رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تأهيل مولود.. «الدستور» داخل عيادة الرضاعة الطبيعية بمستشفى الدمرداش

عيادة الرضاعة الطبيعية
عيادة الرضاعة الطبيعية


لم تكن مجرد عيادة تحمل تخصص جديد غفل عنه الكثيرون رغم أهميته، ولكنها تلك العيادة التي يخرج منها النشء الأول والأهم بالمجتمع، ويعقد بها عقد الارتباط الأول الأبدي بين الأم ورضيعها، فهي عيادة الرضاعة الطبيعية التي تهيء للأم وجنينها نشأة للعلاقة الطبيعية التي خلقها الله بينهما بالفطرة دون تدخل أي عنصر خارج هذه الفطرة، تلك العيادة التي استدحثتها مستشفى "الدمرداش" بالعباسية لتكون هي الأسبق بدخول هذا التخصص الهام للمستشفيات الحكومية.

تجولت "الدستور"، داخل أروقة عيادة "الرضاعة الطبيعية" التي تقدم خدماتها مجانًا للجميع على مدار الأسبوع، وذلك للتعرف على دورها في مساعدة أمهات وأبناء المستقبل.

فقد ضمت العيادة العديد من التخصصات حسبما يوضح الدكتور أحمد رامي مدير عيادة النساء والتوليد مستشفى الدمرداش، "والتابع لها عيادة الرضاعة الطبيعية" مثل طب الأسرة وأمراض النساء والولادة والتمريض، وغيرها من التخصصات التي تهدف إلى اكتمال المعلومات التي تحتاجها الأم للتعامل مع حديثي الولادة.

وأوضح رامي أن مستشفى الدمرداش كان لها السبق في إنشاء عيادة متخصصة للرضاعة الطبيعية هدفها تقديم المشورة للأم حديثة الولادة نحو طفلها وكيفية إرضاعه بطريقة سليمة وتوطيد العلاقة بين الأم وطفلها منذ اللحظات الأولى عن طريق اتباع بعض الإرشادات التي تقرب بينهما، وذلك من أجل تشجيع الأمهات على الإقبال على الرضاعة وعدم استسهال استخدام الألبان الصناعية، مؤكدًا أن إنشاء هذه العيادة جاء في إطار اهتمام وزارة الصحة بتشجيع الرضاعة الطبيعية من خلال إطلاق مبادرة لها اشتركت بها عدة مستشفيات كانت أولها مستشفى الدمرداش التي خصصت عيادة كاملة للرضاعة الطبيعية فقط.

وعن الإقبال عليها؛ أكد رامي أنه قد تردد عليها 13542 أم على مدار العام 2018-2019 مما يمثل إقبالًا كبيرًا من قبل الأمهات حديثي الولادة للتعرف على طرق التعامل مع أطفالهن في التغذية والسلوكيات الأولية، مشيرًا إلى أن العيادة تمارس عملها منذ سنتان تقريبًا.

وتابع مدير عيادة النساء والتوليد، أن اهتمام المستشفى بالطفل جاء نظرًا لعملها بمفهوم جديد، وهو العمل بنظام مستشفيات "صديقة الطفل"، والتي تعني الاهتمام بالطفل من قبل ولادته حتى سنوات عمره الأولى.
ـ مستفيدة: منعوا عن ابني المشروبات الساخنة حتى لا تحرمه من الرضاعة الطبيعية

تواصلت "الدستور"، مع بعض المستفيدات من مشورة عيادة الرضاعة الطبيعية، واللاتي كانت من بينهن ميرفت محمود عبد الله 30 عاما، تقول: "زوجي متوفي وأتيت من المنوفية مع شقيقتي، حيث كنت أعاني من سكر حمل، وحالتي خطرة ونصحنا البعض باللجوء إلى مستشفى الدمرداش، وبالفعل حضرت إليها ووضعت طفلي أدهم بها، وبها تلقيت عناية فائقة لم أكن أتوقعها".

وعن دور عيادة الرضاعة الطبيعية معها تقول إن طاقم التمريض داخلها لم يتركها هي وولدها لحظة واحدة، مقدمين لها الرعاية الكاملة، مرشدين إياها للتعامل معه بطريقة سليمة لحظة بلحظة واحتضانه لتزداد العاطفة بينهما، وبالتالي يزداد إدرار اللبن، ومنعوا تمامًا تقديم المشروبات الساخنة مثل الينسون والكراوية وغيرها للطفل في إصرار منهم على إرضاعه طبيعيًا، لتختتم حديثها إنها لم تترك العيادة، لافتة إلى أنه بعد مرور 4 أشهر من الوضع تحضر إليها أسبوعيًا لمتابعة أي مشكلات في الرضاعة مع فريق العمل داخل العيادة.

