رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب عن شاهد الزور: أكاذيب وزير عدل مرسى على قناة الجزيرة

أحمد مكي والدكتور
أحمد مكي والدكتور محمد الباز ومرسي

لا أدرى كيف استطاع المستشار أحمد مكى أن يذهب إلى فراشه لينام ويغمض عينيه بعد أن أنهى حديثه عن الرئيس الإخوانى محمد مرسى إلى قناة الجزيرة القطرية؟
كيف استطاع أن يسيطر على ضميره ويمنعه من تأنيبه وربما توبيخه أيضًا، بعد أن شهد شهادة زور فى حق من ثار عليه المصريون، فأخرجوه من منصبه بعد أن ثبت فشله وتأكدت خيانته؟
كيف امتلك هذه القدرة على جمع كل هذه الأكاذيب والحكايات المفبركة فى جوفه ثم يلقى بها فى وجوهنا نحن الذين عشنا أحداث حكم الإخوان، وأحداث الثورة عليهم، وكنا على درجة كبيرة من القرب، تجعلنا نعرف ما الذى جرى؟
ومن أين له بكل هذه الجرأة ليخترع وقائع وأحداثًا وأحاديث أصحابها لا يزالون على قيد الحياة، وتحدثوا عن نفس هذه الوقائع، ليس فى برامج ولا مذكرات ولكن أمام المحاكم، فى قضايا أدين فيها مرسى ورجاله؟

كان أحمد مكى يتحدث إلى المذيع أحمد طه- الذى جمع فى صوته وأدائه أكبر قدر من اللزوجة- فى الفقرة الإخبارية المسائية متذكرين معًا مواقف وأحداثًا فى ذكرى وفاة مرسى الأولى، ولا تتعجب وتسأل: ما الذى يجعل قناة الجزيرة تخصص ساعات طويلة من بثها لتتذكر محمد مرسى وتجمع شهادات عن عهده؟
ما فعله أحمد طه لا علاقة له بالعمل الإعلامى.
له علاقة أكثر بالمكايدة السياسية.
له علاقة بخطة جماعة تصر على تزوير التاريخ وتوجيهه ناحيتها، وهو عمل اعتادت عليه ولن تمل منه أبدًا.

حيثيات اختيار أحمد مكى للحديث مفهومة، وربما تكون متعمدة أيضًا.
فقد كان وزيرًا للعدل فى عهد محمد مرسى، وهو أيضًا لم يكن إخوانيًا تنظيمًا، فلم يُعرف عنه انتماؤه للجماعة، لكنه لا يستطيع أن ينكر إعجابه بها والسير فى ركابها.
لن أسير على خُطى من يتهمون كل من يقول رأيًا مخالفًا بأنه إخوان، لكننى متمسك بوجهة نظرى ونظريتى بأن الإخوانى ليس من انتمى إلى الجماعة وعمل فى صفوفها فقط، ولكنه كل من يسير الآن فى طريق تحقيق أهدافها التى لا تخفى على أحد، فالجماعة تسعى لزرع الخراب فى الدولة تمهيدًا لإسقاطها، وهو ما يسهل عليها التمكين من حكمها مرة أخرى.
فى حديثه الذى امتد لما يقرب من العشرين دقيقة، حاول أحمد مكى أن ينفى عن نفسه الإخوانية، مدللًا على ذلك بأنه لا يمكن أن يكون «إخوان» لأن الجماعة ثارت ضده وكانت النتيجة إقالته من منصبه، فكيف يمكن أن يكون إخوانيًا وتثور عليه الجماعة؟

ورغم منطقية ما يقوله مكى، فإنه لا يريد أن يعترف بالحقيقة.
فرغم أنه لم يكن إخوانيًا عندما قبل أن يكون وزيرًا للعدل فى حكومة هشام قنديل التى أدت اليمين فى 2 أغسطس 2010، فإنه كان خادمًا للجماعة عندما قبل العمل معها، وعندما انتهى دوره أنهوا عمله دون حتى أن يشكروه، وهى طبيعة الجماعة تستغلك، تأخذ منك ما تريد، ثم تبعدك عنها وكأنها لا تعرفك.
شهادة أحمد مكى لم تكن زورًا لأنه قال إن محمد مرسى أصبح رمزًا، فما يقوله هنا تعبير عن حالة خلل سياسى وفكرة كبيرين، عن استسلام وخضوع لهوى الجماعة التى ترى وحدها أن مرسى رمز، وهو طبيعى بالنسبة لها، لكن مكى يحاول أن يُقنع من يستمعون إليه بأن مرسى رمز مصرى، وهو ما يجعلنى أضعه فى زمرة الإخوان الفكرة والهدف.
التزوير كان فى وقائع محددة نعرفها جيدًا.

ادعى مكى أن مرسى رفض اقتراحًا من قائد الحرس الجمهورى وقتها اللواء محمد زكى «وزير الدفاع حاليًا» بأن يفض اعتصام الاتحادية بالقوة، وأن يستخدم الرصاص فى ذلك، مدعيًا أيضًا أن هذا جرى فى اجتماع حضره الفريق أول عبدالفتاح السيسى الذى كان وزيرًا للدفاع وقتها، واللواء أحمد جمال الدين الذى كان وزيرًا للداخلية، وحضره هو أيضًا، وعليه فهو سمع هذا الكلام بنفسه.
عندما نعود إلى وثائق رئاسة الجمهورية سنتأكد أن اجتماعًا مثل هذا لم يحدث من الأساس، فلم يجتمع مرسى مع السيسى وزكى وجمال الدين فى الاتحادية أثناء اعتصام الاتحادية أبدًا، وعليه فإن الواقعة من الأساس مختلقة.

