رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رمضان عبد المعتمد يكتب: منال شعيب أيقونة علاء أبو الحمد في معرض «عروس النيل»

رمضان عبد المعتمد
رمضان عبد المعتمد

ربُّما تكون شهادتي مجروحة عند الحديث عن أعمال الفنان المُبدع علاء أبو الحمد، إلاّ أنني أود أن أكتب شهادة للتاريخ عن ذلك الجنوبي الأصيل ابن قرية أبو متاع بحري بمدينة دشنا بمحافظة قنا، ذلك الذي قابلته فى صيف 1998 بكلية الفنون الجميلة بالأقصر.

من تلك اللحظة صِرْنا رفقاء رحلة دراسة وفن وعمل، وكتبت فى صيف 2003 عن زيارتي له فى بلدته وكنا مجموعة كبيرة من الزملاء وقضينا يومين بدوّار ضيافة آل ديرى وكانت من أجمل اللحظات التي لم تفارق خيالي على الإطلاق، وكتب فى أبو مناع كانت لنا أيام، وتمرُّ الأيام ونتخرّج في الكلية وننتظر حلم التعيين، ثم نسافر إلى القاهرة للعمل معًا وفى نفس الوقت نُكمل في مرحلة الدراسات العليا بفنون القاهرة، وكنا مجموعة كبيرة وكان المضيف لنا الفنان الزعيم أحمد.

يبدأ علاء أبو الحمد صياغة أعماله الفنية في صور نساء وفتيات وملكات فى عدة معالجات تشكيلية إلاّ أن الثابت في مصدرها رفيقة دربه الفنانة منال شعيب، فجميع أعمال ابن الجنوب جاءت فى صور المرأة التي أحبها ورأى فيها الحبيبة والابنة والصديقة والأم والحورية؛ ليضعها لنا في تكوينات شديدة الخصوصية، ويذكّرنا بمشاهد التاريخ المصري في مُنجزانه في التصوير الذي غلّف حوائط الماضي العظيم.

والمدقق فى تجربة أبو الحمد يجدها تسعى دائمًا إلى تحقيق جملة التّناص أو الاستعادة إن جاز لنا التعبير، فهو قارئ جيّد للنصوص البصرية المصرية القديمة، ومتفهّم لغتها التشكيليّة، وواعى بمعالجتها وتقنياتها التي ترصد الكيان والحس الذى يجلب وجدان مشاهدي أعماله، وحينما نُمعن النظر أيضًا، نجد في تجربته الإبداعية ذلك المفهوم الحيوي المسرحي الدرامي الذي يدفع بمتابعيه إلى أعلى درجات السّعادة والبهجة والسرور عند مُطالعتهم أعماله الرصينة، ولم يكتفِ علاء بذلك، فقط، بل بحث فى تلك التكوينات التي أساسها زوجته؛ ليقدم لنا صورة مثالية عن المرأة المصرية التى وصلت إلى ملكة فى التاريخ القديم والحديث، وإن دلّ ذلك فإنما يدل على مدى حبه وعشقه وتقديره لها.

«علاء» ألَبس محبوبته جميع الوجوه، ووضعها داخل تكوينات شديدة الخصوصية وألبسها روح النقاء والصفاء والسمو الملكي وروح الطفولة والأمومة وروح العاشقة، واستخرج تلك الأرواح من ذلك الإرث الحضاري الذي لا ينضب له معين، والمتأمل، أيضًا، لأعماله يجده يدرك جميع اللحظات فى وقت واحد فهو فنان يبحث فى جوهر الأشياء الخاصة بمحبوبته، فهى عنده كل شيء نراها تتحدث معنا دون الكلام.. تقرأ وترتّل حكايات الماضي الجميل، تشدو بعزف ألحان القرية الحزينة، تتمتم بكلمات الدعاء، نكاد نشعر بها عبر هذا الوسيط الدرامي الموجود على ردائها الفضفاض والذى انعكس عليه ظل القمر في ليلة شتوية تبدو لنا من خلال اللون وقوته.

إنّ الحالة التعبيرية التي نراها فى أعماله تكمن فى هذا الصمت الذى يبدو مرئيًا أحيانًا وأحيانًا أخرى يبدو ظاهرًا، فهو يدرك المعاني المدفونة والمختبئة ويظهرها فى تلك المعالجات التي نراها على سطح ثيابها العتيق الذي يعبّر عن أصالة الشخصية المصرية المتمثلة فى تلك الأم والابنة والصديقة، القوية التي تمثل وجه الوطن، والذى دائمًا ما يجول في خاطر علاء أبو الحمد.

بكل فخر واعتزاز أستطيع أن أقول إن علاء أبو الحمد قدّم منال شعيب النموذج والوسيط البصري لأعماله فى جميع مَعارضه؛ لأنها الأساس، ولأنها كل نساء الدنيا بالنسبة له، ولم يكتفِ بذلك فقط، في معرضه هذا بجاليرى سماح، لكن ستظل منال شعيب أيقونة ابن الجنوب الذي سكنه الإبداع روحه (!)