رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاتحاد الأوروبى فى مرمى نيران كورونا.. إيطاليا نموذج «الوحدة الهشة»

الوحدة الهشة
الوحدة الهشة

فيروس لم يتعرف عليه العالم سوى منذ شهور قليلة، كورونا المستجد "كوفيد -19" لم يهدد الجنس البشري وحده، إلا أنه أصاب الكيانات والاتحادات في مقتل، وينذر بأن مستقبل السياسات العالمية والاتحادات الدولية لم يكن كما كان قبل ظهور الفيروس القاتل.

الاتحاد الأوروبي أحد أبرز الكيانات التي أصابها كورونا، الصرح الذي مر على تأسيسه 60 عامًا لم يقدر على الثبات أمام كورونا.


تأسيس الاتحاد من رحم الحرب العالمية

9 مايو 1950، وضع وزير الخارجية الفرنسي روبير شومان أول حجر في البناء الأوروبي عندما اقترح على ألمانيا بعد خمس سنوات فقط على استسلامها في الحرب العالمية الثانية، تحقيق تكامل في الإنتاج الفرنسي الألماني للفحم والفولاذ في إطار منظمة مفتوحة لكل دول أوروبا.

وقعت اتفاقية باريس التي نصت على إنشاء "مجموعة الفحم والفولاذ" بعد عام واحد في 18 أبريل 1951، وولدت بذلك اوروبا "الدول الست" (ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا).

من السوق الأوروبية المشتركة إلى الاتحاد الأوروبي

25 مارس 1957، وقعت الدول الست المعاهدة التأسيسية لأوروبا السياسية والاقتصادية، وقد تأسست المجموعة الاقتصادية الأوروبية، السوق المشتركة القائمة على التنقل الحر مع إلغاء الحواجز الجمركية بين الدول الأعضاء، أنشئت المؤسسات (مجلس الوزراء والمفوضية والجمعية البرلمانية الأوروبية) مطلع 1958.

يناير 1973، انضمت بريطانيا والدنمارك وإيرلندا إلى السوق الأوروبية المشتركة، تلتها اليونان (1981) وإسبانيا والبرتغال (1986) والنمسا وفنلندا والسويد (1995).

أزمة إيطاليا المؤسسة تكشف عن  أنه لا "اتحاد" 

أظهر تفشي وباء كورونا في أوروبا الكثير من الحقائق حول هشاشة العلاقة بين الدول الأوروبية التي يربطها اتحاد لم يقدم الكثير للحد من انتشار الوباء حتى الآن، في الوقت الذي تستنجد فيه بعض دول الاتحاد بالصين لإنقاذها.

وعندما طالبت إيطاليا بمساعدات من الاتحاد الأوروبي للحصول على معدات طبية لمواجهة الأزمة، احتفظت كل دولة بمخزونها لنفسها، بالإضافة إلى القرارات التي اتخذت لمواجهة التداعيات الاقتصادية، اتخذت كل دولة أوروبية إجراءات خاصة بها، فيما اعتبره المصرف المركزي الأوروبي غير كافٍ.
عدم التدخل في الخلاف بين إيطاليا والتشيك.

وكشفت الأزمة الأخيرة التي وقعت بين جمهورية التشيك وإيطاليا، عندما قامت الأولى بالاستيلاء على شحنة أقنعة طبية وأجهزة تنفس كانت موجهة من الصين إلى إيطاليا، وعدم تجاوب الاتحاد مع الموقف، أو أن دولتان تقومان بهذا التصرف، عن أن الاتحاد الأوروبي على وشك الانهيار.

وحذر رئيس الوزراء، جوسيبى كونتى، من سقوط الاتحاد الأوروبي ككيان جامع، داعيا إلى عدم ارتكاب أخطاء فادحة خلال عملية مكافحة فيروس كورونا المستجد فى القارة الأوروبية، وأشار كونتى خلال مقابلة صحفية مع موقع "إل سول 24" الإيطالى أن "التقاعس سيترك لأبنائنا العبء الهائل لاقتصاد مدمّر".

وأضاف كونتى قائلا: "هل نريد أن نكون على مستوى هذا التحدي؟ إذًا انطلق خطة كبيرة خطة أوروبية للتعافى وإعادة الاستثمار تدعم وتنعش الاقتصاد الأوروبي كله".

