رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هذا الرجل يكره إثيوبيا



حين حاول الدوق أرثر أن يفتعل صدامًا، من لا شىء، أدرك الناصر صلاح الدين أن «هذا الرجل يكره ريتشارد» ملك بريطانيا، ومن التصريحات غير المسئولة التى أدلى بها جيدو أندرغاشيو، وزير خارجية إثيوبيا، لم ندرك فقط أن هذا الرجل يكره آبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبى، بل بدا واضحًا أنه يكره بلاده، وإلا ما حاول الزج بها فى صدامات لا قِبَل لها بها ولا جدوى منها.
المفاوضات، التى استضافتها واشنطن، جرت وفق اتفاق إعلان المبادئ الذى وقعته مصر والسودان وإثيوبيا فى مارس ٢٠١٥، ولم تكن الولايات المتحدة طرفًا أو وسيطًا فى تلك المفاوضات حتى يتهمها وزير الخارجية الإثيوبى بالانحياز، كما جاء إعلانه عن اعتزام بلاده البدء فى ملء خزان سد النهضة، اعتبارًا من يوليو المقبل، مخالفًا القانون والأعراف الدولية، واتفاق إعلان المبادئ، الذى نصت مادته الخامسة على ضرورة الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، قبل بدء مرحلة ملء خزان السد.
الولايات المتحدة لعبت فقط دور المراقب، والمسودة النهائية أو شبه النهائية للاتفاق، التى تولت مع البنك الدولى صياغتها، لم تتضمن إلا البنود التى وافقت عليها الدول الثلاث، وبعد تدقيق النص، أدخلت بعض التعديلات الطفيفة، رأت أنها تجعل الاتفاق عادلًا ومنصفًا وقابلًا للتوقيع، وبالتالى، كان طبيعيًا جدًا، أن تعرب واشنطن عن شعورها «بخيبة أمل شديدة» لغياب إثيوبيا عن الاجتماع الأخير، وأن تطالبها بعدم إجراء الاختبار النهائى وملء خزان السد دون اتفاق، ليس لأنها منحازة لمصر أو السودان، ولكن لأن هذا هو ما نص عليه اتفاق إعلان المبادئ.
تنصل وزير الخارجية الإثيوبى مما تعهدت به دولته، لا يقل رعونة عن زعمه أن بلاده ترفض «تحذيرات مصر»، كما لا نرى غير محاولة بائسة لافتعال صدام مع الولايات المتحدة فى قوله: «لن نقبل أن تطلب منا أمريكا أن نفعل شيئًا لا نريده وممارسة الضغوط علينا لفائدة الآخرين».
عن أى تحذيرات يتحدث ذلك الرجل؟
لم يحدث أن لوّحت مصر باستخدام القوة أو أبدت أى رغبة فى اللجوء للخيار العسكرى. بل على العكس، أعلنت بوضوح عن ترحيبها بكل جهد دولى للوساطة، سعيًا إلى التوصل لاتفاق مُرضٍ للجميع، وقبلت، على الفور، دعوة الولايات المتحدة لاجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث فى واشنطن، ثم جاء توقيع مصر، منفردةً، بالأحرف الأولى، على المسودة النهائية أو شبه النهائية للاتفاق، ليؤكد مجددًا جديتها فى التفاوض ونيتها الحسنة ورغبتها المخلصة فى حل القضية أو إنهاء الأزمة باتفاق عادل.
أما عن الولايات المتحدة، فالثابت، هو أن الوكالة الأمريكية للتنمية قدمت، خلال السنوات الخمس الماضية، ٤ مليارات دولار لإثيوبيا، لدعمها اقتصاديًا وتعزيز الحكم الرشيد، وسنة ٢٠١٩ قدمت نحو ٨٠٠ مليون دولار لدعم الاحتياجات الإنسانية الطارئة، والأمن الغذائى والصحة والتعليم و... و... إلخ. كما خصصت الإدارة الأمريكية ١١٧ مليون دولار، فى العامين الأخيرين، لتحسين مناخ الاستثمار فى إثيوبيا. ومنذ تولى آبى أحمد رئاسة الحكومة، تطورت العلاقات العسكرية بين البلدين بشكل ملحوظ، وحين قام مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى بزيارة إثيوبيا، منذ أيام، حمل معه ٣٧ مليون دولار لدعم المجلس الإثيوبى الوطنى للانتخابات!.
أندرغاشيو، هو نفسه الحاكم السابق لإقليم أمهرة، الذى قام بتعيين أسامنيو تسيجى، Asaminew Tsige، رئيسًا لجهاز الأمن بالإقليم. والأخير، كان قد تم فصله من الجيش الإثيوبى سنة ٢٠٠٥، وحوكم وعوقب بالسجن عن المشاركة فى محاولة انقلاب قامت بها «حركة ٧ جنبود» المسلحة. لكن فى ٢٥ مارس ٢٠١٨، أسقطت الحكومة الإثيوبية التهم عن ٧٥٦ سجينًا، كان المذكور من بينهم، ثم أسند إليه أندرغاشيو ذلك المنصب المهم، الذى ظل يتولاه حتى لقى مصرعه برصاص الشرطة، فى ٢٢ يونيو الماضى.
مساء ذلك اليوم، قام تسيجى بمحاولة انقلاب فاشلة، مع مجموعة مسلحة، اقتحمت مقر حكومة الإقليم بمدينة «بحر دار»، وقتلت حاكم الإقليم ومستشاره بالتزامن مع اغتيال اللواء سهرى مكنن، رئيس أركان الجيش الإثيوبى، فى منزله بالعاصمة أديس أبابا على يد حرسه الشخصى. ومن تسلسل الأحداث وتوقيتها، بدا أن الهدف لم يكن الاستيلاء على حكم إقليم أمهرا فحسب، بل الإطاحة برئيس الوزراء والانقلاب على مشروعه الإصلاحى. ووقتها ثارت شكوك كثيرة وأسئلة أكثر حول ملابسات قيام كدقى مكنن حسن، نائب رئيس الوزراء بزيارة الولايات المتحدة، وكذا حول أسباب زيارة جيدو أندرغاشيو، إلى ألمانيا، بالتزامن مع محاولة الانقلاب.
أخيرًا، وكما فعل ريتشارد، نتمنى ألا يرحم آبى أحمد من يخدعه أو يحاول خداعه، وأن يأمر بعودة الوفد الإثيوبى إلى مائدة المفاوضات والتحاور حول حل الخلافات للوصول لاتفاق مرضٍ وعادل ومنصف يحقق لبلاده رغبتها فى التنمية ولا يضر بمصالح مصر والسودان المائية.