رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» تتبع رحلة مرضى التخاطب وتأهيل السلوك في مصر

مرضى التخاطب مصر
مرضى التخاطب مصر

استقبل أحد مستشفيات محافظة بورسعيد طفلًا يُدعى يحيى أحمد شتا، 4 أعوام، مصابًا بكسر في الجمجمة وغيبوبة تامة، إثر سقوطه من الدور الثالث بمركز للتخاطب وتعديل السلوك بشارع الجمهورية في حي الشرق.

في غياب تام من قبل مشرفي مركز التخاطب وتعديل السلوك، لقي الطفل مصرعه بعدما ساءت حالته في بضع ساعات، في محاولات حثيثة من أطباء العناية المركزة لإنقاذه لكنها باءت بالفشل.

غموض تام يحيط هذا المرض وأصحابه.. من هم حالات مرضى التخاطب في مصر وماذا يعني طب التخاطب وتعديل السلوك وما هو علاجهم الذي يتضمن جلسات تأهيل السلوك، لذا تتبعت «الدستور» رحلة علاج حالات التخاطب وتأهيل السلوك في مصر.

حسب إدارة العلاج الحر التابعة لوزارة الصحة فيجب أن يكون الطبيب المعالج لحالات التخاطب، متخصصًا في طب السمعيات أو الأنف والأذن، على أن تخضع مراكز وعيادات ذلك المرض لقانون المنشآت الطبية الخاصة برقم 51 لسنة 1981 والمعدل بقانون 153 لسنة 2004، ويشترط تسجيل الطبيب صاحب المركز في نقابة الأطباء وأن يكون موقع المركز مخصصًا إداريًا وليس سكانيًا.

المحطة الأولى.. عيادات قصر العيني

هنا في مستشفى قصر العيني، تبدأ رحلة المريض بدفع ثمن تذكرة الكشف وسعرها نحو 30 جنيهًا، لتسمح له تلك التذكرة أن يأخذ دوره في عيادة التخاطب والتأهيل السلوكي، وهي واحدة ضمن العيادات الخارجية بمستشفى قصر العيني، الذي يستقبل مرضى التخاطب والتأهيل السلوكي، وذلك في أيام محددة من الأسبوع (الأحد، الإثنين، الثلاثاء).

التقينا «أمل» إحدى ممرضات العيادة، التي أكدت أنه بعد دفع رسوم التذكرة من قبل المريض، يأتي إلى العيادة ليأخذ دوره للكشف عليه وتشخيص حالته الصحية من قبل أحد أطباء العيادة، ويتضمن كشف التخاطب في العيادة بقيام الطبيب بالتحدث إلى ذوي الحالة؛ من أجل معرفة جميع مشاكلها ومعاناتها وتفاصيل أكثر عن حياتها الشخصية، لضمان سهولة التشخيص لبدء علاج الحالة المريضة.

تبدأ رحلة علاج الحالة التي تحتاج تأهيل السلوك والتخاطب بالتشخيص من قبل أحد أطباء العيادة الخارجية، حسب حديث الممرضة، وعليه يتم البدء في وضع برنامج محدد بعد التشخيص المبدئي للحالة المرضية، وكل برنامج يختلف وفق ظروف المريض، وعادةً ما يشمل البرنامج على جلسات تخاطب مع المريض لتأهيل السلوك فقط.

أمام شباك التذاكر المخصص لحجز الكشف بعيادة تأهيل السلوك، فقد أكدت أحد القائمين عليه أن عيادات التخاطب والتأهيل بمستشفى قصر العيني خاصة فقط بالكبار، أي تستقبل فقط الحالات التي تبدأ سنها من 15 عامًا إلى أكثر، أي أن لا تسمح العيادة الخارجية للتخاطب والتأهيل بقصر العيني بقبول الأطفال دون الـ 15 عامًا، سوى في حالة واحدة فقط وهي الحالات المحولة من مستشفى أبو الريش للأطفال.. حسب حديث أحد القائمين على شباك دفع تذاكر الكشوفات.

