رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نصر علام: المرحلة الأولى من ملء سد النهضة لن تؤثر على حصتنا من المياه (حوار)

محمد نصرالدين علام،
محمد نصرالدين علام، وزير الرى الأسبق

قال الدكتور محمد نصرالدين علام، وزير الرى الأسبق، إن بدء المرحلة الأولى من ملء خزان سد النهضة، بتخزين ٤.٩ مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق، لن يؤثر على مصر، مشيرًا إلى أن إثيوبيا تستهدف المماطلة فى المفاوضات، أملًا فى اكتمال أعمال السد دون التوصل إلى أى اتفاق ملزم، ما يحقق هدفها فى التحكم فى مصر عبر تنفيذ استراتيجية «إما المياه أو الأموال»، وتغيير موازين القوى فى شرق إفريقيا.
وأضاف، فى حواره مع «الدستور»، أن مصر تستهدف التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم لجميع الأطراف، بهدف وضع قواعد واضحة حول ملء وتشغيل السد، لافتًا إلى أن التصريحات والتصرفات الإثيوبية الأخيرة تتطلب اتخاذ موقف دبلوماسى مصرى جاد، وإرسال مذكرة للاتحاد الإفريقى بأن المخالفات الإثيوبية تعنى عدم جدوى استمرار المفاوضات.
وأشار إلى أن الأضرار السلبية لسد النهضة بدأت بالفعل فى السودان، فى ظل الخطوة الأحادية الإثيوبية بالملء دون اتفاق، لذا لم يستطع السودان التصرف، مشددًا على أن مصر ستتعرض لمشكلة كبيرة حال استكمال الملء فى عامين، كما يصرح المسئولون فى أديس أبابا، لأن ذلك سيفرغ مخزون السد العالى بالكامل ويوقف توربيناته عن توليد الكهرباء ويعرض البلاد لأزمات كبيرة، خاصة فى سنوات الجفاف، الأمر الذى يستدعى القيام بإجراءات لحفظ حقوق مصر التاريخية.


■ بداية.. كيف تُقيّم مسار المفاوضات مع إثيوبيا بشأن سد النهضة؟
- الهدف الأساسى للمفاوضات هو الاتفاق على قواعد الملء والتشغيل، بما لا يسبب أضرارًا جسيمة على دولتى المصب، مصر والسودان، لكن للأسف تجرى المماطلة من إثيوبيا، وعندما وجدت مصر أنه لا فائدة من هذا المسار، طلبت تدخل وسيط دولى، ورفضت إثيوبيا، لكن الولايات المتحدة تدخلت، وتم وضع عدة قواعد للتفاوض، ووصلنا إلى اتفاقات محددة، لكن إثيوبيا رفضت التوقيع على ما تم الاتفاق عليه، رغم أن مصر وقعت بالأحرف الأولى إثباتًا لحسن النوايا.
وللأسف إثيوبيا تماطل، وستستمر فى المماطلة، لأنها لا تريد أى اتفاقات قانونية ملزمة، بل تريد مجرد قواعد استرشادية، وفى هذه الحالة سيكون من حقها الأخذ بها أو عدم الأخذ بها، خاصة أنها تدعى عدم الحصول على حصة فى مياه النيل الأزرق، وتردد أنها لا تعترف بالاتفاقيات القديمة.
كما أنها ترفض التوقيع على أى اتفاقيات، وهو ما ظهر خلال مباحثات واشنطن، حتى لا تضطر للالتزام بقواعد الملء والتشغيل، والتنفيذ الدقيق لما يجرى الاتفاق عليه، مع الخوف من تفسير الاتفاقية بأنها اتفاق لتقسيم حصص مائية، إلى جانب خوفها من إدراج بند فض النزاعات بالتحكيم الدولى، والانتهاء بخاسر وكسبان وإثبات الحقوق.
■ فى رأيك.. ما أهداف المفاوضات فى الفترة الحالية؟
- المفاوضات الحالية ليست للمحاصصة، وإنما أولًا لتقليل أضرار السد على دولتى المصب، وثانيًا للاتفاق على أن أى متظلم عليه اللجوء للقضاء الدولى والتحكيم، خاصة أن النيل الأزرق تتشارك فيه ٣ دول فقط، ولا مكان فى اتفاقاته لبقية دول حوض النيل.
لذا، يجب علينا عدم التنازل عن أى من مرتكزات مصر الفنية، حتى لا يتعرض الأمن المائى للبلاد لمخاطر رهيبة، خاصة أن المتحكم فى المياه له مطامع عديدة، أقلها تسعير المياه، وهو ما وجدناه فى عدم احترام إثيوبيا وعدها بعدم بدء ملء السد قبل التوصل لاتفاقية حول قواعد الملء والتشغيل.
