رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشيخ عبدالله الشبراوى.. رحابة الصدر وسعة الأفق



الإمام الشيخ عبدالله الشبراوى أو أبومحمد جمال الدين عبدالله بن محمد بن عامر بن شرف الدين الشبراوى الشافعى، ولد سنة ١٦٨١ م. هو فقيه شافعى مصرى، وهو الإمام السابع فى سلسلة شيوخ الجامع الأزهر. تتلمذ الشبراوى على الشيخ محمد بن عبدالله الخرشى «أول شيوخ الجامع الأزهر» ونال إجازته وهو دون العاشرة، ومن أساتذته الشيخ حسن البدرى، الذى كان من الشعراء المرموقين فى عصره، وقد تأثر الشبراوى بأدبه، كما درس عليه علم الحديث. ومن شيوخ الشبراوى أيضًا الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد الثحلى الشافعى المكى، والشيخ خليل بن إبراهيم اللقانى والشيخ محمد بن عبدالرازق الزرقانى، والشيخ أحمد النفراوى والشيخ عبدالله بن سالم البصرى، والشيخ صالح بن حسن البهوى، والشيخ شمس الدين الشرنبلالى.
من أبرز تلاميذ الشبراوى الشيخ إبراهيم بن محمد بن عبدالسلام الرئيس الزمزمى المكى الشافعى، والوالى عبدالله باشا بن مصطفى باشا الكوبريلى «الذى ولاه السلطان العثمانى محمود الأول ولاية مصر» والشيخ أحمد بن عيسى العماوى المالكى.
كان الشيخ الشبراوى كريم النفس، واسع الأفق، رحب الصدر، يدافع عن أولياء الله من العلماء والصالحين، حكيمًا فى تصرفه، ويتجلى تسامحه فى موقفه من المسيحيين، فيذكر الجبرتى أن الأقباط قصدوا التقديس إلى بيت المقدس، وكان كبيرهم إذ ذاك يُدعى «نوروز» كاتب رضوان كتخدا، فكلم الشيخ عبدالله الشبراوى فى ذلك، فكتب له فتوى وجوابًا ملخصه: «أن الأقباط لا يُمنعون من دياناتهم وزياراتهم»، فهلل الأقباط لهذا وفرحوا به، إلا أن البعض لم تعجبه هذه الفتاوى وثاروا ضد الشيخ الشبراوى، لكن الشيخ لم يخطئ فى الفتوى».
جمع الشبراوى بين عدة مواهب، فكان شاعرًا متميزًا وكاتبًا مرموقًا بمقاييس عصره، كما كان فقيهًا متعمقًا فى أصول الفقه والحديث وعلم الكلام. يصفه الجبرتى فى ترجمته بأنه «الإمام الفقيه المحدث الأصولى المتكلم الماهر الشاعر الأديب» ويقول عن البيئة التى نشأ فيها إنه «من بيت العلم والجلالة، فجده عامر بن شرف الدين، ترجمه الأمينى فى الخلاصة ووصفه بالحفظ والذكاء».
