رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ورود الإبداع لا تزهر فى العتمة



معلوم أنه ليس من اليسـير الإلمام بجميع المفاهـيم أو التعاريف التى تناولت مفهوم الإبـداع أو حاولت تغطيته، نظرًا لتعدد وجهات النظر والأبعاد وتباينها التى انطلق منها كل تلك المفاهيم أو التعاريف، فقد ركز البعض عند محاولته وضع تعريف محدد للإبداع على ثلاثة أبعاد أساسية هى: الجدّة «شىء غير مسبوق»، رضا الجماعة، والفائـدة الناجمة عن مخرج أو مخرجـات ذلك الإبداع، فالإبداع وفقًا لتلك الأبعاد يعنى: «عملية تفرز عملًا جديدًا ترضى عنه المجموعة وتتقبله انطلاقًا من فائدته أو فوائده المتوقعة».
ويُعد فورد «Ford» من بعض أصحاب رؤية أن مفهوم الإبداع فى النهاية عبارة عن: «أى عملية تتضمن الإقدام على أو الانغماس بنشاط خلّاق بغض النظر عن النتائج المحتملة أو المتوقعة لنهايات ذلك النشاط، والذى قد لا تنتج عنه بالضرورة مُخرجات ذات خصائص أو مزايا فريدة أو غير مألوفة أو حتى نافعة».
ولا شك أننا نحيا مع الفنون وإبداعات البشر مرة ثانية وثالثة ورابعة عبر أيام حياتنا، مع كل تجدد لأوراق شجرة الإبداع وأزاهير الفنون ونسائم عبير جمالياتها.
الفنون ليست كما يصورها البعض مجرد قفزات عشوائية فى أفق اللا معنى وفى مساحات اللعب التافه، يرونها أحيانًا أنها قد تمثل حالة هروب من واقع رتيب فى الوقت الذى كان على المبدع أن يخرج بإبداعاته فى مواجهات شجاعة مع شياطين عتمة الكراهية فى كهوف العنكبوت الخانقة للانطلاق لفضاءات النور والبهجة وهواء السلام المتجدد.
و يا من تُحرمون علينا الاستمتاع بنعيم العقل ونعمة الفكر الناقد وإعمال التأمل العلمى الموضوعى، ألا تعلمون أن ترصدكم ووقفاتكم الاحتجاجية المُضلة الغاشمة وبلاغاتكم الجاهلة لإيقاف نمو وازدهار شجرة التنوير التى حدثنا عنها الرئيس السيسى من أمام «مسجد الفتاح العليم» و«كنيسة ميلاد المسيح» فى يوم احتفالية سلام بديعة وإعلانه حتمية مواجهة جرذان الكراهية المقيتة.. ألا تعلمون أن ما تفعلونه جريمة بشعة لن يغفرها لكم التاريخ، ولن يسامحكم عنها مواطنونا أولاد حضارة علمت الدنيا كل صنوف الإبداع الرفيع.
ويا من توصدون كل يوم نوافذ وبوابات الولوج لمنظومات إعمال الفكر الناقد، من أقامكم حكامًا وقضاة وأصحاب قرار علينا، وعلى أفكارنا وإبداعاتنا بشكل مطلق وجميعها ذات طابع نسبى قابلة للتغيير والتجديد والتطوير والبناء عليها أو اختزال أجزاء منها للتماهى والتوافق مع مستجدات كل عصر ومع صلاحية بيئة كل فكر تتم استعارته من أهل مدن الحداثة وما بعد الحداثة.
لن نسامح أنفسنا وسيحاسبنا الأحفاد لو تهاونا فى الوصول إلى اتفاق على معيار عقلانى نستند إليه فى خياراتنا لبوصلة مشاريعنا الفكرية والثقافية، وأن نعيد ونثمن الصالح من القيم الأخلاقية لإقامة مصالحة مشروعة بين أهل الدعوة الحسنة للأديان وإخوانهم فى الإنسانية فرسان الدعوة لنفص الكسل العقلى والتعلق بشراع التنوير على سطح سفينة الوطن.
لا شك أن الفنون بكل وسائطها وألوان إبداعاتها فى حال إطلاقها ودعم حريات ممارستها بمسئولية، ودون توجيه مجحف أو توجيه اتهامات مكارثية متوهة وظالمة، ستسهم فى التفكير فى إعداد عقد اجتماعى جديد بين كل أطراف ومحاور الشراكة الوطنية لصناعة الجمال وإعلاء قيم الحق والخير والعدالة.
الآن لدينا فرصة هائلة مع الرئيس السيسى لاستدعاء قوانا الناعمة من جديد وبحماس لدفع كل آليات التنوير بالعمل الجاد والموضوعى عبر مؤسسات التعليم والثقافة والرياضة والأوقاف والجامعات ومنظمات العمل المدنى بعد رحلة قاسية عشناها وما زلنا نعيشها فى منطقتنا الموعودة بأجواء ظلامية غادرة والعيش فى حروب ومواجهات صعبة مع قوافل الجهل والتخلف الإنسانى المتمثلة فى عصابات «داعش» ومن على شاكلتها التى طلت علينا بكتائب سوداوية تنشر العتمة برائحة الدم ولونه لتستحيل الرؤية وتنعدم الحركة ويموت الأمل وينتشر الإحباط لدى الناس «أقصد الضحايا».. أكرر لدينا الفرصة الآن فلا تهدروها فقد نضج شعبنا بمقدار ألف عام.. أدرك العدو وفطن لكل حيله، وتبقى فقط إزاحة كسل العقل عنا.