رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سقوط ورقة «ماكرون» في لبنان.. محللون: «نكسة بيروت» بسبب طمع العهد البائد

«نكسة بيروت»
«نكسة بيروت»

بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سعيه لتنفيذ مبادرته الهادفة لإنقاذ لبنان من أزمته غير المسبوقة، منذ كارثة انفجار مرفأ بيروت التي هزت العالم في أغسطس الماضي، ولم يكن هناك أي منفذ لإفاقة لبنان سوى تنفيذ المبادرة الفرنسية، والتي كان أبرز بنودها الإسراع في تشكيل حكومة مستقلة غير مسيسة قادرة على تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية، ليقوم ماكرون بدوره بعد ذلك بالدعوة لمؤتمر إنقاذ لبنان المقرر انعقاده في باريس لتشجيع المؤسسات والدول المانحة لمساعدة لبنان في أزمته.

وكلف مصطفى أديب نهاية أغسطس الماضي بتشكيل حكومة مستقلة قادرة على جلب المساعدات إلى "بلاد الأرز"، وانتشالها من الضغوط الاقتصادية، ولكن ما لبس "أديب" في اختيار فريقه الحكومي حتى واجه سيل من الضغوطات والابتزاز السياسي من قبل فريق "الثامن من آذار" (الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر) من أجل تشكيل حكومة أحزاب.

وعلى وجه خاص، عرقل كلا من حركة أمل وحزب الله اللذان يمثلان الطائفة الشيعية في لبنان جهود أديب لتشكيل الحكومة بإصرارهما على الاحتفاظ بوزارة المالية، ولاسيما عقب فرض عقوبات أمريكية على وزير سابق من حركة أمل والتي يقودها رئيس مجلس النواب اللبناني "نبيه بري" بالإضافة إلى مصالح تجارية مرتبطة بحزب الله.

"أديب" لم يتحمل الضغوط التي مورست ضد تشكيل حكومته، وأعلن اعتذاره عن مهمته في تشكيل حكومة جديدة بعد أن قضى أسابيع في محاولة إقناع الأطراف السياسية بالموافقة على اختياراته وسط المطالبات الشعبية بتحقيق إصلاحات سياسية، وهو الأمر الذي وصفه سياسيون ومحللون لبنانيون بأنه انتكاسة للمبادرة الفرنسية في لبنان، على الرغم من تأكيدات فرنسية بالاستمرار في محاولات إنقاذ بيروت، وتحدثوا لـ"الدستور" عن تداعيات اعتذار رئيس الحكومة المكلف عن مهمته وسيناريوهات الرد الفرنسي المقبل.


محمد الرز: في انتظار معاقبة فرنسية للسياسيين اللبنانيين

ويقول الكاتب السياسي اللبناني محمد الرز، أنه لا شك في أن تعطيل المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان والتي حازت على توافق دولي وعربي شكل صدمة للرئيس إيمانويل ماكرون، الذي سارعت مصادر مقربة منه إلى وصف ما جرى بأن الطبقة السياسية اللبنانية ارتكبت خيانة جماعية، مؤكدا أن هذا يعني في العرف السياسي أن ثمة خطوات سوف تتخذها الإدارة الفرنسية لمواجهة أو معاقبة الذين ارتكبوا هذه الخيانة.

وأردف الرز، في تصريحات لـ"الدستور": "من المعروف أن فرنسا اندفعت في مبادرتها تجاه لبنان لكي يكون لها مدخلا لدور أكبر وأوسع، تسعى إليه سواء في ما يتعلق بنفط وغاز البحر المتوسط أو ما يتصل بلجم المحاولات التركية، للتوسع في منطقة ترتبط معها فرنسا بعلاقات تاريخية"، لافتا أن باريس كانت ترى أن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة هو البوابة الأولى لخطوات لاحقة أبرزها انعقاد مؤتمر باريس للدول المانحة يليه إشراف أوروبي على إعادة تقويم الوضع اللبناني بإنهاء مسارات الفساد فيه وإعادة إنهاضه اقتصاديا واجتماعيا.