واستكملت حديثها، أن الكشف داخل عيادة تأهيل السلوك والتخاطب يتم من خلال إجراء محادثة مع ذوى الحالة المرضية؛ حتى يتسنى للطبيب الوقوف على المشكلة التي يعاني منها المريض، وذلك في حال عدم قدرته على التحدث أو التعبير، مؤكدة أنه لا توجد لديهم في عيادة التخاطب أجهزة طبية تستخدم أثناء الجلسات، كما لا يتم التدخل جراحيًا للعلاج.

مستشفى الدمرداش.. هنا يبدأ التشخيص باختبار الذكاء

بداية تشخيص حالات التخاطب والتأهيل السلوكي داخل العيادات الخارجية بمستشفى الدمرداش تبدأ باختبار الذكاء، ويشرف عليه أطباء العيادة نفسها، كما يصل سعر ذلك الاختبار 30 جنيهًا، وذلك حسب أحد أفراد طاقم التمريض الذي يُدعى «أشرف» وهو مسئول عن تنظيم حركة الكشوفات بالتحديد داخل غرفة اختبارات الذكاء.

أعمال الإنشاء تحاصر عدة مباني رئيسية داخل مستشفى الدمرداش، ومنها العيادات الخارجية بالمستشفى، إلا أن منظومة العمل لم تتوقف وتسير بشكل طبيعي، بينما يجلس ذوو الحالات المرضية على مقاعد خشبية متهالكة ينتظرون أبناءهم لحين انتهاء وقت الكشف والجلسات.

من عيادة الكشف واختبار الذكاء إلي عيادات وفصول التخاطب، والتي يُعقد فيها المحادثات وجلسات التأهيل السلوكي للحالات، التقينا أحد الممرضين القائمين على متابعة العيادة والجلسات الذي أكد أن كل حالة يختلف برنامج العلاج الخاص بها عن الحالة الأخرى، لاسيما عندما تكون الحالة المرضية متأخرة، وفي تلك الظروف تتم جلسة التأهيل بشكل منفرد بين الحالة والطبيب فقط.

واستكمل الممرض حديثه، أنه بعدما تتحسن الحالة نسبيًا، يقوم الطبيب المعالج بدمجها مع الحالات الأخرى، وذلك من خلال اندماج المريض مع حالات مشابهة له وفي نفس المرحلة من المرض في جلسات جماعية، مؤكدًا أن غرف التخاطب وتأهيل السلوك وأيضًا غرف اختبارات الذكاء غير مسموح بدخولها سوى الحالة المرضية فقط، وذلك حفاظًا على برنامج العلاج وخصوصيات وأسرار الحالات.

سلمى فقدت النطق نتيجة التعامل الخاطئ في المراكز الخاصة

قبل 7 أشهر من الآن تعرضت سلمى عوف، لم تتجاوز 12 عاما، لدور برد شديد، ومع التشخيص الخاطئ لها وتناول أدوية خاطئة فقدت النطق، ليتوجه بها والدها فيما بعد إلى مركز تخاطب خاص لعلاجها، لكن تدهورت حالتها الصحية أكثر إلى مرحلة فقدت فيها النطق، وتعاني الفتاة الآن من عدم القدرة على التفوه بكلمة واحدة فقط.

يقول والد "سلمى" إنه طاف بها على عدد من الأطباء والمستشفيات ومراكز العلاج الخاصة بالتخاطب، دون جدوى في تشخيص حالة ابنته بشكل سليم، إلى أن نصحه أحد الأصدقاء بعرض ابنته على طبيب تخاطب وتأهيل سلوك، وبالفعل لم يتردد الأب وتوجه إلى مستشفى الدمرداش، ليبدأ رحلة جديدة ولكن مع علاج التخاطب وتأهيل السلوك بمستشفى الدمرداش، الذي يبدأ باختبار الذكاء.

قال والد «سلمى»: «التشخيص الخاطئ هو الذي أدى بنا للوصول إلى هذه المرحلة» مستطردًا أن التشخيص النهائي الذي وصلت إليه حالة ابنته هو "التهاب الأحبال الصوتية" التي على إثره فقدت قدرتها على النطق.