وأردف قائلا: "أمثل بلدا يعاني كثيرا ولا يمكن أن أسمح لنفسى بالمماطلة"، معتبرا أنه "ينبغى علينا تجنّب أن نتخذ فى أوروبا خيارات مأساوية. إذا لم تُثبت أوروبا أنها على مستوى هذا التحدي غير المسبوق، فإن التكتل الأوروبى بكامله قد يفقد بنظر مواطنينا، سبب وجوده". 

محطات خلاف.. كورونا لم يكن التهديد الوحيد

في ربيع 2005، دفع رفض الناخبين الفرنسيين والهولنديين للدستور الأوروبي، بالاتحاد الأوروبي إلى أزمة مؤسساتية ولم يخرج منها إلا باتفاقية لشبونة التي كان يفترض أن تسمح بعمل مؤسسات أوروبا الموسعة بشكل أفضل وتمت المصادقة عليها بصعوبة في 2009.

في السنة نفسها، أعلنت اليونان عن ارتفاع كبير في العجز في ماليتها في أول مؤشر إلى أزمة مالية واسعة، وطلبت اليونان ثم أيرلندا وإسبانيا والبرتغال وقبرص مساعدة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي اللذين طالبا بإجراءات تقشفية، وأدت أزمة الديون هذه إلى سقوط رؤساء حكومات أوروبية الواحد تلو الآخر وعززت الشكوك في الوحدة الأوروبية.

ما إن خرجت من هذه الأزمة المالية حتى واجهت أوروبا أخطر أزمة هجرة منذ 1945 مع وصول مئات الآلاف من المرشحين للهجرة. واخفق الاتحاد الاوروبي في وضع خطة عمل مشتركة.

بريكست

جاءت بعد ذلك ازمة بريكست التي وجهت ضربة إلى اتحاد أضعفه صعود الشعبوية والتشكيك في جدوى الوحدة الأوروبية. وبعد حملة تركزت على الهجرة والاقتصاد، صوت نحو 17،4 مليون بريطاني (51،9 بالمائة من الناخبين) في 23 يونيو 2016 مع خروج المملكة المتحدة من الاتحاد.

بعد ثلاث سنوات على الاستفتاء، لم يتم تطبيق بريكست الذي كان مقررا في 29 مارس 2019. وقد وافقت الدول ال27 الأخرى الأعضاء على إرجاء الموعد إلى 31 أكتوبر لإعطاء وقت للطبقة السياسية البريطانية للاتفاق على طريقة الانسحاب.

هل سيتم تفكيك الاتحاد؟
وفقا للدكتور طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الامريكية، فإن هذا غير محتمل، لافتًا إلى أن تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي تأتي في إطار اتهامات بلاده للاتحاد الأوروبي وأنه تخلى عن إيطاليا، فالأمر ليس مقتصرا على إيطاليا ولكنه امتد في عدد دول منها قبرص وإسبانيا وهولندا.

وأضاف فهمي لـ"الدستور":" أن الاتحاد عالج ذلك في الأيام الأخيرة، وأعلن ضخ أموال في مجال دعم الإمكانيات والاقتصاديات الأوروبية لكن مازال هذا غير كاف"، مؤكدًا أن الاتحاد الأوروبي كصورة لا يمكن ان ينتهي، ولكنه سيواجه أزمة هيكلية في إعادة تشكيله، وهي أزمة أول مرة تحدث في تاريخ الاتحاد الأوروبي خصوصا بعد الخروج البريطاني.

واعتبر أن الاتحاد حاليا ممثل في فرنسا وألمانيا وهما الحريصين على استمرار التعامل في نطاق أوروبا، مشيرًا إلى ضرورة تغيير الاتحاد من خلال وضع ميثاق سياسي واقتصادي وإنساني جديد ويركز على قضايا أمن الإنسان.

واستبعد فهمي، أن يتم تجميد الاتحاد أو تفكيكه في الوقت الحالي، على الرغم من أن هناك حالة كفر عامة بالاتحاد، مردفًا:" ستكون لازمة التعامل مع إيطاليا وباقي دول شرق أوروبا سيكون له تداعيات جديدة، ولكنه لن يتفكك".