■ كيف ترون المشهد بعد إقدام إثيوبيا على الملء الأولى لبحيرة السد؟
- طيلة السنوات الماضية، ومنذ بدء جولات المفاوضات، اعتادت إثيوبيا على المماطلة والتسويف، وعدم الالتفات إلى المطالب المصرية من أجل الوصول إلى اتفاق ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، مع تقدير حجم الآثار السلبية الناتجة عنه.
لكن، رغم ذلك، فإن الإعلان عن بدء إثيوبيا التخزين فى بحيرة السد خطأ كبير، لأن إنشاءات السد لم تكتمل بعد، وما تم حجزه بالفعل بلغ ٤.٩ مليار متر مكعب، ثم تجاوزت المياه منتصف السد ومرت، وهذا لا يشكل أى تأثير أو خطر علينا.
■ إذا كان احتجاز الكمية الحالية ليس خطرًا.. فمتى تبدأ المشكلة الحقيقية؟
- المشكلة تكمُن فى حالة تنفيذ إثيوبيا محتوى التصريحات غير المسئولة لرئيس وزرائها فيما يتعلق بملء السد فى عامين فقط، واحتجاز ٧٤ مليار متر مكعب من المياه، أو فى حال قيامها بملء السد منفردة، لأن ذلك ستكون له عواقب خطيرة على الأمن المائى لمصر.
وبالإضافة إلى ذلك، ستشكل هذه الخطوة مشكلة كبيرة، لأنه مع كمية الفواقد، سيقل مخزون السد العالى، ما يعنى توقف توربينات توليد الكهرباء، مع تهديد كميات المياه خلفه، خاصة فى سنوات الجفاف، لأنه لن يتم تعويض المخزون.
وفى حال التخزين فى عامين فقط أو ثلاثة، كما قال رئيس الوزراء الإثيوبى، فإن ذلك سيكون له تأثير سيئ على مصر، فمخزون السد العالى كله ٩٠ مليار متر مكعب، وسيجرى إفراغ هذا المخزون تمامًا، وستعيش مصر كما كانت قبل السد العالى، ولن يكون هناك حل لمواجهة الجفاف.
ولذلك، فالحديث فى مصر عن إمكانية ملء بحيرة السد فى عامين غير ممكن، لأن التأثير السلبى سيكون واقعيًا وملموسًا، لذا يجب أن يجرى التخزين على مراحل، وأن تستمر فترة الملء بين ٧ و١٠ سنوات حسب معدل الفيضانات، لعدم وقوع التأثير الحاد، كما تم الاتفاق عليه، ففى سنوات الجفاف يكون التخزين بطيئًا، وفى السنوات الأخرى يكون سريعًا.
ولذلك تأتى أهمية وضرورة الاتفاق على قواعد الملء والتشغيل خلال سنوات الجفاف والجفاف الممتد، كما أنه فى حالة الالتزام بالمبادئ التى يتم الاتفاق عليها فلن تنقص قطرة واحدة من مياه مصر، لكن من الواضح أنه لا هدف لإثيوبيا، حاليًا، سوى محاولة التحكم فى مصر وتنفيذ استراتيجية «إما المياه.. أو الأموال»، وهى استراتيجية سبق استغلالها قديمًا أثناء الاحتلال البريطانى.
■ بصراحة.. هل بدأ التأثير السلبى لملء بحيرة سد النهضة؟
- ملء السد هو عملية كبيرة جدًا، وما تم حاليًا هو البدء فى المرحلة الأولى من ملء السد، وإثيوبيا لا تستطيع الملء أكثر من ذلك بسبب السعة التخزينية الحالية وعدم اكتمال الإنشاءات والبناء، ما يعنى أن أقصى سعة تخزينية حاليًا هى ٤.٩ مليار متر مكعب، من إجمالى السعة القصوى للبحيرة وهى ٧٤ مليار متر مكعب، ثم تخرج المياه الواردة.
أما مسألة التأثير على مصر، فهى تتعلق بحالة الفيضان وكمية المياه الواردة هذا العام، ففى حالة ورود مياه كافية فلن يكون هناك تأثير، أما لو انخفضت فهذا سيؤثر على الحصة المائية لمصر، لكنه لن يؤثر على المواطن نفسه.
وكما ذكرت سيحدث التأثر فى حال ملء ٧٤ مليار متر مكعب فى وقت قصير، لأن مصر ستتعرض لمشكلة كبيرة جدًا، فمع كمية الفواقد التى تماثل مخزون السد العالى سيتوقف السد عن إنتاج الكهرباء، وسنكون مهددين بنقص حاد فى المياه، خاصة فى سنوات الجفاف، لأنه لن يتم تعويض المخزون، خاصة إذا حدث ذلك بشكل منفرد من إثيوبيا، ما سيكون له عواقب على الأمن المائى لمصر.
