رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النائب محمد فؤاد يكتب: «الوصاية الأخلاقية» بين التشريع والتطبيق!

النائب محمد فؤاد
النائب محمد فؤاد

إحدى أكبر إشكاليات القوانين على مدار عقود، هي غموض المصطلحات، حيث يعتبر الغموض في النصوص الشرعية والقانونية مشكلة كبيرة لا يدركها إلا المتعامل معها سواء في السلطة القضائية أو السلطات التنفيذية.
هذه الإشكالية مضرة بتنفيذ القوانين المنظمة للحياة العامة وربما تفرض قيود على أمور لا يمكن تقييدها أو لم يسعى اليها المشرع ولم يقصدها في نصوص المواد.
ورغم أن «الحياة الإلكترونية» بعيدة كل البعد عن إمكانية التقييد الكامل إلا أن مشروع قانون الجريمة الإلكترونية تضمن العديد من المواد التي حاولت إيجاد إطار منظم للفوضى السيبرانية.
في السياق ذاته، اهتممت كغيري، بمعرفة مصير قضية القبض على عدد من الفتيات النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي راغبا في معرفة طبيعة الجريمة التي ارتكبها هؤلاء الفتيات و تكييفها القانوني وفقا للتشريع الجديد.
لم تطل مدة التقاضي، وانتهت المحكمة المعنية بحكمها في القضية المعروفة إعلاميا بقضية "حنين و مودة الأدهم" و الذي تضمن الحبس سنتين وغرامة 300 ألف جنيه، لاتهامه الفتاتين بالتعدي على القيم والمبادئ الأسرية، وذكرت المحكمة في حيثيات حكمها تبريرها لهذا الحكم.
أشارت المحكمة، كذلك إلى أن النيابة العامة اتهمت المتهمتين حنين حسام، ومودة الأدهم، بتهمة الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري وذلك بنشر صور ومقاطع مرئية مخلة وخادشة للحياء العام على حساباتها الشخصية على شبكة المعلومات.
بالطبع لست بصدد التعرض لحكم المحكمة، فذلك من الجرائم أيضا غير المباح ارتكابها، ولكني أشير إلى تصريحات متعددة طالت حرية التعبير في مصر، وذلك في ضوء أحكام الإدانة بحق عديد من المدونات والمؤثرات الرقميات، وعلى سبيل المثال، نجد أن المفوضة الألمانية مثلا قالت نصا: "أشعر بصدمة بالغة تجاه سلسلة أحكام الإدانة بحق شابات مؤثرات رقمياً ومدونات في مصر"
لعل أبرز هذه المواد التي تم الإستناد اليها في الجرائم السالفة ذكرا هي المادة الـ25 من قانون الجريمة الإلكترونية، والتي استهل بها الفصل الثالث من القانون والخاص بالجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع، محاولاته لتنظيم هذه الجزئية رغم صعوبة ضبطها، نظرا لطبيعة الحياة التكنولوجية وتطورها المستمر.
نصت المادة على عقوبة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة تصل إلى 100 ألف، لـ«كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو انتهك حرمة الحياة الخاصة .....».
وهنا لدينا وقفة، وهي ما هذه المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، هل يمكن لأحد حصرها حتى إن شذ عليها «مجرم» يمكننا وقتها معاقبته، وهل من أصله هناك ضوابط للقيم والمبادئ أم أن لكل أسرة بل لكل فرد مبادئه وقيمه التي يعتقد فيها ومن حقه ألا يعارضه أحدا في ذلك. و ما هي أركان جريمه التعدي حتى نهرع للتصَديَ و المحاسبة.
و بالتوازي لاحظت و غيري حالة من «الوعظ» في بيانات النيابة العامة خلال الفترة الماضية، و هو أمر محمود إن لم يغمُض على العوام ما هي الأخلاق العامة تحديدا التي نسعى للحفاظ عليها. فأن ممارسة القوامة و الوصاية الأخلاقية قانونيا أمر يستوجب ضبط النصوص التشريعية بشكل لا يمثل التباس أو غموض من شأنه أن يعصف بالحريات.
أعلم جيدا انني امشي على خيط رفيع و أنا أتحدث هذا الحديث و أن هناك غيري من ينأى بنفسه عن التعرض لهذه الأمور الجدلية خشية غضبة مجتمعية أو أن يوصم بشيء من التخاذل أو أن تنصب له المشانق الأخلاقية و محارق الساحرات.
إلا أنني هنا اطرح تساؤلات مشروعة عن فكرة الوصاية الأخلاقية و منطقية صياغتها تشريعيا و سبل إنفاذها، وأيضا الخط الرفيع بين دور سلطات التحقيق في إستبيان الجرم و دورها في الحفاظ على قيم ومبادئ لم يأتي بها نصا واضح وتحتمل التأويل على تفاوت الشخوص و الأوقات.
أعلم يقينا أن الكثير يتحمل مسئولية الوضع الحالي في التشريع الحالي ولكني على المستوى الشخصي أعد تعديلا لقانون الجريمة الإلكترونية وأعمل حاليا على دراسة الوضع وخيارات التعديل، آملا في مناقشته قريبا لإصلاح الوضع وإعادته إلى مساره الطبيعي لتفادي ما أراه من أثر تشريعي أحسبه غير محمود ومقلق.