رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عادل الميري: لا أحد يتخيّل حجم العذاب لو ظلّ الإخوان في الحكم

عادل أسعد الميري
عادل أسعد الميري

يحل يونيو من كل عام ومعه تحل ذكري أعظم أيام تاريخ مصر٬ يوم الثلاثين من يونيو 2013 ذكري ثورة شعب استعاد هويته ومصره المختطفة من أنياب جماعة الإخوان الإرهابية.

"الدستور"٬ حاورت المثقفين حول ثورة 30 يونيو٬ ذكرياتهم معها٬ وأثرها عليهم وعلي إبداعاتهم٬ والأهم ماذا لو كان استمر حكم الإخوان لمصر حتي الآن؟.

يحكي الكاتب "عادل ميري" قائلا: طرق جاري عبدالرحمن الباب حوالي الساعة الخامسة من مساء 30 يونيو 2013، وقال لي (لازم ننزل).

جاري عبدالرحمن صاحب مصنع صغير للموبيليا في العاشر من رمضان، لم يتحدّث معي في أي مسائل سياسية، خلال ربع قرن من الجيرة، دخل الى شقّته وخرج بعد لحظة وفي يده علم مصر، بمجرّد أن نزلنا إلى الشارع رفعه، وبدأ في تحريكه ليرفرف في الهواء.

عبدالرحمن مسلم، لكنه لم يحجّب زوجته أو ابنته، يأتي لزيارتي وجاره المسيحي، مرة في الأسبوع، نجلس لنتحدّث في أحوال العمارة والحيّ، ونستمع إلى أغنيات عبد الوهاب.

هذا الجار عندما شاهد تردّدي في النزول إلى الشارع في ذلك اليوم قال لي: (الأخوان يرفعون شعار طظ في مصر، وسيقودوننا إلى طريق مظلم)، وقال (لاحظ أن أقباط مصر في خطر شديد، فبالنسبة إليهم المسلم الماليزي أقرب إليهم منك أنت المصري القبطي).

كنت قبل شهور لاحظت بقلق بالغ، حجم سياسة الأسلمة المتبّعة في كل القطاعات، وكان أكثر ما صدمني هو إزاحة كل المحافظين من مناصبهم، وتعيين أخوان مكانهم، وفي نوع من الاستفزاز الذي لا مثيل له، تمّ تعيين إرهابي سابق في منصب محافظ الأقصر، وهو ما كان سيقضي تماما على النشاط السياحي بهذه المدينة، ثم صدمني كذلك منظر مهاجمة كاتدرائية القدّيس مرقص بالعبّاسية، بواسطة شباب صغير السنّ، بالحجارة وقنابل مولوتوف، ووقوف رجال الشرطة الملتحين يشاهدون هذا المنظر دون تدخّل، كأنهم يقرّون مثل هذه التصرفات العدوانية الغوغائية ضد شركاء الوطن. ثم منظر رجال حازم أبو اسماعيل يحاصرون مدينة الإنتاج الإعلامي، ويقطعون الطريق، ووقوف شخص يخطب في هذه المناسبة ويقول: لدينا 700 ألف رجل مسلح مستعدّون للتدخّل عند اللزوم.

وتابع: عندما نزلنا إلى الشارع وجدنا جيرانا آخرين قد سبقونا إليه، وبعضهم يحمل علم مصر، تحرّكنا في مجموعة صغيرة من عشرة أفراد من الرجال والنساء والأطفال، باتجاه شارع شجرة الدرّ في الزمالك، لتنضم إلينا مجموعات أخرى صغيرة من ساكني الحيّ، لنصل جميعا الى شارع 26 يوليو، حيث وجدنا مظاهرة ضخمة بأعلام مصر، قادمة من جهة النيل حيث مكتب وزير الثقافة، كان هناك المئات الذين تعرّفت فيهم على عدد من الفنّانين والأدباء، كان هناك قبلها بأسابيع اعتصام أمام مكتب الوزير الأخواني علاء عبد العزيز، للمطالبة برحيله.

وصلنا إلى الماريوت راغبين في استكمال الطريق إلى كوبري 6 أكتوبر، ومنه لميدان التحرير، إلا أن الزحام أصبح لا يسمح لأي شخص بالمرور.

في ذلك العام كانت أمي في الثالثة والثمانين، عندما ذهبت لزيارتها في طنطا، وجدت أنها كانت قد طلبت من أخي، أن يضع صورة كبيرة لعبد الفتّاح السيسي في برواز ويعلّقها على الحائط أمام فراشها.

لا أستطيع أن أتخيّل حجم العذاب الذي كنا سنعاني منه كأقباط، لوظلّ الأخوان في الحكم، لكني سأذكر حادثة واحدة دالة على هذا التدهور الذي كان متوقّعا.

أقوم كل عام بتجديد اشتراكي في منظومة التأمين الصحّي بنقابة الأطّباء، خلال أكتوبر، ومن المعروف أن هذه النقابة كانت (ولازالت الى حدٍ ما) واقعة في قبضة الأخوان، في 2012، وقفت أمام نافذة تسجيل البيانات، في الحديقة، وعندما قرأ الموظّف الملتحي، اسمي الثلاثي على الكارنيه، سألني إن كان اسمي هو عادل أسعد بولس، أم عادل أسعد يونس، فقلت له (بولس)، فوضع الكارنيه على المكتب وقال: اترك الدور لمن هو خلفك).

ظللت واقفا إلى جوار النافذة حوالي نصف ساعة، ثم عاد ينادى على اسمي، وسألني مجدد: ( بولس ولا يونس)، فقلت (بولس)، فقال (إذن أنت من الأحرار يا علي)، (اترك الدور لمن هو خلفك). وهكذا ظللت واقفا لمدّة ساعة، حتى تكرّم أخيرا وملأ بياناتي في جهاز الكمبيوتر، وليس لديّ شهود على هذه الواقعة. لم يكن هذا الموظّف يهدف إلى أي شيء آخر عدا إذلالي، وأقولباختصار شديد، هذا هو ما كان متوقّعا، لو أن الأخوان بقوا في الحكم.