من أسماء الله الحسنى، اسم الله «الواسع»، ومعناه: الذى لا حدود له ولمدلول أسمائه وصفاته، لا نهاية لسلطانه، ولا حد لإحسانه، محيط بكل خلقه، واسع الصفات والنعوت، وسع بعلمه جميع المعلومات، وبقدرته جميع المقدورات، فهو واسع العلم والرحمة والمغفرة والعظمة والغنى والسلطان والملك والفضل والقدرة والكرم والإحسان.
الواسع الذى يوسّع على عباده.. يوسع عليهم فى الرزق.. فى الرحمة.. فى سعة الصدر.. يوسع صدورهم وعقولهم.. يوسع على المضطر.. يوسع على المحرومين.. انظر إلى توسعته.. ستجد أن تلك هى طريقته فى الخلق.. انظر لسقف السماء كيف وسعه.. سعة ملكه «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ».
عن أبى ذر، رضى الله عنه، قال: قال لى رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أتدرى ما الكرسى؟»، فقلت: لا، قال: «ما السماوات والأرض وما فيهن فى الكرسى إلا كحلقة ألقاها مُلقٍ فى أرض فلاة، وما الكرسى فى العرش إلا كحلقة ألقاها مُلقٍ فى أرض فلاة، وما العرش فى الماء إلا كحلقة ألقاها مُلقٍ فى أرض فلاة، وما الماء فى الريح إلا كحلقة ألقاها مُلقٍ فى أرض فلاة، وما جميع ذلك فى قبضة الله، عز وجل، إلا كالحبة وأصغر من الحبة فى كف أحدكم، وذلك قوله تعالى: {والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة}».
سعة علمه: {وَلَوْ أَنَّمَا فِى الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}.. سعة رحمته: {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىءٍ}، فإن ذنوبك محدودة لكن رحمة الله غير محدودة: «اللهم ارحمنى أنا ومحمد ولا ترحم سوانا.. لقد ضيقت واسعًا».. سعة عطائه: «يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا على صعيد واحد، فسألونى فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر».
واسع القدرة.. تنوع فى المخلوقات.. سبحان الذى وسع سمعه المخلوقات.. لو أن أحدًا يكلمك وجاء آخر تقول له: لو سمحت اسكت حتى أسمع الآخر، أما الله فيسمع الخلق جميعًا فى وقت واحد.
سبحانه.. واسع الرحمة.. واسع المغفرة.. واسع العلم.. واسع العفو.. الواسع الذى يوسع على عباده ولا يضيق عليهم.. فى الرزق «إذا أغلق بابًا بحكمته فتح أبوابًا برحمته».. القدر: إذا ضيق عليك قدرة إنما يدفعك لقدر أوسع لك.. النجاح: إذا أغلق باب نجاح فتح لك فرصًا أخرى كثيرة للحياة، لأنه الواسع.
كيف ترى اسم الواسع فى حياتك؟
إذا أردت أن يوسع الله عليك.. وسّع على عباده يوسع الله عليك، فلتختر أحدًا اليوم توسع عليه، وانظر لأثر ذلك عليك، وأنا لى صديق اسمه الدكتور «مجد»، وهو طبيب أسنان عراقى يعمل فى الإمارات يقول لى: عندما فتحت عيادتى كان لا يدخلها أى مريض ومرت أشهر طويلة، وأنا أدفع إيجارًا كبيرًا، وأصبحت غير قادر على المتابعة حتى وصل الإيجار المتراكم إلى ١٨ ألف درهم، فاتصل بى صاحب البيت وقال لى إنه سوف يقوم بمقاضاتى غدًا وكان كل ما أمتلكه آنذاك ٢٥٠٠ درهم، وكان أن اتصلت بأبى لأسأل عن أحواله، فقال لى إن الوضع صعب جدًا عندهم فقلت له سوف أرسل لك حوالة اليوم بـ٢٠٠٠ درهم، وفى اليوم التالى كنت ذاهبًا لصاحب العيادة، لأطلب منه منحى أسبوعًا آخر، وقبل ذهابى اتصلت بى الممرضة من العيادة، وقالت لى أن آتى بسرعة، لأن هناك حوالى ١٥ مريضًا فى العيادة فذهبت ووجدته أحد شيوخ الإمارات، وكان متزوجًا أكثر من واحدة ولديه العديد من الأولاد وجاء بهم كلهم للكشف عليهم، وبعد أن انتهيت من الكشف كان إجمالى ما أخذته منهم ٢١ ألف درهم، أخذت منها ألفًا لنفسى ودفعت ١٨ ألف درهم لأسدد ما علىّ من دين وصممت أن أرسل الـ ٢٠٠٠ درهم الزائدة لوالدى، الآن يظهر دكتور مجد فى الفضائيات بصفته أكبر طبيب أسنان فى الإمارات، ويقول إنه منذ أن وسّع على أبيه وسّع الله عليه.
وهذا الأمر له تطبيقات كثيرة مثل أن توسع على شاب وفتاة ليتزوجا يقول تعالى: [وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ]، وسّع على زوجتك إن طلقتها [وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا]،{النساء:١٣٠}.
التوسعة عبارة عن نية حلوة، ولى فى هذه النقطة قصة، فقد كنت أحج مع الشيخ عبدالرحمن فقيه، صاحب أكبر مزارع دواجن فى العالم العربى، وصاحب أكبر سلسلة فنادق فى مكة، فسألته ما سبب هذه البركة والعطاء كله؟ قال: التوسعة نية حلوة فقد بدأت بمحل متر فى متر أبيع به الدواجن، وكانت لدىّ مزرعة صغيرة جدًا أربى فيها الدواجن.
يضيف: وكانت الدجاجة تكلفنى ٥ ريالات، وكان من الممكن أن أبيعها بـ١٠ ريالات وكنت وقتها الوحيد فى مكة الذى يبيع الدواجن، ولكنى لم أرد فعل ذلك وجلست مع نفسى ومع الله ونويت نية طيبة، فقلت إنى سوف أبيعها بـ٦ ريالات فقط، وبعد سنتين من البيع بهذا السعر أصبحت ١٠ أضعاف حجمى ولا أعرف كيف؟، فانوِ نية حلوة ولكن قُم بتنفيذها.
وقد ذكر اسم الله الواسع فى القرآن ١٣ مرة، وفى كل مرة كان يقترن به اسم آخر وهو العليم، أى أنه سبحانه وتعالى علم صدق نواياهم فوسع عليهم، يقول تعالى: [مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] {البقرة:٢٦١}، ويقول تعالى: [وَللهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] {البقرة:١١٥} فوالله لن تنوى خيرًا ويعلم به الله إلا ووسع عليك.
لا تحسد أحدًا، فمعنى أن تحسد أحدًا أن الله قد نفد ما عنده، فلن يكون قادرًا على إعطائك مثله وأن ما عند الله محدود ولكن الله واسع العطاء [قُلْ إِنَّ الفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] {آل عمران:٧٣}، فالنفس البشرية تغار وبالذات من المنافسين والأقران، وقد أصبحت بعدما تعلمت هذا الجزء كلما رأيت أحدًا أعطاه الله أقول اللهم وسع عليه وعلينا.
وسّع صدرك للناس، وعندما تحس أن الدنيا ضاقت فى عينيك اذهب للواسع، يفتح لك أبواب منزلة اليقين، يقول تعالى: [وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ]،{التوبة: ١١٨}.