رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

10 رسائل للمواطن شريك إدارة أزمة «كورونا»


الرسالة الأولى: أنت العنصر الفاعل الرئيسى، الذى يحدد نجاح الدولة فى إدارة أزمة «كورونا» من عدمه، الوعى والالتزام والولاء للوطن مقدمات ضرورية، لذلك بدأت الحكومة أول نجاحاتها بإعطاء الاهتمام الأول لك، والأمثلة عديدة: عندما تأخر قطاران فى الوصول إلى محطة مصر، نزل الركاب بعد انتهاء عمل وسائل النقل، وسريان حظر التجوال، وزير النقل أمر على الفور بإرسال أتوبيسات «سوبر جيت» لتوصيلهم حتى منازلهم مجانًا، على نفقة الوزارة، وقدموا لهم كمامات وقفازات واقية كهدايا.. هذه الواقعة لم تقتصر على القاهرة حيث يتواجد الوزير، وإنما امتدت إلى أتوبيس الإسماعيلية- بورسعيد، حيث قام مأمور قسم الضواحى بتوصيل ركابه إلى منازلهم، بسيارات الدورية، مما يعنى أن ذلك توجه دولة، وليس اجتهادات فردية.
وفيما يتعلق بالمصريين العالقين بالخارج، فقد تم تشكيل غرفة عمليات مهمتها تنظيم رحلات جوية استثنائية لمختلف العواصم، لتنفيذ التكليف الرئاسى الخاص بإعادة أى مصرى عالق إلى بلاده.. بدأت برحلة «ووهان»، ووصلت إلى حد تشغيل رحلة لجلب مواطن واحد عالق فى مالطة.. أكثر من ٧٥ رحلة جوية استثنائية عكست سياسة «البعث الجديد» لروح المواطنة المصرية، وتنافس المسئولين على أداء دورهم فيها، حتى إن وزير الطيران قاد بنفسه رحلة لندن.. ذلك أن المواطن إما يتجه بمصر إلى سيناريو الصين، ونبدأ فى إحكام السيطرة على انتشار الفيروس، أو يهوى بها للساحقة الإيطالية، فنترحم على أنفسنا جميعًا.
الثانية: أعداء الدولة المصرية يتجاهلون عادة الجوانب الإيجابية، ويظهرون جوانب القصور، مثل حالات التزاحم التى وقعت فى أول أيام الحظر.. كنت أتمنى أن يرجع هؤلاء مسبقًا لتسجيلات الساعة الأخيرة، قبل دخول حظر التجوال، فى مترو الأنفاق بالعاصمة البريطانية لندن، ونظيرتها فى محطة القطارات بالهند، ليروا كثافة الازدحام وحالة الارتباك بها.. ببساطة، العالم يمر بـ«جائحة»، وحالات الهلع والارتباك أهم ما يميزها.. سلوكيات الناس تكون متماثلة، واختلاف الوعى والمستوى الثقافى لا يصنعان فارقًا كبيرًا أمام الإحساس بالذعر.
على النقيض من حالة القلق التى انتابت البعض، أصاب البعض الآخر حالة من التبلد والاستهتار، وذهبوا للاستمتاع بشواطئ الإسكندرية والسويس وبورسعيد ودمياط وحتى العين السخنة! مظهرهم العام وسلوكياتهم لا تنم عن الجهل، بل تعكس حالة من الالتزام الجماعى، فقد أتى معظمهم فى رحلات اليوم الواحد وباشتراكات رمزية، مما يرجح تنظيمها بمعرفة «الإخوان»، بعد أن فشلت محاولتهم فى تنظيم مظاهرة بالإسكندرية، بدعوى الدعاء الجماعى لكى يرفع الله عنا البلاء، القرار الحازم بإغلاق الشواطئ والمنتجعات السياحية كان رد فعل مناسبًا، ولكن لا بد أن يعقبه تحقيق، لمحاسبة القيادات المحلية على قصور الوعى وعدم التدخل.. ما ينبغى أن يدركه الجميع، هو أن تفشى الوباء فى إيطاليا على ذلك النحو الكارثى، لم يكن لتقصير السلطات الإيطالية فى فرض الضوابط الصارمة المتعلقة بمواجهته، وإنما كان نتيجة لاستهتار المواطنين فى الالتزام بتلك الضوابط، ما فرض وضع المزيد منها، ما أخَّر الالتزام وأوقع الكارثة، خاصة أنه ثبت عدم وجود نظام صحى فى العالم، مهيأ لتطويق الأوبئة.
