رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشيخ حسن درويش القويسني .. كفيف البصر وزاهد فى الدنيا


وُلد الشيخ بُرهان الدين حسن درويش عبد الله مطاوع القويسني (المعروف باسم الشيخ حسن القويسنى) في مدينة قويسنا - وهي قرية تابعة لمركز الجعفرية - محافظة الغربية، وهذه القرية أبنيتها من الآجر وبها جامعان كبيران. وقد نُسِبَ إلي مدينة قويسنا..
ظهر في القرن الثالث عشر الهجري ثلاثة من العلماء يحملون اسم الشيخ حسن القويسني: الأول: ورد ذكر اسم الأب والجد، وله إجازة خطية بدار الكتب المصرية رقم 317 في مصطلح الحديث، أجاز بها أبا السعود عبد الرحيم بن مسعود الصعيدي الطهطاوي. والثاني: حسن العلوي بن داود بن عبد الله القويسني، وله بدار الكتب استجازة رقم 154 أجازه بها داود بن محمد بن أحمد القلعي. أما الثالث: فهو شيخ الأزهر الشيخ الإمام برهان الدين حسن بن درويش بن عبد الله بن مطاوع القويسني المتوفى سنة 1838م.
كان الإمام الشيخ حسن القويسني كفيف البصر. والتاريخ لم يحدثنا عن النشأة الأولى للإمام القويسني، لكن المعروف والطبيعي أنه حفظ القرآن الكريم في قريته ثم تقدم للأزهر واندمج مع طلابه، ويلاحظ أن الدراسة وقتها كانت تابعة لإرادة الطالب وظروفه، فهو الذي يختار الحلقة ويختار شيخه الذي سيدرس عليه مع ترتيب جدولي للمواد والكتب، فلا يدرس الطالب كتابا قبل السابق له والمترتب عليه، وكانت شهادة الشيخ لتلميذه هي الفيصل، ولم تكن الشهادة تعطى كيفما اتفق، وإنما كانت تابعة لمعايير معروفة ومدروسة، وأنه اشتهر باسم البرهان القويسني الشافعي. تخرج على يد الإمام الشيخ القويسني كثير من أعلام العلماء من أشهرهم: الشيخ إبراهيم الباجوري، والسيد مصطفى الذهبي، والشيخ محمد البناني، ومن ألمع تلاميذه "رفاعة الطهطاوي" حيث درَّس له (جمع الجوامع في أصول الفقه)، و(مشارق الأنوار في الحديث). وممن تتلمذ عليه حفيده الشيخ حسن القويسني شيخ رواق ابن معمر وأحد مدرسي الأزهر، سنة 1883م ودُفن مع جده على باب ضريح الشيخ البيومي.
كان الإمام الشيخ حسن القويسني عالما، تقيًّا، مدققًا، محققًا، ورعاً، زاهداً، متصوفاً، مهيباً، وقوراً، عزيزَ النفس، ذكر صاحب كتاب كنز الجوهر أنه: (كان رحمه الله من شرف النفس وعلو الهمة بمكان حتى محمد علي باشا أحبَّ أن يُنْعِمَ عليه بشيء من الدنيا فأبت نفسه ذلك..... واستغرقته الصوفية حتى كانت له أحياناً شطحات لا يستسيغها غير الصوفية، ومن المعروف أن الإنسان إذا طغت مشاعره فإنه لا يحس غيره ولا يشعر بسواه، فيتصرف تبعاً لما تمليه وتستغرقه محبته، فيذهدون عن الدنيا وما فيها من ظواهر مادية زائلة فيتصرفون وينطقون بما لا يسيغه غيرهم، مما يسمونه الشطحات الصوفية أو الجذب، وكان الشيخ الإمام تعتريه هذه النوبات أحياناً فيحدث منه ما لا يتسق ومنصبه الكبير، ولكن سرعان ما يثوب إلى حالته الطبيعية فيكون أتم ما يكون عقلاً وأحسن ما يكون جلالاً وتصوناً)، كذلك قال صاحب كنز الجوهر: (وكان إذا جاء وقت درسه أفاق وقرأ درسه، ولم يزل على حاله إلى أن توفي سنة 1838م).
ويُذكر عنه موقفًا حدث بينه وبين الشيخ الأمير يدل على سموِّ أخلاق العلماء، فقد ذكر الشيخ محمد سليمان في كتابه "من أخلاق العلماء" ص39 نقلا عن شيخه المرحوم الشيخ عبد المجيد اللبان: (أنه كانت هناك جفوة بين الشيخ الإمام والشيخ الأمير، وبلغت الجفوة الحاكم، وكان الشيخ الأمير عنده فسأله عن الجفوة وأخبَرَه أن الشيخ القويسني حدَّثه عنها، فقال الشيخ الأمير: ليس بيننا إلا الخير، وما أظن الشيخ القويسني حدَّثك بشيء من هذا، وأثنى على الشيخ القويسني ثناءً جَمّاً، ولما انصرف من عند الحاكم ذهب إلى دار الشيخ القويسني وحدثه بما قاله الحاكم وما أجابه به، فقال له الإمام: صدقت في ظَنِّك، ما قلتُ للحاكم شيئاً، فقال الشيخ الأمير: هكذا أهل العلم يسوون ما بينهم في خاصتهم، وأما مظهرهم فيجب أن يكون قدوة في التآلف والخير، وحفظًا لكرامة العلم) وزال بهذا ما بينهما من جفاء.
من مؤلفاته التى وردت فى كتب التاريخ:
(1) شرح السلم المنورق لعبد الرحمن بن محمد الصغير الأخضري من علماء القرن العاشر الهجري.
(2) السلم مطبوع. أما الشرح فتوجد منه نسختان خطيتان بدار الكتب.
(3) رسالة فى المواريث (سند القويسني): قال في أوله: أخذت صحيح البخاري عن الإمام الفاضل الهمام الشيخ عبد الله الشرقاوي عن الشيخ الرحالة. توجد منه نسخة خطية بدار الكتب.
(4) رسالة في المواريث (في الفقه).
بعد أن توفي الإمام الشيخ حسن العطار تقلَّد المشيخة شيخ الإسلام البرهان القويسني الشافعي سنة 1834م وهو السابع عشر فى عداد شيوخ الأزهر، وبقي بها حتى وفاته. ولقد اختاره الوالي وبإجماع العلماء وعدم وجود من يملأ الفراغ بعد الشيخ حسن العطار إلا الشيخ القويسني، وهذا يدل على مكانته العلمية، وزيادة على ذلك أنه تتلمذ على شيوخ علماء كبار منهم الشيخ العروسي والشيخ الدمهوجي والشيخ حسن العطار.
توفي الإمام الشيخ حسن القويسني سنة 1838م في القاهرة بعد أن مكث فى مشيخة الأزهر أربعة أعوام فقط، ودُفن بمسجد الشيخ علي البيومي بالحسينية بالقاهرة. وتمت الصلاة فى الجامع الأزهر