رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوحدة أكثر خطرًا من التدخين والسمنة

العزلة القاتلة
العزلة القاتلة

صدق من قال «إن الوحدة قاتلة».. هذا ما أثبتته دراسة بريطانية حديثة بعد العديد من الأبحاث التى أجريت على أفراد يعانون من العزلة، وخلص معظمها إلى أن الشعور بالوحدة أمر لا يُستهان به، حيث لا يقتصر تأثيرها وأضرارها على الجانب النفسى فقط من الانعزال عن الناس أو الإصابة بالاكتئاب، إنما يتجاوز ذلك ليصل إلى صحة العقل والجسم.


ذكر تقرير موقع «ذا كونفرزيشن» البريطانى، أن الدراسة البريطانية أكدت أنه من الممكن أن يكون لـ«الوحدة» مخاطر مدمرة على الصحة، أخطرها الإصابة بأمراض القلب وانسداد الأوعية الدموية، والتى قد تؤدى إلى الوفاة.

وأجرى الدراسة باحثون من العلوم النفسية بكلية الصحة والطب بجامعة «سرى Surrey»، وهى واحدة من كبرى الجامعات فى بريطانيا، وتأكدت لديهم نتائج بأن الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية يؤثر سلبًا على الصحة، ويزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، إلى جانب أمراض الخرف والاكتئاب، حسبما ذكر تقرير لموقع «ذا كونفرزيشن» البريطانى. 

وأوضح الباحثون أن الوحدة تؤدى إلى تدهور الحالة الصحية؛ لأنها تزيد من خطر الالتهابات وتراجع المناعة، وبالتالى عدم القدرة على مواجهة العدوى، مضيفين: «عندما تواجه ضغوطًا نفسية أو اجتماعية يتأثر جهاز المناعة لديك، وكذلك الشعور بالوحدة يمكن أن يهدد نظام المناعة، ويُحفز الجينات المسئولة عن حدوث الالتهاب بالجسم، وعلى المدى البعيد يرتبط بسوء الحالة الصحية بشكلٍ عام».

وكشفت الدراسة عن أن الأشخاص الأكثر عزلة تحتوى أجسامهم على مستويات أعلى من مادتين كيميائيتين تتسببان فى الإصابة بالالتهابات فى الجسم، هما بروتين C التفاعلى، والفيبرينوجين.

ويُشير بروتين «C» عادة إلى وجود التهاب، وترتبط المستويات العالية منه بالصحة السيئة، بينما يزيد «الفيبرينوجين» من تجلط الدم، وينتشر بشكل كبير فى الجسم لدى الأشخاص الذين يصابون بالصدمة النفسية، وبمرور الوقت يمكن أن يؤدى كل ذلك إلى زيادة خطر تدهور الصحة.

وأوضحت الدراسة أن البشر «اجتماعيون» بطبعهم، وعندما يعزل بعض الأشخاص أنفسهم اجتماعيًا، فإن ذلك يمكن أن يكون مصدرًا للتوتر والضغط النفسى بالنسبة لهم، وهو ما ينعكس سلبًا على جهاز المناعة، الذى بدوره يحمى الجسم من الإصابة بالأمراض أو الالتهابات.

وتابعت: «من الممكن أن تؤدى الإصابة بالالتهابات إلى الشعور بالحاجة إلى العزلة الاجتماعية، ويشعر الأشخاص الذين يعانون من الأمراض الجسدية بأنهم يميلون أكثر للبقاء بمفردهم، ويعانون طوال الوقت من عدم القدرة على التعامل والاندماج مع الناس».

وتوصل الباحثون إلى بعض الأدلة التى تشير إلى ارتباط الوحدة بمادة كيميائية تثير الالتهاب تُسمى «إنترلوكين ٦»، مؤكدين أنه من الممكن أن يؤثر الشعور بالوحدة على كيفية استجابة الجسم للتوتر والضغوطات النفسية، لذا أشارت الدراسة إلى أن الأشخاص «الانطوائيين» هم أكثر عرضة للإصابة بالالتهابات المحفزة للشعور بالإجهاد.

ولفهم كيف يؤثر الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية على الصحة، أجرى الباحثون مجموعة من الفحوصات الطبية، مثل ضغط الدم، إلى جانب مجموعة من عوامل الخطر البيولوجية والنفسية والاجتماعية، مثل فحوصات الصحة العقلية، والدخل المادى، والدعم الاجتماعى، ويرتبط جميعها بزيادة الالتهابات فى الجسم.

وكشفت الدراسة عن أن الوحدة أصبحت مصدر قلق للصحة العامة، خاصة بالنسبة لكبار السن، وهى تنافس التدخين والسمنة فى التأثير على تقصير العمر، فمع انتقال المسنين بشكلٍ متزايد إلى مجتمعات أخرى أو الوصول إلى سن التقاعد قد يشعرون بالوحدة، لذا سعى الباحثون فى كلية الطب بجامعة كاليفورنيا إلى تحديد الخصائص الشائعة للشعور بالوحدة.

وأجرت الدراسة مقابلات فردية مع ٣٠ شخصًا، تتراوح أعمارهم بين ٦٧ و٩٢ عامًا، كجزء من دراسة شاملة لتقييم الوظائف الجسدية والعقلية والمعرفية لـ١٠٠ من كبار السن، الذين يعيشون فى قطاع المعيشة المستقل داخل مجتمع سكنى كبير، فى سان دييجو، بالولايات المتحدة.

من جهته، طالب الكاتب البارز «ديليب. ف»، أستاذ متميز فى الطب النفسى وعلوم الأعصاب فى كلية الطب بجامعة «سان دييجو»، بتحديد الأسباب الكامنة وراء الشعور بالوحدة لدى كبار السن تحديدًا، حتى يمكن إيجاد حلول لها والمساهمة فى تحسين الصحة العامة لهم، وهو ما ينعكس إيجابًا على أعمارهم.

وبجانب الدراسة البريطانية الحديثة، فإن هناك عددًا آخر من الدراسات التى أشارت إلى التأثير السلبى للوحدة على الصحة بصرف النظر عن العمر والجنس والثقافة.

وفى دراستين حديثتين على الإنترنت، حسب مجلة «Internal Medicine»، أكدتا أن الشعور بالوحدة يجعل الشخص أكثر عرضة للإعاقة وحتى الموت المبكر، فضلًا عن توصلهما إلى نتيجة مفادها أن الوحدة تؤثر على صحة القلب، وترتبط بالاكتئاب وانخفاض كفاءة الجهاز المناعى ضد الهجمات الفيروسية.