الثالثة: القطاع السياحى المصرى يفترض أنه أكثر القطاعات «عولمة»، لأنه الأوثق صلة بالعالم، لكنه حتى ٩ مارس، أى بعد قرابة ثلاثة أشهر من اجتياح الوباء، كان فى وادٍ مختلف، وزير السياحة والآثار اصطحب وزيرى الصحة والطيران المدنى ومحافظ الأقصر إلى معبد الكرنك، ليطمئن السائحين ويحول دون تأثر حملة التنشيط الدولية- التى كانت لا تزال مستمرة بالخارج- بانعكاسات انتشار الوباء! ورئيس الاتحاد المصرى للغرف السياحية كان مهمومًا بتأكيد أن الحركة السياحية تعمل بشكل منتظم، ولا توجد أى قيود أو حظر على سفر السائحين إلى مصر، وزياراتهم الأماكن السياحية والشاطئية والأثرية، ويقسم أن نسبة الإلغاءات ضئيلة للغاية! هذه المواقف البعيدة عن السياق تؤكد أن قطاعى المعلومات بوزارة السياحة وهيئة التنشيط تغط فى سبات عميق.. القطاع السياحى المصرى عبارة عن استثمارات للقطاع الخاص، وهى لا يمكن حمايتها دون الاعتماد على مركز معلومات جدير بها، وعلى مستوى يناسب احتياجات العولمة، قادر على التنبؤ بالاحتمالات الطارئة، ووضع الخطط الكفيلة بمواجهتها.
الرابعة: السائحون الذين كانوا بمصر وقت بدء الأزمة، اختارت الدولة ألا تتخذ إجراءات صارمة تقضى بمغادرتهم، خاصة مع قناعتهم بأن انتشار الوباء فى العالم وداخل بلادهم لا يقارن بإحكام السلطات المصرية السيطرة عليه، مما طمأنهم إلى استكمال برامجهم السياحية.. آخر وفد سياحى غادر ٢٥ مارس، بعدها تم إغلاق القرى السياحية، وكان من المفترض- وفقًا لتعليمات وزيرة الصحة لمحافظات «البحر الأحمر، الأقصر، أسوان، وجنوب سيناء»- وضع الأفراد والأطقم العاملة بالفنادق والمنتجعات والمزارات السياحية تحت الحجر الصحى، فى أماكن عملهم، لمدة ١٤ يومًا، للتأكد من خلوهم من الإصابة بالفيروس، قبل السماح لهم بالمغادرة لمحافظاتهم الأصلية، لكن عددًا كبيرًا من أصحاب الفنادق بالمدن السياحية، خاصة فى البحر الأحمر وجنوب سيناء، قاموا بتسريحهم، وإعطائهم إجازات اعتبارًا من ١٧ مارس، حتى لا يلتزموا بسداد مرتباتهم، وتحمل تكلفة إقاماتهم، ضاربين عرض الحائط بالقرار، وغافلين عن تداعيات انطلاق الآلاف ممن يحتمل حملهم المرض، لنشره فى مواطن إقاماتهم بالمحافظات.
والحقيقة أن هذا التصرف أيضًا يستوجب التحقيق والمساءلة، وأقل ما ينبغى اتخاذه من قرارات بحق من ارتكبوه، أن يتم تحميلهم غرامات كبيرة تسهم فى تغطية جزء مما تتحمله الدولة من تكلفة مواجهة انتشار الوباء.. المشروعات السياحية الخاصة نشاط يحقق الكسب ويتحمل المخاطر، لكنه عندما يتحول إلى مصدر للبلاء، فعلى الدولة أن توقفه وتضع حدًا لأذاه.. وكما أن هناك داخل قطاع الاستثمار الفندقى من يستحقون العقاب، فإن هناك من هم جديرون بالتكريم، مسئولو غرفة المنشآت الفندقية بالبحر الأحمر أكدوا الانتهاء من تعقيم وتطهير معظم المنتجعات والفنادق، بمختلف المناطق السياحية، استجابة لتوجيهات وزارة الصحة، وبالتنسيق مع مديرية الصحة والسكان بكل محافظة، وذلك لمواجهة انتشار الوباء.