ولذلك فإن الاتفاق على قواعد الملء خلال الجفاف والجفاف الممتد يضمن عدم نقص الحصة المصرية، وفى نفس الوقت، يضمن توليد حد أدنى من الكهرباء من السد العالى وتشغيل التوربينات، لكن إثيوبيا ترفض الاتفاق، ولا تريد الالتزام القانونى، بل تريد قواعد عامة فقط، لتأخذ جزءًا من المياه وتتحكم فى مصر عبر حصتها من مياه النيل الأزرق، ولديها أمل فى اكتمال البناء يومًا بعد يوم بما يحقق لها ذلك، وهذا هو الخلاف الرئيسى فى المفاوضات، لكن مصر لن تترك الأمور تسير بهذا الشكل حتى اكتمال التخزين بشكل منفرد.
■ ظهرت تأثيرات سلبية على السودان بسبب نقص المياه.. فكيف ترى ذلك؟
- المشكلة فى السودان تنبع بالأساس من عدم قدرة السدود السودانية أو محدودية قدرتها التخزينية للمياه، بالإضافة إلى سوء إدارة الموارد المائية، وعدم التعاون الإثيوبى، أو التنسيق، خاصة أن أديس أبابا بدأت ملء بحيرة السد دون إبلاغ الخرطوم، لذا لم يستطع السودان التصرف، ما سبب عجزًا مائيًا خاصة عند مدينة الخرطوم، وأثر على محطات مياه الشرب، وسبب أزمة كبيرة للمواطنين.
وتأثر السودان بسد النهضة لن يكون فى هذه المرحلة فقط، بل سيستمر التهديد بالفيضان حال حدوث أى خطأ فى تشغيل سد النهضة، ما يمكن أن يزيل كل السدود السودانية الصغيرة ويؤثر على حياة الملايين، وذلك أصبح موقف السودان قويًا فى المفاوضات، وأصبح مصرًا على الوصول لاتفاق ملزم، وآلية لفض المنازعات، ونتمنى أن يستمر هذا الموقف.
■ تكرر إثيوبيا تصريحات «النيل لنا».. فما سر إطلاق مثل هذه التصريحات فى المرحلة الحالية؟
- هدف إثيوبيا الأساسى هو التحكم فى مصر والحصول على أكبر قدر من المكاسب، على الأقل تحصيل ثمن المياه، والتحكم استراتيجيًا فى منطقة شرق إفريقيا وتغيير موازين القوى فيها، وهذا هدف قديم حاولوا تحقيقه أيام حقبة الاستعمار، لكن لم تستمر المؤامرة التى تكررت أكثر من مرة على مدار التاريخ، لأن مصر لن تسمح بتحقيق ذلك أبدًا.
أما عن هذه التصريحات السفيهة فهى مخالفة لما تم الاتفاق عليه خلال مفاوضات الاتحاد الإفريقى، ولا يجب أن ننزل لمستواها، وإن كنت أرى أنه من الواجب أن تستدعى الخارجية المصرية السفير الإثيوبى، وتؤكد رفضها مثل هذه التصريحات، مع إعلام الاتحاد الإفريقى بأنها تهدد استمرار مصر فى المفاوضات، كى تحدث وقفة جادة تجاهها، كما يمكن الذهاب لمجلس الأمن الدولى مجددًا لوضع حد للمماطلة، من أجل الوصول لاتفاق قانونى ملزم لكل الأطراف، دون قيام أى طرف بأفعال أحادية.

ما توقعاتك لمسار المفاوضات فى المرحلة المقبلة؟
- خلال القمة الإفريقية المصغرة، تم الاتفاق على استمرار المفاوضات، وهذا قرار دولة، لكن مصر بحاجة لإظهار موقف واضح من الأفعال والتصريحات الإثيوبية، مع استدعاء السفير الإثيوبى، كما قلت، لاستنكار ما جاء على لسان رئيس الوزراء الإثيوبى وغيره من المسئولين طيلة الأيام الماضية.
ويجب أيضًا التأكيد أن ذلك يتناقض مع ما تم الاتفاق عليه مع الاتحاد الإفريقى، وإرسال مذكرة كاملة للاتحاد ليتخذ موقفًا واضحًا تجاه تعدى إثيوبيا، وأفعالها وتصريحاتها الأحادية، تخالف ما تم الاتفاق عليه، وإلا فلن يكون هناك معنى لاستمرار المفاوضات، بل سيكون علينا القيام بإجراءات لحفظ حقوقنا التاريخية.
وختامًا أقول إننى غير متفائل بالموقف الإثيوبى، فى ظل السفاهة فى اتخاذ القرار والتصريحات المتتالية للمسئولين، وأكرر أنه على وزارة الخارجية أن تتخذ موقفًا حادًا، لأن استمرار هذا الوضع سيؤدى لعواقب وخيمة على أمننا المائى.