رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أكبر من عشق».. حتى تستطيع أن تكون «أنت»

مريم هرموش
مريم هرموش

دائما ما يقولون عن أية رحلة يخوضها إنسان ما إن الهدف ليس ما تصل له نهاية الرحلة أو وجهتها، بقدر ما تعني ما يحدثه مسار الرحلة ومكنوناتها من أثر في نفس من يمر بها. وهو ما تؤكد عليه الكاتبة مريم هرموش، في روايتها "أكبر من عشق" والصادرة مؤخرًا عن دار بدائل للنشر والتوزيع. ويبدو بوضوح من إهداء الرواية، حيث تهدي "هرموش" الرواية لنفسها قائلة: "لك مني كل الحب والثناء والتقدير لأنك "أنت" فكما يقولون بأنك لن تكون قادرًا علي العطاء والمحبة لمن حولك وللحياة بأسرها، إلا إذا كنت في المبدأ تحب نفسك، ليس بذاك المعني النرجسي أو الأناني، إنما بمعني تقبل الذات ومحبتها لتكون نفسًا متسامحة قادرة علي العطاء والمنح، واحتواء الآخرين وتقبلهم بعيوبهم قبل جمالياتهم".

تخوض بطلة الرواية "ريم" رحلة للبحث عن ذاتها، لاستكشاف معني للحياة، عبر مدينة النور والنار "باريس" ريم التي انفصلت عن زوجها الذي هربت بإقرانها به من حياة أسرية مفككة أورثتها مع شقيتيها "هند" و"أحلام" عقدًا نفسية وترسبات كراهية للحياة بمن فيها. فبينما هربت أحلام بالهجرة إلي أستراليا٬ عاشت هند حياة عابثة لاهية٬ تتمرد علي كل شيئ وأولها ذاتها. وربما هو المتوقع أو الطبيعي في ظل تنشئة غير سوية، فبعدما هجرت الأم بناتها وتزوجت برجل آخر، لم يبق سوي الأب الذي ضاعت ثقته في النساء جميعا، وطلق زوجته الثانية في وقت قصير، خوفًا من أن تتكرر مأساة زوجته الأولى أم بناته وخيانتها.

في باريس تنفتح آفاق جديدة أمام "ريم" خاصة في ظل الدفء الأسري والحنان الذي منحهما خالها "لطفى" وزوجته "كارول" لها. فنفضت ريم عن نفسها حياتها السابقة، وبدأت في مساعدة خالها وزوجته في المطعم، وأظهرت مهارة في طهي أكلات جديدة، إلى أن تلتقي "وسيم" الشاب اللبناني وأستاذ الاقتصاد المرموق، وما أن تلبث وتقع في هواه، لتكتشف خلال إحدى لقاءاتهما بأنه عندما رأها في المرة الأولي مصادفة أمام الفندق الذي كانت تمكث فيه، قبل أن تقيم مع خالها فى منزله، كان قد قرر أن تكون محبوبته لآخر العمر وقد كان.

إلا أن اختطاف شقيق وسيم، والذي يعمل مراسلًا صحفيًا لإحدي الجرائد اللبنانية، في المناطق الأشد سخونة في العالم. وبعد أن تتعرف ريم علي "عمار" شقيق وسيم وتجده كالأطفال في نقائهم وبراءتهم، تحدث الفاجعة الأكبر في حياة وسيم، عندما يختطف تنظيم داعش "عمار" وسرعان ما يقتله. فكان الانهيار الأكبر في حياة وسيم، فقد كان عمار بالنسبة إليه ليس فقط شقيق، بل كان بمثابة ابن أصغر له. ينسحب وسيم من الحياة كلها ويختفي، مما يخلف ندبة كبيرة في حياة ريم التي ما لبثت أن تشفي جراحها حتي باغتتها هذه الكارثة.

لكن ريم لا تستسلم وتعافر الحياة وتشق غمارها من جديد، وذلك بأن تواجه كل من أذاها في حياتها، وكان علي رأسهم الأب والأم. تفلح ريم- بعكس هند- في أن تصفح عن أبيها، وتفهمت أسبابه في أن يقضي نحبه بعيدا معزولا، فكرامته لم تسمح له بأن يراه أحد في حالة مرضه وضعفه، وهو الرجل القوي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في يوما ما. أما الأم تلك المرأة الأنانية التي لم تكتف بخيانة زوجها فقط، ولكنها واصلت استغلال بناتها فزوجت ريم من رءوف. جميلة اعتبرت رءوف صيدًا ثمينًا لا يجب أن يفلت من يديها، حتي ولو كان علي حساب ابنتها ريم. وحتي عندما عادت إليها ريم في محاولة لترميم ما تبقي من علاقتهما كأم وابنتها إلا أن هذه رسخت بداخل ريم فكرتها ومشاعرها السلبية نحو أمها.

وعلي الرغم من شاعرية الرواية وأجوائها المخملية، إلا أنها لم تخل من ظلال سياسية في لمحات ذكية نسجتها الكاتبة، منها التنظيمات الإرهابية التي اجتاحت المنطقة العربية ولم تقتصر مذابحها علي بلد دون الآخر، ولا شعب دون غيره. وهو ما يمثله اغتيال عمار شقيق وسيم علي يد إحدي هذه التنظيمات. لفتة شديدة العبقرية أيضا عن النفوذ والسطوة التي يمتلكها الفلسطينيين في لبنان حتي إنهم يكادوا يكونون دولة داخل الدولة. وهو ما ألح إليه صوت الراوي عن ذلك الشخص الوضيع الحقير، "مازن" الفلسطيني وتحرشه بــ "ريم" طوال الوقت رغم معرفته بأنها في علاقة عشق مع صديقه "وسيم" وبدلا من أن يراعي مشاعرها في غياب صديقه، يقتحمها بنظراته الوقحة، إلا أن عودة وسيم في الوقت المناسب توقفه عند حده.