على جناح حسن النية يمكننا اعتبار هذا الاختلاق من باب السِّن، فأحمد مكى يقف على عتبة الثمانين من عمره، ومؤكد أن الأمور اختلطت عليه، فلا يستطيع أن يفصل بين ما حدث فعليًا وبين ما يعتقد أنه حدث.
الشهادات الموثقة فى قضية اعتصام الاتحادية تؤكد أن قيادات الإخوان فى القصر هم الذين استخدموا العنف رغم تحذير قيادات الحرس الجمهورى لهم.
والشهادات الموثقة تشير إلى أن محمد مرسى هو الذى طالب بفض الاعتصام بالقوة ولم يعترض على شىء مما فعله نائب رئيس ديوانه أسعد الشيخة.

حاول أحمد مكى أن يبيض وجه محمد مرسى ويغسل سمعته، فتحدث بشكل عابر عن أنه لم يكن يأكل أبدًا فى القصر، وإذا كان يأكل فلم يزد على أكل العيش والجبن، وهو هنا يخرج من مساحة الشهادة الزور إلى مساحة الشهادة الهزلية، وذلك لأكثر من سبب.
باعتراف أحمد مكى نفسه بأنه لم يلتق محمد مرسى فى قصر الاتحادية إلا مرات قليلة جدًا، بحكم العلاقة الرسمية بين الرئيس ووزرائه، وعليه فليس من حقه أن يتحدث عما لا يعرفه أو يحكم على كلام آخرين رأوا وسمعوا وكانوا يشاركون فى إعداد الموائد الفاخرة التى لا تنفد.
ثم كيف لنا أن نُصدّق أحمد مكى ولدينا من الصور التى توثق حالة النهم الشديدة التى كان يتعامل بها محمد مرسى ورجاله فى القصر الجمهورى، هل نكذب هذه الصور ونصدق رجلًا يبدو من كلامه أن فى قلبه «هوى».

كان الأَولى بأحمد مكى أن يصمت تمامًا، فتجربته فى وزارة العدل تحت ظل حكم الإخوان لا يمكن أن تكون مشرفة له، ليس لأنه كان يتعامل مع الجماعة، ولكن لأنه كان آخر من يعلم فى أمور تتعلق بوضعيته كوزير عدل.
تحدث أحمد مكى عن الإعلان الدستورى الذى أصدره محمد مرسى فى نوفمبر 2012، مدافعًا عنه، مدعيًا أن مرسى لم يكن يقصد به تحصين نفسه، بل فقط تحصين المؤسسات التشريعية مجلس الشورى والجمعية التأسيسية التى كانت تباشر وضع الدستور، ونسى مكى أنه عرف بأمر هذا الإعلان من التليفزيون عندما كان يعلنه المتحدث الرسمى باسم الرئاسة مثله فى ذلك مثل أى مواطن عابر، فالرئيس الذى يدافع عنه الآن لم يفكر حتى فى استشارته.

الزور الذى يمارسه أحمد مكى الآن وصل إلى أنه ذهب إلى محمد مرسى بعد الإعلان الدستورى هو وبعض مساعديه، وأن مرسى طلب منهم أن يكتبوا بيانًا يوضح من خلاله أنه لا يحصن نفسه ولا قراراته، وأنهم كتبوا هذا البيان، دون أن يقول لنا مكى: لماذا لم يعلن هذا البيان، ولماذا لا يعرف عنه أحد شيئًا، أم لأنه كان بيانًا سريًا؟
الأكذوبة الكبرى التى زلت قدم أحمد مكى بها ادعاؤه أن محمد مرسى نفسه لم يكن يريد إكمال فترته الرئاسية، وأنه كان يقول له إنه بعد أن يطمئن على المؤسسات الدستورية فى الدولة يمكن أن يدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة؟

يعتقد أحمد مكى أن ذاكرة الناس ضعيفة، وأننا يمكن أن نصدق هذا الهراء.
إننا لم ننسَ بعد خطاب محمد مرسى الذى ألقاه عبر التليفزيون المصرى فى 2 يوليو 2013، والذى كرر فيه كلمة الشرعية أكثر من 52 مرة، بل أعطى فيه الإشارة إلى سفك الدماء عندما قال إن الشرعية دونها دمى، فهل يمكن أن نصدق أن من تمسك بالسلطة حتى اللحظة الأخيرة، وحرض أنصاره على أن يفتكوا بخصومه، متجاهلًا تمامًا حالة الشعب المصرى الرافضة له تمامًا، يمكن أن يكون قد قال فى يوم من الأيام أنه مستعد أن يترك السلطة فى أى وقت من الأوقات.
لا يمكن أن أحجر على رأى أحمد مكى ولا على ما يراه، لكن من حقنا أن نقول له إنك يا سيادة المستشار لا تراعى الله فى شهادتك على تاريخ أنت كنت جزءًا منه.
يمكن أن نقدر حالتك النفسية.
يمكن أن نقدر شعورك بالظلم، لأنك بعد أن كنت ملء السمع والبصر أصبحت فى منطقة الظل.
يمكن أن نقدر أنك كنت تتوقع أن يكون لك دور، أى دور فى الحياة السياسية أو التنفيذية بعد ثورة 30 يونيو، لكن أحدًا لم يلتفت إليك، ربما لمعرفة الناس بك وبانحيازاتك وبأهوائك.
لكن كل ذلك يا سيادة المستشار لا يمكن أبدًا أن يكون مبررًا لأن تقدم شهادة زور وأنت على أعتاب آخرتك؟
ما الذى يمكن أن تقوله أمام الله غدًا؟
هل ستكذب عليه كما كذبت علينا.
لم نكن ننتظر منك خيرًا يا سيادة المستشار... لكننا لم نتوقع أن تصل إلى القاع بهذا الشكل.