رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نتائج الإذلال الروسى لأردوغان


فى الصورة التى نشرتها «الدستور» فى صفحتها الأولى، أمس السبت، كان الرئيسان الروسى والتركى يجلسان أمام مدفأة عليها تمثال، بينما يقف الوفد المرافق للأخير، الذى ضمّ عددًا من وزرائه ومساعديه، تحت قدمى تمثال آخر للإمبراطورة الروسية كاترين الثانية.
كاترين الثانية أو «كاترين العظيمة»، التى امتد حكمها من سنة ١٧٦٢ حتى وفاتها سنة ١٧٩٦، هى التى كسرت شوكة العثمانيين، وسحقتهم فى حرب طويلة، وانتزعت منهم سنة ١٧٧١ شبه جزيرة القرم، التى كان أردوغان قد أعلن، منذ أيام، عن رفضه الاعتراف بضم موسكو لها. وفوق ذلك، فإن «كاترين العظيمة» هى صاحبة العبارة الشهيرة: «سوريا هى مفتاح البيت الروسى».
شكلًا وموضوعًا، تم إذلال الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وأغواته، أو الوفد المرافق له، قبل وخلال وبعد اللقاء الذى جمعهم بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين، للدرجة التى دفعت وكالة أنباء «الأناضول» إلى محاولة تخفيف أثر الصدمة على الداخل التركى، أو على أتباع وغلمان ذلك الأحمق الذى يرأس تركيا، بأن نشرت تقريرًا ذكرت فيه أن تمثال «كاترين العظيمة» ليس جديدًا، واتهمت من وصفتهم بـ«الذباب الإلكترونى» بأنهم «ادعوا أن الجهات الروسية المعنية تعمّدت وضع هذا التمثال كنوع من الإهانة لتركيا».
مع التقرير، نشرت الوكالة عددًا من الصور التى يظهر فيها التمثال نفسه خلال استقبال الرئيس الروسى لعدد من القادة والوفود الرسمية. وفاتها- فات وكالة أنباء أردوغان- أن هذه الصور أظهرت بوضوح كيف أن الإذلال، الذى تعرض له الوفد التركى المرافق، لم يتعرض له أى وفد رسمى، أو غير رسمى، رافق زعيمًا، رئيسًا، رئيس وزراء، أو وزيرًا فى دولة محترمة!
مثلًا، فى الصورة التى جمعت بوتين ومحمد بن سلمان، ولى عهد السعودية، كان الرجلان، وكل أعضاء الوفد السعودى، يجلسون على مائدة بيضاوية. وفى الصورة التى نشرتها الوكالة للقاء الرئيس الروسى مع المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسى، كانت هناك كراسى مخصصة للوفدين المرافقين على مقربة من المائدة المستديرة التى جمعت الزعماء الثلاثة. وهناك صور أخرى، لم تنشرها وكالة أردوغان، يجلس فيها أعضاء الوفود المرافقة لرؤساء ورؤساء حكومات ووزراء على مقاعد متراصة فى نصف دائرة.
وكالة أنباء الأناضول تجاهلت التمثال الذى كان فوق المدفأة، على بعد سنتيمترات من «قفا» أردوغان، كان لجنود روس يعبرون البلقان فى معركة انتصرت فيها روسيا على الدولة العثمانية سنة ١٨٧٨، وهى المعركة نفسها التى نشرت الخارجية الروسية تدوينة عنها فى حسابها على «فيسبوك» قبل أيام من اللقاء. كما تجاهلت وكالة أردوغان، أيضًا، أن الجيش الروسى عزز تواجده فى البحر المتوسط مقابل السواحل السورية، قبل أيام، بفرقاطتين، تحمل الأولى اسم إيفان جريجوروفيتش، وزير بحرية الإمبراطورية الروسية؛ منذ ١٩١١ إلى ١٩١٧، الذى قصف السواحل العثمانية فى الحرب العالمية الأولى، وتحمل الفرقاطة الثانية اسم الأدميرال ستيبان ماكاروف، الذى وجّه بين ١٨٧٧ و١٨٧٨ ضربات موجوعة للبحرية العثمانية.
المهم، هو المحادثات التى استمرت ست ساعات، بين بوتين وأردوغان، وتابعها أعضاء الوفد التركى وهم واقفون على أقدامهم، انتهت باتفاق تضمن ثلاثة عناصر رئيسية: وقف النار على خطوط التماس فى منطقة خفض التصعيد بإدلب.. إنشاء ممر أمنى، أى منطقة عازلة، بعمق ٦ كيلومترات على جانبى طريق حلب- اللاذقية.. وتسيير دوريات روسية- تركية بين ترمبة غرب سراقب وعين حور فى ريف اللاذقية على الطريق السريع. والأهم، هو أن روسيا، أكدت قبل ذلك كله، أنها ستواصل «مكافحة جميع أشكال الإرهاب، والقضاء على كل الجماعات الإرهابية فى سوريا على النحو الذى حدده مجلس الأمن، مع الاتفاق على أن استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية لا يمكن تبريره تحت أى ذريعة».
بهذا الشكل، لن تتوقف دمشق وموسكو عن محاربة وكلاء تركيا أو عملائها أو الإرهابيين المدعومين منها. كما أن توقيع أردوغان على الاتفاق يعنى أنه تراجع عن مطالبته بعودة الجيش السورى إلى حدود اتفاق «سوتشى»، ووافق على أن يتحمل مسئولية إبعاد وكلائه أو عملائه عن جانبى الطريق الدولى. وهكذا، تكون دمشق قد احتفظت بالمناطق التى استعادتها مؤخرًا، وتمكنت من فرض سيطرتها على طريق حلب، سراقب، معرة النعمان، خان شيخون، حماة. واستعادت، أيضًا، بالأمر الواقع المناطق الواقعة جنوب طريق سراقب- عين حور.
نتائج الإذلال الروسى لأردوغان وأغواته، كثيرة ومهمة، ومن بينها تراجع ذلك الأحمق عن ابتزازه لأوروبا باللاجئين، إذ نقلت وكالة أنباء «الأناضول» عن قوات خفر السواحل، أن الرئيس التركى أمرها بمنع «المهاجرين» من عبور بحر إيجة. أما الاتفاق، الذى تم توقيعه، فلا نراه أكثر من استراحة للجيش السورى، سيواصل بعدها، قطعًا، معركته لاستعادة إدلب، قبل أن يتوجه شرقًا، لاستعادة كل الأراضى السورية.