وأكد أن التطورات الأخيرة وضعت لبنان أمام مآزق خطيرة ليس أقلها صعوبة تشكيل حكومة جديدة، موضحا أنه لن تتوفر شخصية لبنانية على استعداد لتقبل ما رفضه مصطفى أديب إلا إذا ارتضت أن تخرج من الغطاء السني والشيربي.

وتابع: "ومن المرجح أن تطول فترة حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، علما أن هناك من يترقب صدور عقوبات جديدة وقاسية على عدد من المسؤولين اللبنانيين وتجميد أرصدتهم في الخارج، كنوع من الضغط عليهم لإقدامهم على عرقلة تنفيذ المبادرة الفرنسية".
فادي عاكوم: لبنان ذاهب إلى الجحيم

ومن جهته، كشف فادي عاكوم، المحلل السياسي اللبناني البارز، عن معلومات خاصة تشير إلى أن هناك توقعات بحزمة عقوبات أمريكية على لبنان تشمل شخصيات لبنانية كثيرة ستصل إلى أكثر من 20 شخص، قائلًا: "وهذه المرة ستكون العقوبات كبيرة جدا ولن تقتصر على شخصين أو ثلاثة كالماضي، حيث كان هناك تمني فرنسي لدى الإدراة الأمريكية لكي تقوم بتأجيلها".

وأشار عاكوم في تصريحات لـ"الدستور"، أن الورقة الفرنسية في لبنان من المرجح أن تكون سقطت، قائلًا: "لا أعرف سوف تستمر المبادرة الفرنسة أم لا، ولكن أي شخص سيتم تسميته سيجابه نفس الأزمة التي واجهها مصطفى أديب"، مؤكدا أن تشكيل الحكومة المقبلة سيكون بعيد عن الورقة الفرنسية القائمة على حكومة مستقلة.

وتوقع أن التكشيل المقبل للحكومة الجديدة إذا تشكلت ستكون مختلطة بين تكنوقراط وسياسيين ما يعني أن الأحزاب هي التي ستسمى، لافتا أن القوات اللبنانية والمستقبل والتقدمي الاشتراكي لن يشاركوا بهذ الحكومة، ما يعني أنه حال تشكل الحكومة ستكون حكومة "حزب الله" 100%.

واستطرد عاكوم، أن المبادرات التي تم طرحها أيضا خلال الفترة الماضية تم رفضها بالكامل، بينها الطرح الذي قدمه سعد الحريري لفتح المجال أمام الحلحلة، بموافقته دون باقي رؤساء باقي الحكومات السابقين على أن يكون وزير المالية شيعي، ولكن يختاره أديب من حزمة أسماء أو على الأقل يقدم حزب الله بعض الأسماء المستقلة لكن هذا الأمر رفض، رفضت أيضا مبادرة وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، ورفضت الضغوط الفرنسية والتسهيلات الفرنسية، مضيفًا: "لذا يبدو أن الأمور في طريقها إلى المنطقة السوداء، خاصة أن السياسية الأمريكية تتجه بقوة نحو لبنان، وبالتالي لبنان ذاهب إلى الجحيم وفقد الفرصة الأخيرة".
شارل جبور: سقوط المبادرة الفرنسية ناكسة كبرى للبنان

من ناحيته اعتبر المستشار الإعلامي لحزب القوات اللبنانية شارل جبور، أن السبب الرئيسي الذي دفع أديب للاعتذار، مطالبة الفريق الحاكم ومعه الثنائي الشيعي بحصص وزارية تتنافى مع طبيعة المبادرة الفرنسية، التي نصت على وجود حكومة مستقلة وحيادية بعيدة عن الزبانية الحزبية، مضيفا: "ما حدث هو ناكسة كبرى للبنانيين الذين كانوا ينتظرون أن تنجح هذه المبادرة، من أجل وضع لبنان على طريق الإنقاذ المالي والاقتصادي في ظل أزمة معيشية غير مسبوقة".