الخامسة: ضمن حزمة الإجراءات الوقائية والاحترازية لمنع انتشار «كورونا»، خفَّض مجلس الوزراء عدد العاملين فى وحدات الجهاز الإدارى للدولة من وزارات وأجهزة ومصالح حكومية ووحدات إدارة محلية وهيئات عامة وشركات قطاع عام وقطاع أعمال.. القرار تضمن إلغاء بصمة الحضور والانصراف، ومنح إجازات استثنائية مدفوعة، لا تُخصم من الرصيد، للمصابين بالأمراض المزمنة، ولمن ترى المستشفيات الحكومية استحقاقهم هذه الإجازة! وللموظف المخالط مصابًا بمرض معدٍ، وللموظفة الحامل أو من تعول، والموظف العائد من خارج البلاد، مع تعليق جميع البرامج التدريبية.. تطبيق القرار يعنى عمليًا تعليق العمل، لأن كل إجراءاته انكماشية؛ مرتبات وبدلات ومزايا، دون عمل مقابل، مما يضاعف الأزمة الاقتصادية.. «العمل عن بُعد» آلية حديثة تحقق كفاءة فى الأداء، ووفورات فى التكلفة، وزيادة فى العائدات.. إمارة دبى طبقته فى كل هيئات ودوائر ومؤسسات الحكومة بنسبة ١٠٠٪، اعتبارًا من ٢٩ مارس، دبى هى الحكومة الإلكترونية الأولى فى العالم، ما يجعل اختياراتها موضع اعتبار.. بعض الشركات الكبرى التى تنتمى للقطاع الخاص المصرى طبقته أيضًا وبنجاح.. تقييم نتائجه ستحدث انقلابًا فى آليات العمل خلال السنوات القادمة، وعلى المؤسسات الحكومية أن تعكف فورًا على وضع آلياته، اعتمادًا على الواتس والإيميل والفيديو كول والفيديو كونفرانس، لرفع مستوى الأداء، دون التعلل بالوباء للفوز بمزيد من «الأنتخة»، التى ستصيب الاقتصاد فى القلب.. تذكروا يا سادة، أن عالم ما بعد «كورونا» مختلف تمامًا عما قبلها، حتى فى مناهج الإدارة وآليات العمل.
السادسة: فى ظروف «الوباء»، ينبغى أن يتوقف العالم عن توظيف الإجراءات التى يتم اتخاذها لمقاومة انتشاره، فى الهجوم على بعض الحكومات؛ منتهى السخف أن يوجه توماس بوليليكى، مدير برنامج الصحة العالمية بمجلس العلاقات الخارجية بواشنطن، انتقادات حادة للصين «لتجاهل الحريات المدنية وحقوق الإنسان، فى إجراءات الحجر الصحى وأنشطة الرقابة عليه».. والأكثر سخفًا أن تقوم منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية، التى اخترق الإخوان أنشطتها منذ سنوات، بانتقاد الأردن لإعلانه حالة الطوارئ فى مواجهة كورونا، وتدعوه إلى «الالتزام بعدم الانتقاص من الحقوق الأساسية للمواطنين».. وبالنسبة لمصر لم تجد المنظمة موضعًا لانتقادها، نظرًا للإشادات الدولية المتكررة بإجراءاتها، فشنت هجومًا عليها بسبب الإرهابى «عبدالله الشريف»، الشهير بـ«ترتر»، الذى يتم توظيفه من داخل تركيا للهجوم على الجيش المصرى.. المنظمة كُشِفَت عوراتها، ونُزِعَت ورقة التوت عنها.
السابعة: من حق المواطن أن يعرف أين تقف مصر من دول العالم فيما يتعلق بإجراءات مكافحة الوباء، فالنجاح قد يحفز على الالتزام لاستكمال مشوار موفق بإذن الله.. نسبة الشفاء فى مصر «٢٢.١٪» من الحالات المصابة، وهى تماثل نظيرتها فى ألمانيا وتفوق اليابان «٢١.٧٪»، وتمثل أعلى نسبة شفاء فى العالم، بعد سنغافورة «٢٥.٩٪».. ذلك إنجاز بالغ الأهمية، لأن نسبة الشفاء فى أمريكا «٣.٥٪»، إيطاليا «١٤.٩٪»، إسبانيا «٢٠.١٪»، فرنسا «١٨.١٪»، سويسرا «١١٪».. وكل المنحنيات البيانية الخاصة بالمرض فى معظم دول الوباء تتجه إلى أعلى بمعدلات نمو كبيرة، حالات الإصابة يوم ٣١ مارس فقط، الذى تمت كل أرقام المقال وفقًا لبياناته: أمريكا ٢٤.١٢٩، إسبانيا ٧.٩٦٧، فرنسا ٧.٥٧٨، ألمانيا ٤.٩٢٣، إيطاليا ٤.٠٥٣.. والوفيات: إيطاليا ٨٣٧، إسبانيا ٧٤٨، أمريكا ٧٢٦، فرنسا ٤٩٩.. ما يؤكد أن الفيروس فى ذروة نشاطه المجنون لم ينكسر سوى فى الصين، حيث اقتربت نسبة الشفاء من ٩٣٪، وتوقف ظهور حالات إصابة محلية جديدة.