كان الشبراوى يستغل مواهبه الشعرية فى نظم بعض العلوم لتسهيل حفظها على الطلاب، مثل نظمه للأجرومية فى علم النحو. كما نظم قصيدة لحنها الشيخ أبوالعلا محمد لأم كلثوم سنة ١٩٢٦ وغناها أيضًا الشيخ أبوالعلا تقول:
وَحــقــك أَنت المنى وَالــطَلَب وَأَنتَ الــمـُراد وَأَنـــتَ الارب
وَلى فيكَ يــــا هاجِرى صَبوة تـحير فـى وَصفِها كـــل صَبّ
أَبيت أُســـــــامِر نجم السَــــما إذا لاحَ لى فى الدُجى أَوغـرب
وَأَعرِض عَن عاذِلى فى هَواكَ إِذا نَمّ يـــــا مُنيَتى أَو عَـــتب
أَمـــَولاىَ بـــالِلّهِ رفــــقًا بـِمَن إلَيكَ بذلّ الــغَـرامِ اِنتَسَـــــــب
وَيـــا هاجِرى بَعد ذاكَ الرِضا بِـحَـقِّكَ قــل لى لِهذا سَــــــبَب
فَاِنّى حســـــيبُكَ مــن ذا الجَفا وَيا ســــيدى أَنتَ أَهل الحسب
مَتى يـــــا جَميل الـمـحيا أَرى رِضاكَ وَيَذهَب هـــذا الغَضَب
فَإنّى مُحب كَــــمــا قَد عَهِدت وَلــكِنّ حبك شَــــىء عَــجــَب
وَمِثلُكَ مــا يَنبَغى أن يَـــــصد وَيَهجر صبا لَـــــه قَـــد أَحب
أَشــــاهد فيكَ الـجَمـال البَديـع فَيَأخُذُنى عِــنـد ذاكَ الـطَرَب
وَيُـعجِبُنى منكَ حُســـن القَوامِ وَلين الـــكَـــلامِ وَفَـرط الادَب
وَحَســـــبُكَ اِنَّـكَ أَنــتَ المَليحُ الكَريمُ الجدود العَريق النَسـب
أَمــا وَالَّذى زانَ مِنكَ الــجَبين وَأَودَع فـى اللَحظِ بنت العنب
وَأَنبَتَ فى الخدّ روَض الجمال وَلـــكِن سَــــــقاه بِـماء اللَهَب
لئن جدت أو جرت أنت المراد ومالى ســـــــواك مليح يحب
وكما يقول الكاتب المصرى د. نبيل حنفى محمود: «لو أن أحدًا قال اليوم إن خريجًا من جامعة الأزهر، أو منتسبًا لها، نظم نصًا غنائيًا يترنم به أحد الأصوات الغنائية، لقامت مصر ولم تقعد، ولاعتقد أغلبية المصريين أن ما قيل فرية يراد بها النيل من مكانة الأزهر وتاريخه فى الذود عن الإسلام وقضايا المسلمين، فما بال المصريين المعاصرين إذا علموا أن شيخين للأزهر، قد حفظت لنا مصادر التاريخ ومدوناته نصوصًا غنائية، نظماها وتغنت بألحان وضعت لها أصواتًا غنائية تعددت بين مطربين ومطربات، ومازال البعض من تلك الألحان، مما لحق بوسائل حفظ الصوت، يتردد فى أسماع الأجيال المعاصرة. والإمامان هما الشيخ عبدالله الشبراوى والشيخ أحمد العروسىّ».
ومن مؤلفاته فى الشعر ديوان «مفاتيح الألطاف فى مدائح الأشراف»، و«نزهة الأبصار فى رقائق الأشعار»، و«نظم بحور الشعر وأجزائها». قال الجبرتى عنه: «لم يزل يترقى فى الأحوال والأطوار ويفيد ويملى ويدرس حتى صار أعظم الأعاظم، ذا جاه ومنزلة عند رجال الدولة والأمراء ونفذت كلمته، وقبلت شفاعته، وصار لأهل العلم فى مدته رفعة مقام ومهابة عند الخاص والعام وأقبلت عليه الأمراء وهادوه بأنفس ما عندهم».
تولى الشيخ الشبراوى مشيخة الأزهر عام ١٧٢٤م، وكان أول من ولى المشيخة من مشايخ المذهب الشافعى.
من مؤلفاته: الإتحاف بحب الأشراف، الاستغاثة الشبراوية، شرح الصدر فى غزوة بدر، منائح الألطاف فى مدائح الأشراف «ديوان شعرى»، عروس الآداب وفرحة الأحباب، عنوان البيان وبستان الأذهان، نزهة الأبصار فى رقائق الأشعار.
توفى الشيخ الشبرواى فى صبيحة يوم الخميس السادس من ذى الحجة سنة ١١٧١ هـ الموافق سنة ١٧٥٨م عن عمر يناهز ثمانين عامًا، وصُلّى عليه بالجامع الأزهر فى مشهد حافل، ودُفن بتربة المجاورين.