وحمل جبور في تصريحات لـ"الدستور"، فريق السلطة (الثنائي الشيعي بالإضافة إلى العهد السابق) وجميع فريق 8 آذار، مسؤولية اعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب، مستطرداف: "هذا الفريق لا يعش في لبنان بل يعش في كوكب آخر لا يأبه بآلام الشعب اللبناني ولا يكترث لحدة الأزمة المالية، والتي أوصلت الدولار إلى 9000 ليرة، وربما في الأسبوع المقبل يصل 15 ألف".

وأبدى المستشار الإعلامي لحزب القوات اللبنانية استيائه من أن هناك فرق سياسية في ظل هذه الأزمة تبحث عن حقائب وعن مكاسب، لافتا أن فريق "الثامن من آذار" بات مكشوفا أمام الرأي اللبناني بأنه من أفشل المبادرة الفرنسية، وهو من حارب لبنان بإسقاط عملية الإنقاذ ويتحمل مسؤولية لبنان لما وصل إليه.

وعن السيناريو المقبل في لبنان قال السياسي اللبناني: "أتوقع الذهاب إلى تكليف ولكن هذه المرة التكليف سيكون منذ اللحظة الأولى متشدد في تشكيله، نحن أمام سيناريوهات سوداوية في حال عدم تشكيل الحكومة سريعا، فإما أن تتشكل وفق أجندة المبادرة الفرنسية، أما أن يثار إلى كف يد فريق العهد الذي قاد لبنان إلى الخراب".

وتوقع تحرك فرنسي لكي يحذر الفريق الحاكم من عواقب ابتزازه، قائلًا: "فمحاولة الابتزاز التي مارسها الثنائي الشيعي على الرئيس المكلف لم تأتي ثمارها لأنه اعتزل في نهاية المطاف، لذا فان هذا الفريق سيجد أنه لن يجديه الابتزاز وعليه الخضوع لشروط المرحلة وطبيعتها، وإلا سيتحمل مسؤولية جر لبنان إلى الخراب".
جورج شاهين.. يوضح أهمية المبادرة الفرنسية للبنان

من جانبه قال المحلل السياسي اللبناني والكاتب الصحفي جورج شاهين، أن اعتذار "أديب" عن تنفيذ المهمة الحكومية، انعكس سلبا على أكثر من مستوى في لبنان، مؤكدا أنه كان هناك رهان كبير على تنفيذ مهمة أديب ورهان أكبر على تنفيذ المبادرة الفرنسية.

تابع شاهين في تصريحات لـ"الدستور": "وكان هناك رهان أكبر أن يصدق المسؤولون في لبنان للوفاء بتعهداتهم والالتزامات التي قدمها لماكرون عندما زار بيروت في الأول من سبتمر الجاري"، قائلًا: "الرهان كان تنفيذ خارطة الطريق التي رسمها الرئيس الفرنسي وفق لمبادرته الحكومية والسياسية والاقتصادية والإنمائية طويلة المدى، وكان تكشيل الحكومة المرحلة الأولى، حيث أن الآلية تحتاج تشكيل الحكومة بعد 15 يوم من زيارة ماكرون ليقوم الفرنسي بعدها بدعوة لمؤتمر دولي في باريس لتقديم المساعدات للبنان".

وأضاف: "كان شرط ماكرون أن يكون الدعوة لهذا المؤتمر بالتزامن مع إعلان الحكومة عن بدء مهامها في القيام بالعديد من الإصلاحات الإدراية والقانونية وفي بعض القطاعات الهامة في لبنان"، لافتا أن من بين الرهانات على تشكيل حكومة أديب حصول لبنان على حصتها السنوية من صندوق النقد الدولي وهي في حدود 950 مليون دولار أمريكي، وهي حق للبنان يمكن أن يستلفه وقت ما يشاء.