رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كم من الجرائم تُرتكب باسمك أيتها الحرية!


عندما نشترى الأقفاص، وندخل فيها العصافير عنوة، ونكتب على كل قفص لافتة تقول: «العصافير الأصيلة الفاضلة موطنها الأصلى بلاد الصحراء»، على اعتبار أن العصافير المحلقة فى الهواء، ولا تزال «حرة»، «طليقة»، ولا تزال تغنى، وبعيدة عن أعين الصياد، لا تنتمى إلى جنس العصافير الأصلى، وإنما إلى جنس مشوه، مشبوه.. هل نستطيع الكلام عن «حرية الاختيار» المكفولة للعصافير؟!.
هذا بالضبط ما يحدث، عند إثارة موضوع حظر النقاب. ما زال البعض، وهم كثيرون، نساء، ورجال، يعتبر أن ارتداء النقاب، أو الحجاب، حرية شخصية للمرأة، لا أحد يمسها، أو يندهش منها، أو ينادى بالنيل منها.
وهذا الحزب، حزب «الحرية الشخصية للمرأة»، لا نسمع له صوتًا، عندما يُجبر الأطفال الإناث على النكاح الشرعى، وهن ما زلن يلعبن بالعرائس؟. «حزب الحرية الشخصية للمرأة»، المدافع عن تغطية النساء ونحن فى سنة 2020، إذا كان حقًا تهمه المرأة، وحريتها، وإرادتها، لماذا يسكت على قوانين الأحوال الشخصية، التى تنص على أن المرأة «ملك» للزوج، ملكية مطلقة، لا يعترض عليها أحد، وأن من واجباتها المقدسة «الطاعة» الكاملة للزوج فى كل أمور الحياة.
هل «الملكية» المطلقة، و«الطاعة» الكاملة، تنسجمان مع الحرية الشخصية للإنسان؟. وعندما يمنع الزوج، زوجته من تكملة التعليم، ومن العمل، ومن الخروج، ومن زيارة أهلها، أليس هذا «قتلًا» من الدرجة الأولى، متعمدًا مع سبق الإصرار والترصد، لحريتها الشخصية؟.
فالحرية الشخصية للإنسان، لا بد أن تشمل كل أنواع الحريات، وجميع أشكال الاختيارات، داخل البيت، وخارجه، دون أى ضغوط سياسية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو نفسية، أو أخلاقية.
إنها «خدعة» تاريخية قديمة الأزل، نتوارثها عبر الأزمنة، اسمها «الحرية الشخصية للمرأة». خدعة كبيرة، صنعتها الثقافة الذكورية، لضمان ألا تعرف النساء شيئًا اسمه «الحرية الشخصية»، وألا تتذوق طعم «الحرية الشخصية»، خشية أن تحبها، فتتشبث بها، وتدافع عنها.
بل إننا نستطيع تعريف «الذكورية»، بأنها «فن»، تقطيع، وختان، واستعباد، واستغلال، «المرأة»، منذ أن تولد، وحتى الموت.
بالنسبة لقضية النقاب، والحجاب، أو قضية تغطية النساء، والتى بدأت فى منتصف سبعينيات القرن الماضى، هى «التجلى» الأكبر، والأخطر، لانتفاء «الحرية الشخصية للمرأة».
عندما يُقال هذه الأوصاف: الحجاب، هو عنوان المرأة المسلمة.. الحجاب هو إرضاء لأوامر الله.. الحجاب عفة وفضيلة.. الحجاب فرض دينى.. الحجاب نور للوجه الطاهر.. العرسان تفضل المحجبات.. المحجبة قمة الالتزام الدينى.. الحجاب ستر وحماية للطفلة.. النقاب هو أصل الإسلام.. النقاب يمنع إثارة الشهوات للذكور.. النقاب من إرث السلف الصالح.. النقاب يمنع التحرش.. النقاب يختصر الطريق إلى الجنة.. النقاب أنوثة بمرجعية إسلامية.. النقاب زهد فى متاع الدنيا.. «.... هل بعد كل هذه الأوصاف للحجاب، والنقاب، نجد أن المرأة التى جعلتها الصدفة «مسلمة»، تجرى لارتداء الحجاب، أو النقاب، أيكون هذا الفعل «حرية شخصية»؟!.
مع هذه الأوصاف، حتمًا تشعر الفتاة، أو المرأة المسلمة، غير المحجبة، أو غير المنتقبة، بأنها «ليست متدينة كما يجب»، و«ليست مسلمة بالقدر المطلوب»، و«ليست فاضلة كما يجب».
فى داخلها، تحس بالنقص، وبالدونية، وأن العيون كلها مُسلطة عليها. وترد على العيون المتسائلة عن نقصها، ودونيتها، قائلة: «ربنا لسه مش رايد ليّا الهداية».
المرأة «مجبرة» فى كل الأحوال الشخصية، وغير الشخصية، بحكم الشرع، والقانون، والعُرف، والعادات، والتقاليد. «خدعة الحرية الشخصية».. «وهم الاختيار الحر»، مجرد أسماء «براقة»، «خبيثة»، تخفى وراءها أبشع مظاهر، وسلوكيات «القهر»، و«الإكراه»، و«العبودية» و«التشيؤ»، للمرأة.
إن كل المطالبين بحظر النقاب، فى الأماكن العامة، يتكلمون عن دواعى الأمن، ودواعى كشف الجرائم. وليس من دواعى كرامة المرأة. هم يخشون على «الأمن»، فقط. ولا يخشون حقيقة أن تغطية النساء تحولهن إلى مجرد قطع لحم، تستثير الجوع المتراكم المزمن للذكور، أصحاب الامتيازات فى البيت وفى المجتمع. على قناة فضائية، شاهدت وسمعت، الضيف السلفى يقول:
- «حظر نقاب إيه؟ أنا شخصيًا إذا مراتى خلعت النقاب سأشعر بالضبط كأنها ماشية فى الشارع عريانة.. وده شعور عند كل راجل بيجرى دم فى عروقه مش ميّة باردة».
من بستان قصائدى
نحن النساء.. نحب الحياة كما يحبها الرجال
نحب الحب والعدل.. والفلسفة والغناء
نموت فداء الوطن.. كما يموت الرجال
نحن النساء.. نلد الأطفال
نلد الأفكار.. لماذا تكبلون حياتنا بالأثقال؟
نحلم بتاريخ فوق أوراق العمر.. مثل الرجال
لماذا تمسحوننا من التاريخ.. وتضعون أسماءكم
فوق أجسادنا وعقولنا وأطفالنا؟.. وفوق جدران مقابرنا؟
ولا تبقون فى الذاكرة إلا الرجال؟.. لماذا تفعلون كل ذلك؟
ونحن النساء.. نحب الحياة.. كما يحبها الرجال