رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سارة خليف تكتب: يا عزيزي كلنا متنمرون

سارة خليف
سارة خليف

انتشر في السنوات الأخيرة مصطلح "التنمر"، والذي لم يكن نعرفه قبل ذلك على الإطلاق، للحد الذي جعلنا نظن أنه أحد مستحدثات العصر، ونظرًا لانتشاره وتداوله مؤخرًا عبر الكثير من الحملات والمبادرات، فقد بدأت مسامعنا تعتاد عليه، وبدأت مداركنا استيعاب مراميه.

بداية دعونا نقترب من أيسر تعريفاته: فتنمَّرَ الشَّخصُ: أي غضِب وساء خلقُه، وصار كالنَّمِر الغاضب، وكذلك تَنَمَّرَ: تشبَّهَ بالنَّمر في لونه أو طبعه، ويقولون تنمَّر لفلانٍ: أي تنكَّر له وأوعده. تم أُبرازه مؤخرًا كمصطلح ليعبر عن أحد أنواع السلوكيات التي زادت مؤخرًا، من بعض الأفراد إلى أفراد مماثلين وكذلك إلى فئات ومجتمعات، لذلك فله صور وأشكال متعددة، تختلف كل منها بحسب طبيعة المتنمر وطبيعة المتنمر عليه، فهناك تنمر جسدي، ولفظي، وعاطفي، وديني، ومدرسي، سواء كانت تلك الأنواع التنمرية موجهة ناحية فرد أو فئة أو مجتمع، وربما لن يسمح المقال بسرد كافة أنواع التنمر، ولكن من المؤكد أن التنمر موروث ثقافي يقوم به أغلبنا في العديد من الممارسات اليومية، برغبة وقصد أو دون أن يشعر، الأمر الذي جعله أسلوب حياة لدى الكثيرين.

وهنا نطرح السؤال الصعب: هل أنت متنمر يا عزيزي؟

وقبل أن تستنكر وتستهجن السؤال دعني أقص عليك أقصر وأقرب القصص حدوثًا، لنتأملها معًا، ولنقيّم رد فعلك عليها، لعلها تكون مكاشفة للنفس ومصالحة مع الذات، مُصوبة لسلوك خاطئ، أو مؤكدة على سلوك سليم، ومنها:

القصة الأولى: مُنذ أيام قليلة حزنا جميعًا على وفاة الفنان الجميل إبراهيم نصر، الذي وافته المنية في شهر رمضان، ما جعل الكثيرين من جمهوره ومحبيه يدعون بالرحمة والمغفرة، منهم مَن كان يعلم ديانته المسيحية، ومنهم ما كان لا يعلم، إلا إنه عندما علم البعض بدأوا يتنابزون بالألفاظ على منصات التواصل الاجتماعي، حول جواز دخوله الجنة من عدمه. وتكرر ذلك السخف مع السير مجدي يعقوب منذ عدة شهور، ويتكرر مرارًا وتكرارًا في حياتنا اليومية، عندما نتلفظ بعبارات مثل: "ده مسلم بس عاقل ومسالم، أو دي مسيحية بس بتفهم"، وهكذا، ويسمى هذا السلوك بالتنمر الديني.

ففي أي فريق وقفت يا عزيزي، فريق المترحمين أم المتنمرين؟

القصة الثانية: هناك العديد من الأمثال الشعبية المبنية على التنمر، ونستعلمها يوميًا بلا حرج، مثال: "أنا بقول للأعور إنت أعور في عينه - لبّس البوصة تبقى عروسة - إن كنتِ وحشة كوني نخشة - القرد في عين أمه غزال"، مع أن العين الكريمة مرض، ومع أن الجمال نسبي، ولم نسمع بمعيار جمالي اسمه "بوصةعروسة"، أو مثل قولنا: "يا مزكّي حالك يبكي"، والذي يعبرعن الشخص الفقير المعدم الذي يحرص على إخراج الزكاة، في حين أنه من أكثر الناس احتياجًا لها، وغيرها الكثير، وهذا النوع من التنمر يمكننا توصيفه تحت مظلة التنمر الاجتماعي، الذى يوحي لنا بأن الكثيرين من أجدادنا كانوا يمارسون التنمر، وأورثونا إياه عبر أمثالهم الشعبية المقيتة.

فهل يا عزيزى تلفظت بأي من تلك الأمثال؟ أم كنت مدركًا لجوهرها؟

القصة الثالثة: قصة تتكر يوميًا وفي كل البيوت، وكذلك تتكرر بين الأصدقاء والزملاء وفي شوارعنا، فمن منا لم يُقابل سلوكه وهو طفل بتعنيف من الأب أو الأم؟ من منا لم يسمع تلك العبارات:" إنت مبتفمش؟!، يا عم إنت غبي؟!، أو ده معاق فكريًا، سمرا بس جميلة، تخينة بس تنفع"، بخلاف التنمر المدرسي الذى يمارسه الأطفال على بعضهم البعض، وأصبحنا نتفاخر مؤخرًا باستعراض أنفسنا علنًا على مواقع التواصل بعبارات تنمر على أي شخص لا يعجبنا موقفه، أو أي فعل بحكم أن لنا السلطة على الآخرين، وغيرها العديد والعديد من المواقف والأشكال والكلمات اليومية الدارجة على ألسنتنا دون أن نشعر أننا نجرح بها بعضنا البعض.

فإلي أن مدى يا عزيزى تتفق أو تختلف مع مثل الردود والأفعال؟


وما زاد الطين بلة هو تنمر الكثيرين على بعض مصابي كورونا، لا سيما أبرزهم الدكتورة التي رفض أهل قريتها دفنها، وسيدة المعادي التي تنمر عليها جيرانها عندما أصابها وأهلها الفيروس، حتى لجأت إلى الاستغاثة بالرئيس، وأظن أن حالات التنمر على كورونا في الفترة المقبلة ستزداد مع ازدياد الحالات، وكأنهم يرون مصاب كورونا على إنه الموت.

فمن امتنع عن الترحم على المختلف دينيًا فهو متنمر، ومن تلفظ بعبارات كالسابقة فهو متنمر، ومن رأى أو اتخذ موقفًا سلبيًا فقد ساهم فى تفشي التنمر، جميعهم مخطئون، غافلون أو جاهلون أو يعلمون، ومن عظم الكارثة أتعجب وأندهش: هل مع تطور الحياة وانفتاحنا على العالم من خلال السوشيال ميديا قل مستوى التنمر عندنا أم زاد؟ برأيي لا أعرف، ولكن مع سطوع مصطلح التنمر وجدت أننا متنمرون في أغلب أحاديثنا وأفعالنا العادية دون أن نشعر، ففي أغلب المجتمعات يكون التنمر من فرد أو مجموعة نحو فرد أو مجموعة تتسم بالضعف، أما في مجتمعنا فيبدو لي أن جميعنا نمارس ونعاني من التنمر بأشكال مختلفة، فالحقيقة يا عزيزي كلنا متنمرون.

وختامًا لن نعالج موروثًا ثقافيًا كالتنمر بالحملات الإلكترونية والورقية، فموروث كالتنمر يحتاج إلى إعادة تأهيل ومنهجية من متخصصين في علم الاجتماع، وإخصائيين نفسيين، ورجال دين، ومجتمع مدني، ومجهود مخلص لمدة سنوات، لنقلل منه في سلوكياتنا.