رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يوم إفريقيا.. تحذير وتذكير


من «وباء صامت» حذرت «منظمة الصحة العالمية»، أمس الأول الإثنين، قارة إفريقيا، التي نجت، إلى الآن، من أسوأ تأثيرات فيروس «كورونا المستجد». وبهذا التحذير احتفلت المنظمة، عن قصد أو بدون، بـ«يوم إفريقيا»: يوم الخامس والعشرين من مايو، الذي يوافق الذكرى السابعة والخمسين لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، الاتحاد الإفريقي لاحقًا.

احتفالًا بهذا اليوم، جدّدت مصر تمسكها بالعمل الإفريقي المُشترك، ودعت دول القارة إلى تغليب روح التعاون والتكامل. وشدّدت الخارجية المصرية، في بيان، على أن الوباء، الذي يجتاح العالم الآن، يُذكرنا بأن القارة الأفريقية أصبحت أكثر حاجة إلى التضامن والتعاون، بمساندة المجتمع الدولي، للتغلب على كافة التحديات وإحلال السلام والرخاء. وكانت لفته طيبة أن يدعو الأزهر الشريف، وإمامه الأكبر الدكتور أحمد الطيب، في اليوم نفسه، شعوب القارة إلى التكاتف لمكافحة الوباء، واحتواء الصراعات والنزاعات، والتخلص من الحروب الأهلية والطائفية والإرهاب.

انطلاقًا من وحدة الهدف والمصير، وفي محاولة لتجسيد روح التضامن بين دول القارة السمراء، تأسست منظمة الوحدة الإفريقية سنة ١٩٦٣ وتغير اسمها سنة ٢٠٠٢ إلى الاتحاد الإفريقي. وكان مؤسفًا أن تشهد الفترة الواقعة بين هاتين السنتين، وما بعدها، تراجعًا في دور مصر الإفريقي، مع أنها لعبت دورًا محوريًا، أو الدور المحوري، في بلورة الرؤية الإفريقية المُشتركة، وكان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أحد الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة.

بقليل من التركيز، يمكنك ملاحظة أن مصر، منذ يونيو ٢٠١٤، بدأت تستعيد مكانتها دوليًا وإقليميًا، وأولت قضايا القارة أولية متقدمة في سياستها الخارجية، وقامت بتكثيف التواصل والتنسيق مع أشقائها الأفارقة، وحرصت على تعزيز علاقاتها مع دول القارة في مختلف المجالات وعلى مختلف الأصعدة. وقبل وبعد رئاستها للاتحاد الإفريقي، قامت بتسخير إمكانياتها، جهودها، وخبراتها لدفع عجلة العمل الإفريقي المشترك.

غير تحذير «منظمة الصحة العالمية» من «الوباء الصامت» المرتقب، هناك توقعات بأن ترتفع حركة المرض في القارة السمراء، خلال الأشهر القليلة القادمة، لتصل إلى نحو ١٧ مليون حالة في يونيو، ثم إلى ٥٠ مليون في أغسطس. وهناك أيضًا تحذيرات من أن يتعرض عشرات الملايين لخطر المجاعة، بسبب تداعيات الوباء، وفي ظل موجة الجفاف وحالة انعدام الأمن القائمتين أصلًا. وذكرت منظمة «أوكسفام» المتخصصة في رصد الأزمات الإنسانية والمعونات الخارجية، مثلًا، أن الوباء أصاب العديد من دول غرب القارة، وتوقعت أن يتفاقم خلال الأشهر الثلاثة القادمة في منطقة «الايكواس»: المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا.

دراسة للاتحاد الإفريقي، عنوانها «تأثير فيروس كورونا على اقتصاد إفريقيا»، توقعت أن ينكمش اقتصاد القارة هذا العام بسبب الوباء، وأن يفقد نحو ٢٠ مليون، على الأقل، وظائفهم. وبينما كان البنك الإفريقي للتنمية يتوقع، قبل بدء تفشي الوباء، أن يصل الناتج المحلي الإجمالي على مستوى القارة إلى ٣.٤٪، طرحت الدراسة سيناريوهين، أحدهما يتوقع أن ينكمش الاقتصاد الإفريقي بنسبة ٠.٨٪ والثاني يرى أن نسبة الانكماش قد تصل إلى ١.١٪. كما توقعت الدراسة أن تخسر الحكومات الإفريقية من ٢٠ إلى ٣٠٪ من إيراداتها المالية، التي تفيد التقديرات أنها بلغت ٥٠٠ مليار دولار في العام الماضي. وتوقعت الدراسة، أيضًا، أن تتراجع الصادرات والواردات بنسبة ٣٥٪، لتؤدي إلى خسارة في قيمة التجارة بنحو ٢٧٠ مليار دولار. في حين ستؤدي مكافحة الوباء إلى زيادة الإنفاق العام بأكثر من ١٣٠ مليار دولار.
وسط أسئلة مطروحة حول دور العديد من المنظمات الإفريقية، مثل «الإيجاد» في شرق القارة، «سارك» في جنوبها، و«الإيكواس» في غربها، جددت مصر، وهي تحتفل مع دول القارة بـ«يوم إفريقيا»، تمسكها بمواصلة العمل مع الأشقاء، لتحقيق تطلعات القارة والبناء على ما تم تحقيقه خلال رئاستها للاتحاد الإفريقي العام الماضي. وأكدت أنها لن تدخر جهدًا للوصول لأهداف القارة والحفاظ على مصالحها. كما ناشدت المجتمع الدولي بأن يستمر في دعمه للقارة في مواجهة ما فرضه الوباء من تحديات جديدة تهدد الاستقرار ومسيرة التنمية. وكانت لفتة طيبة، أيضًا، من الأزهر الشريف أن يؤكد، في بيان، التزامه الكامل بدوره الريادي والتوعوي والإغاثي وإيفاد القوافل الدينية والطبية والتعليمية التي تستهدف سد الاحتياجات الأساسية لأبناء القارة.

أزمة الوباء ستمر، وستتعامل معها بعض الدول باعتبارها فرصة لبناء مجتمع أقوى، وأكثر استعدادًا لمواجهة أي خطر مستقبلي، بينما ستراها دول أخرى مجرد إزعاج مؤقت، لا يستدعي غير تجاوز تبعاته، تاركة عبء الأزمة أو الأزمات القادمة لوقتها. ونتوقع أو ننتظر أن تكون العديد من دول القارة، بين المجموعة الأولى، لو تعاملت بجدية مع التحذير واستجابت للتذكير: تحذير منظمة الصحة العالمية، من الوباء الصامت، وتذكير مصر بضرورة التضامن وتغليب روح التكامل والتعاون والعمل المشترك. وكل سنة ومصر وإفريقيا والعالم بخير.