وأوضح والدي سلمى أن أسعار الجلسات والعلاج في مراكز التخاطب والتأهيل الخاصة "فلكية"؛ مرجعًا أسبابه أن ابنته أجرت أشعة مقطعية على منطقة الأحبال الصوتية والحنجرة، التي طلبها أطباء التخاطب في مستشفى الدمرداش ولم تكلفهم سوى 150 جنيهًا، بيد أنها قامت بعمل نفس الأشعة من قبل وكلفتهم 500 جنيه، فضلًا عن بقية الفحوصات الأخرى والجلسات في المراكز الخاصة، التي لم تأت بأي فائدة.


مازن يركب جهاز تحسين وظائف المخ ويحتاج جلسات تخاطب

اُكتشفت إصابة مازن، 4 أعوام، بالحمى الشوكية وأنه يعانى من المياه على المخ، إثر تعرضه لارتطام شديد في رأسه وهو لم يتجاوز الثانية من عمره، فأدى ذلك الارتطام إلى اكتشاف حالته وتشخيصه في سن مبكرة، الأمر الذي تطلب تركيب جهاز لتحسين وطائف المخ لدى "مازن".

تشمل الأعراض التي تظهر على الطفل مازن هي عدم تعرفه على أفراد أسرته، وفق حديث والدة "مازن"، التي أكدت أن ابنها يجهل أبويه وأخوته بعدما تعرض لهذا الحادث، فضلًا عن تأخره في الكلام ونطق أبسط الكلمات، ما استدعى والدته إلى خوض رحلة دامت عامين لإيجاد حل وعلاج لابنها.

تستكمل الأم قائلة، وصلت جلسة التخاطب في المركز الخاص الذي كنت أباشر حالة ابني فيه إلى ٢٥٠ جنيهًا سعر الجلسة الواحدة، تقول:" لم أستمر طويلًا في هذا المركز، ليس فقط لارتفاع التكلفة، وإنما أيضًا لأنني لم ألحظ اَي تحسن أو تقدم على ابني".

وعليه قررت والدة "مازن"، أن تترك مركز التخاطب الخاص وتبدأ رحلة جديدة في البحث في المستشفيات الحكومية، التي انتهت بعيادة تعديل السلوك والتخاطب في مستشفى الدمرداش، معلقة، "بدأت مشوارا جديدا في مستشفى الدمرداش في تشخيص حالة ابني ومدى استقباله للمواقف والأشخاص وردود أفعاله عليها، التي عانى منها طوال الأربع سنوات نتيجة ضعف قيام المخ بوظائفه، وبالفعل تم عمل اختبار الذكاء والأشعة اللازمة بتكلفة أقل من المراكز والعيادات الخاصة، وأخيرًا بدأ جلسات تعديل السلوك مع أطفال لهم نفس الحالة الصحية له.. وفي انتظار تحسن حالته".

رنا.. عامان من التشخيص الخاطئ.. وانتهى بالتوحد بنسة 33%

شعرت والدة رنا باليأس الشديد لما حل بابنتها منذ عامين تقريبًا، فقد أوضحت أنها بدأت رحلة علاج ابنتها قبل سنتين، ترددت خلالهم على جميع التخصصات الطبية تقريبًا، كما وصل الأمر إلى السفر بها خارج البلاد لاستشارة أكبر الأطباء، ولكن جميع المحاولات باءت بالفشل في تشخيص حالتها، التي رجح أطباء أنها حالة نفسية وعصبية أما البعض الآخر فقد شخصها على أنها متأخرة عقليًا.

"رنا" كانت تقدم على ضرب رأسها في الحائط كثيرًا، حسب والدتها، هذا فضلًا عن انعزالها التام عن كل ألوان الحياة الاجتماعية، إلى أن استقر التشخيص النهائي لـ "رنا" على أنها تعاني من "التوحد" بنسبة لم تتجاوز الـ 33%، وهذا ما فشل في تشخيصه أطباء كثر في مراكز تعديل السلوك الخاصة.

أوضحت والدة "رنا"، على مدار عامين كانت تتلقى "رنا جلسات العلاج في مراكز التخاطب الخاصة التي ترددت عليها مع والدتها، والتي تراوحت أسعارها من 100 جنيه إلى أكثر، إلى أن شخصها أطباء مستشفى الدمرداش بأنها حالة "التوحد"، والذي أكدوا لوالدتها أنها في مرحلة مستقرة وتستجيب لجلسات العلاج بشكل سريع، ومن المقرر أن تستجيب الطفلة إلى الكلام في الأشهر القليلة القادمة.

