رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الثقافة وبيوتها التى تعود



عندما وقعت محاولة اغتيال «نجيب محفوظ»، كتب له الدكتور «غالى شكرى» أنه تعلم منه ومن تجربة محاولة اغتياله شجاعة العقل والتعقل، وشجاعة الإصرار لدرجة الاستبسال، وأنه صامد ومتمسك بالعقلانية.
لا شك أن نهضة العمل الثقافى ليست بحوارات نخبوية مع البناء العلوى للمجتمع، ولا هى حوارًا تحتيًا فحسب، إنها النقطة الحاسمة فى الصراع الاجتماعى عندما لا تصبح هناك جدوى من الترميم الفكرى أو الترقيع الاجتماعى والاقتصادى، والثورة الثقافية التى نأملها ليست شعارًا، إنما فعل تنويرى يستهدف تغيير الروح الاجتماعية والإنسانية والسلوكية.
عبر تحقيق صحفى مهم حول أمثلة التعامل مع قضية تراجع دور وعمل بيوت الثقافة بجريدة «الوطن»، ذكر المحرر فى إطار عرض أحد الأمثلة: «فى التاسع والعشرين من يناير ٢٠١١ وبعد ساعات من أحداث عصيبة وتطورات متسارعة، استيقظ سكان منطقة البحر الأعظم بمحافظة الجيزة على حريق ضخم أتى على واحد من أهم المواقع الثقافية التى تخدم الآلاف فى المنطقة، لتتحول مكتبة قصر ثقافة البحر الأعظم إلى أنقاض، تشهد على محاولات طمس الهوية وتغييب العقل ومحو الثقافة. وبعد ٨ أعوام من التوقف أعيد افتتاح مكتبة البحر الأعظم بعد تطويرها وضمها لهيئة قصور الثقافة، وبعد زيادة مساحتها لتصبح ٣ طوابق: الطابق الأول به بهو المدخل، «جاليرى» معروضات فنية، مكتبة عامة، غرفة الأمن، غرفة كنترول الكاميرات، بوابة إلكترونية، سينما صيفى، كشك موسيقى خشبى.. ويضم الطابق الثانى قاعة تكنولوجيا المعلومات ومكتبة طفل ومخزنًا.. أما الطابق الثالث فيضم مسطحًا مكشوفًا للأنشطة الثقافية المفتوحة، غرف خدمات بجوار الخزانات، مخزن مستلزمات الحديقة، دورات مياه خارجية لخدمة الحديقة، ٣ برجولات خشبية مفتوحة الأجناب».
وعليه أسعدتنى تصريحات وزيرة الثقافة حول التعامل مع واقع العمل فى الوزارة بشكل عام، ومع أحوال بيوت الثقافة «ما لها وما عليها»، بقراءة وتوصيف مهمين وواقعيين يمنحان الجماهير المتعطشة لعودة دور تلك المؤسسة الجماهيرية الأمل المطلوب والمنتظر تحقيقه منذ سنين.
قالت الدكتورة إيناس عبدالدايم إن إضافة أى موقع ثقافى تعد بمثابة حائط صد فى مواجهة محاولات طمس الهوية المصرية، وتابعت: «تضم مكتبة البحر الأعظم حوالى ٧٥٠٠ كتاب فى مختلف المعارف والعلوم والآداب، ويضم الطابق الأخير مسطحًا مكشوفًا للأنشطة الثقافية المفتوحة، وحرصنا أن نتعاون مع وزارتى الرى والزراعة لتوفير كتب وقصص عن ترشيد المياه والاستهلاك الصحيح لها، وضرورة تنظيم ورش عمل دائمة على مدار العام لزيادة وعى الأطفال والشباب». وفى الأسبوع الماضى افتتحت الوزيرة بيت الثقافة فى «شلاتين» فى أقصى جنوب البلاد فى احتفالية رائعة.
أتذكر أنه فى مطلع السبعينيات من القرن الماضى شاركت وكل الزملاء من ممارسى الفنون التشكيلية بقصر ثقافة بلدتى فى معرض يستضيفه قصر ثقافة قصر النيل بالقاهرة، وكم كانت سعادتى وأنا أدرس فى العام الأول بكلية الفنون التطبيقية، وأشارك بلوحة وعمل نحتى بدعم وتشجيع من قبل إدارة القصر، والبديع والمقدر كانت تلك الحالة من الاحتفاء الإعلامى فى القاهرة، عبر نشر كتابات نقدية متخصصة تتناول الأعمال وتدعم مسيرة أصحابها، واليوم لا ينسى شباب بلدتنا وقد صاروا كهولًا كم كانت رائعة تلك القصور التى توفر قاعات الممارسة، والأخرى التى تقوم بكل حفاوة بتنظيم المعارض.
لا شك أن المتابعة الإعلامية الموضوعية باتت ضرورة لتحفيز وتشجيع أهل العمل فى المنظومة الثقافية على أرض المحروسة، ولعلنا لا ننسى تلك المنافسة السلبية بين وزيرى الثقافة والإعلام فى العصر المباركى، عليه كان نصيب العمل الثقافى ضئيلًا على القناة الثقافية والعديد من وسائل الإعلام، وكل الأمل تجاوز سلوكيات وتقاليد تلك المرحلة الآن.. إن ما ذكرته وزيرة الثقافة من تصريحات فى حاجة لنشرها لدعم أجهزة الوزارة، وتجديد الدعوة لشبابنا وتعريفهم بكل تلك الخطوات الإصلاحية لممارسة إبداعاتهم.
فى النهاية، الهيئة العامة لقصور الثقافة هى إحدى المؤسسات الثقافية ذات الدور البارز فى تقديم الخدمات الثقافية والفنية، وهى هيئة مصرية تهدف إلى المشاركة فى رفع المستوى الثقافى، وتوجيه الوعى القومى للجماهير فى مجالات السينما والمسرح والموسيقى والآداب والفنون الشعبية والتشكيلية، وفى نشاط الطفل والمرأة والشباب وخدمات المكتبات فى المحافظات. وقد أنشئت فى بادئ الأمر تحت مسمى الجامعة الشعبية عام ١٩٤٥، ثم تغير اسمها فى سنة ١٩٦٥ إلى الثقافة الجماهيرية، وفى عام ١٩٨٩ صدر القرار الجمهورى لتتحول إلى هيئة عامة ذات طبيعة خاصة، وأصبح اسمها الهيئة العامة لقصور الثقافة.