الثامنة: فريق خبراء منظمة الصحة العالمية الذى زار مصر برئاسة «إيفان هوتين»، مدير إدارة التغطية الصحية الشاملة والأمراض الوبائية بمكتب منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، قام بمراجعة ميدانية لإجراءات «مصر» فى التعامل مع «الوباء»، وأصدر تقريره فى ٢٦ مارس، أشاد بجهودها فى مجال الكشف المبكر عن الحالات، والاختبارات المعملية والعزل وتتبع المخالطين وآليات إحالة المرضى للعزل والحجر الصحى، وأكد وجود فرصة حاسمة للسيطرة بشكل فعّال على تفشى المرض، وأشار إلى قدرتها على إجراء ٢٠٠ ألف تحليل فى ١٧ معملًا موزعة على مختلف أنحاء الجمهورية، إضافة إلى ٤ معامل تدخل الخدمة قريبًا، مصر لم تستخدم سوى ٨ مستشفيات فقط، بطاقة تشغيل ٦٠٪، من إجمالى ٢٧ مستشفى مجهزة موزعة على ٢٧ محافظة.. تقديره أن مسئولى الصحة يعملون بجد، وهم ملتزمون بالسيطرة على تفشى المرض وإنقاذ الأرواح، لكنهم بحاجة إلى مزيد من تجاوب المجتمع، واختتم بالتأكيد على أن «مصر حتى الآن تشبه سيناريو الصين الذى نجح فى السيطرة على الوباء، الأسابيع القادمة ستحسم المواجهة بشرط المحافظة على اتباع الإجراءات وتنفيذ الخطط الموضوعة التى ستتيح لمصر أن تتحكم فى المنحنى الوبائى كما تأمل».. إذن ينبغى أن نتخذ من الإجراءات ما يفرض على كل مواطن الالتزام الكامل حتى يعبر الوطن هذه الضائقة.
التاسعة: مصر من أفضل دول العالم أداءً فى إجراءات الوقاية والعلاج والسيطرة على معدل الانتشار، وذلك إنجاز يثير اهتمام الجميع.. البعض أرجعه إلى تطعيم الـ«بى سى جى» الخاص بالوقاية من «الدرن»، لكن إيران تطعِّم مواطنيها به، ورغم ذلك فهى سادس أعلى معدلات إصابة ورابع أعلى معدلات وفاة فى العالم.. البعض الآخر أرجعه إلى درجات الحرارة المرتفعة نسبيًا فى مصر، دون أن يفسر أسباب الانتشار الكبير للفيروس فى جدة ومكة، رغم أن الحرارة فيهما لم تنخفض منذ بداية الأزمة عن ٣٥ درجة.. الفيروس يا سادة لم يكشف عن أسراره بعد.. ولنسلم بأن نجاح تعامل وزارة الصحة مع ملف الوباء حتى الآن، خاصة فيما يتعلق بنظام الترصد الوبائى الذى تعتبره منظمة الصحة العالمية من أقوى أنظمة الترصد الموجودة بإقليم شرق المتوسط، هو السبب الرئيسى، إضافة لما قامت به الطبيعة من كسر للدائرة الجهنمية لانتشار الوباء مرتين بالأمطار الغزيرة والسيول خلال شهر مارس.
العاشرة: المؤشرات المبشرة التى استعرضناها تطمئننا إلى أنه فى حالة الالتزام، فهناك أمل فى الخروج من النفق، وعدم الانزلاق إلى منحدر دول قمة «كورونا»، لكن المعدل الأسبوعى لزيادة الحالات فى مصر يتضاعف؛ الجمعة ١٤ فبراير كتاريخ أساس كانت هناك «إصابة واحدة».. الحالات تضاعفت أكثر من ٦ مرات فى ١٣ مارس لتصل إلى «٩٣».. تضاعفت أكثر من ٣ مرات فى ٢٠ مارس لتصبح «٢٨٥».. تضاعفت فى ٢٧ مارس «٥٣٦».. وتضاعفت مرتين ونصف المرة فى ٣١ مارس أى فى أقل من أربعة أيام لتصل لـ«٧١٠».. إذن هناك زيادة معتبرة وبمتوالية مضاعفة، تسمح بوجود عدد كبير من المخالطين لحالات الإصابة، بخلاف حاملى العدوى، فى ظل مرحلة متقدمة من نشاط وانتشار الفيروس على مستوى العالم، ما يفرض علينا جميعًا الالتزام الكامل بقواعد الحجر المنزلى، حتى تنتهى فترة العدوى، وتتم السيطرة على المرض.
رسائلى إليك أيها المواطن المحترم ليست للترهيب، لكنها همسات توعية، وجرعات معرفة وثغرات أمل.. آمل أن تصلك رسائلى.