محمد هاني: أي سلوكيات غير طبيعية تصدر عن الطفل تستوجب عرضه على طبيب تخاطب

محمد هاني، طبيب إستشاري نفسي وتعديل سلوك، أوضح أن الأهل عادةً تهمل سلوكيات أطفالها، التي تستلزم الذهاب إلى طبيب في مرحلة متقدمة، فمثلًا إذا لاحظ الأهل على أطفالهم وجودة فرط الحركة الذي يصاحبه تشتيت في الانتباه، أو في حالة عدم اتزان سلوك الطفل الذي يتضمن ردود فعل عصبية عنيفة، مع العند الزائد عن اللزوم، وفي كل تلك الحالات نسستطيع القول ان الطفل يعاني من مشاكل سلوكية تستوجب تدخل الطبيب بشكل سريع.

أكد "هاني" أنه في الأونة الأخيرة انتشرت مراكز التخاطب وتعديل السلوك الغير مرخصة والغير مؤهلة، والتي يقوم عليها أشخاص غير مختصين في طب التخاطب وتأهيل السلوك، فضلًا عن احتمالية أن يكونوا القائمين على تلك المراكز الخاصة من حاملي دبلومات التخاطب التي يُعلن عنها من قبل كيانات وهمية وأماكن "بير السلم"، التي لا تنتمي بأي صلة إلى طب التخاطب وليس لديها تصريح بمزاولة لامهنة وفتح مراكز من وزارة الصحة.

يعتمد استشاري تعديل السلوك في علاج الحالات المرضية على وضع برنامج خاص بحالة كل مريض، مع تغييره حسب سرعة استجابة المريض وتفاعله مع أسرته ؛ مشيرًا إلى أنه استقبل حالة لطفلة ١١ عامًا كانت تعاني من داء السرقة وتم علاجها خلال شهر ونصف فقط، بعد أن كان محدد العلاج في مدة اقصاها ٦ أشهر ولكن نتيجة تعاون الاسرة وتفاعلها أتمت الطفلة العلاج وتعافت من السرقة خلال شهر ونصف فقط.

محمد خليفة: وضع حواجز حديدية على المنافذ والمخارج.. أهم معايير الأمان

في البداية أكد محمد حسن خليفة، رئيس أكاديمية تحدي لذوي الاحتياجات الخاصة، على ضرورة توافر شروط وعوامل الأمان في مراكز التخاطب الخاصة وتعديل السلوك، على أن يكون أهم تلك المعايير هي إقامة تلك المراكز في دور أرضي، مع وضع كاميرات مراقب لغرف العلاج، فضلًا عن إنشاء حواجز حديدية على الأبواب والشبابيك.

استكمل "خليفة" حديثه أن كل حالة تختلف عن الأخرى، فهناك من يحتاج الى العلاج السلوكي وأخر يحتاج الى العلاج العضوي، وذلك ما يتم تحديده من خلال التشخيص المبدئي للحالة المرضية، فمثلًا الأعراض التي تشمل الكذب والتبول اللاإرادي تحتاج إلى تدخل علاج تأهيل السلوكيات، أما تأخر الكلام قد يكون سببه أمر خلل سلوكي أو عضوي.

ويرجع "خليفة"، أن ما يعانيه الاطفال من اضطرابات سلوكية إلى الأسباب الوراثية أو تعرض الحالة في طفولتها لصدمات عصبية عتيفة متتالية من والديه أو من بقية أفراد الأسرة، ومثال على ذلك يتسبب الطلاق في بعض الأحيان إلى فقد النطق للأطفال، مؤكدًا أن الأب والأم هما المحركان الرئيسيان لسلوكيات أطفالهم بنسبة حوالي ٥٠٪؜.

ناشد "خليفة" بضرورة مراقبة وزارة الصحة لكل الكيانات الوهمية التي يباشرها أشخاص من غير خريجي كليات الطب البشري والنفسي، مع التأكد من تراخيص هذه المراكز وغلق المخالف منها حفاظًا على صحة أطفالنا، مشيرًا إلى عدم انسياق الأهالي وراء أصحاب تلك المراكز، اللذيد يدعون كونهم أخصائيين تخاطب.