ـ خدمات العيادة للأزواج والأقارب أيضًا
الغريب في الأمر أن يتحدث إلينا أحد الأزواج المستفيدين من عيادة الرضاعة الطبيعية بمستشفى الدمرداش، مؤكدًا استفادته هو شخصيًا منها، وهو حسين أحمد علي 35 عاما زوج فاتن علي محمد، قائلا إن القائمين بالعمل داخل العيادة لم يرشدوا زوجته فقط على كيفية التعامل مع طفلها بل قاموا بإرشاده هو نفسه بالعديد من المعلومات التي توضح له كيفية التعامل مع ابنه وتقرب بينهما، وتجعل طفله متعلقًا به هو أيضًا وليس بأمه فقط، الأمر كذلك لم يقتصر عليه هو وزجته فقط بل اشتمل أيضًا على إرشاد أقرب أفراد الأسرة الذين من المفترض تواجدهم بعد ذلك مع الطفل مثل الجد والجدة لزيادة تعلقه بهم أيضًا.
منال محمود 30 عامًا كانت هي أيضًا بين المستفيدات من المشورة التي تقدمها عيادة الرضاعة الطبيعية، والتي توضح أنها واجهت العديد من المشكلات عقب ولادتها والتي كادت أن تمنعها من الرضاعة بشكل نهائي، إلا أن طاقم العمل داخل العيادة من أطباء وفريق تمريض قاموا بتقديم الخدمات اللازمة لها، والعلاج اللازم دون أي مقابل مادي، مما جعلها تستطيع القيام برضاعة طفلتها بعد أن كادت تشعر بأنه أمرًا مستحيلًا، ومنذ ذلك الوقت تقول منال أنها تتردد على العيادة مرة بالأسبوع حتى أصبح عمر طفلتها الآن 4 أشهر ومازالت تستفاد يوما بعد يوم مما تقدمه العيادة لها ولطفلتها.

داخل عيادة الرضاعة الطبيعية وقفت فاطمة العجرودي مسئولة العيادة، ومديرة العيادة الخارجية، وأمامها جلسن العديد من الأمهات مستمعات بشغف لما توضحه من معلومات عن الرضاعة وكيفيتها، قائلة لـ"الدستور"، إن العيادة وقت بدء إنشائها كان الإقبال عليها ضعيفًا حيث لم يكن يعرف عنها الكثيرون، وبعد عام تقريبًا ازداد الإقبال عليها خاصة مع وجود عيادة "الحوامل" بالتلاصق معها مما يجعل السيدة تخرج من عيادة الحمل لتتلقى المشورة مجانًا دون أي مقابل بعيادة الرضاعة الطبيعية حتى إتمام الوضع وبعد إتمامه عن طريق المتابعة الكاملة للأم وطفلها لتبيان كيفية السليمة للرضاعة الصحية وبالطريقة التي تحفز الأم وابنها على هذه الرضاعة.

وأضافت أن ذلك يتم عن طريق بعض الخطوات مثل وضع الطفل على جسد والدته مباشرة تحقيقًا لملامسة الجلد للجلد مما يقوي العلاقة الروحية بينهما أكثر، وما يؤثره هذا في تدفق اللبن بصدر الأم بشكل أكثر غزارة، كما يقوم فريق العمل داخل عيادة الرضاعة الطبيعية بالقيام ببعض التدريبات للأمهات حديثي الوضع من شأنها التيسير على الطفل امتصاص اللبن، مما يؤثر هذا في التخفيف عليهن وعلى الطفل متاعب الرضاعة الأولية، ومشكلاتها مثل قلة تدفق اللبن، وصعوبة الرضاعة على الطفل وبالتالي بكائه المستمر الذي قد يفضي بالنهاية إلى اكتئاب الأم، ولجوءها إلى الألبان الصناعية للتغلب على هذه المشكلات.

وأوضحت أنها دائمًا تقوم بإرشاد الأمهات بأهمية الرضاعة الطبيعية، وفوائدها للأم وطفلها، ومقارنتها باللبن الصناعي الذي يسبب ضعف لمناعة الطفل كما يتسبب كثيرًا في بعض الأضرار المعوية والانتفاخات لديه، بالإضافة إلى تسببه في حرمان الطفل من الشعور بحنان أمه.

وتابعت العجرودي، أنه يوجد أيضا شاشات عرض تقدم أفلامًا توضيحية للأم عن رضيعها أُنتجت خصيصًا لهذا الهدف، وذلك في إطار الخدمات التي تقدمها عيادة الرضاعة الطبيعية داخل مستشفى الدمرداش باستخدام أحدث الأجهزة التكنولوجية، وبطريقة مبسطة للتوضيح للأمهات الكيفية الصحيحة للرضاعة واستقبال المولود الجديد، بالإضافة إلى بعض الوسائل الأخرى مثل النشرات التوضيحية التي توزع بشكل مجاني على الأمهات، والتي تبرز طرق وخطوات التعامل مع الرضيع، وكذلك كيفية تغذيته وتغذية أمه حتى إتمام الرضاعة.

وتستكمل العجرودي أنها تفخر بانتمائها إلى هذه العيادة مبينة أهميتها للأمهات وأطفالهن على السواء، وتوضح أن تلك العيادة تسهم في تقليل أعداد المصابات بسرطانات الثدي، مشيرة إلى أن أحد أهم أسباب إصابة السيدات بسرطان الثدي هو عدم الرضاعة، مؤكدة أنها في سبيل ذلك أخذت دورات تدريبية متخصصة لتقدم الإرشادات السليمة للأمهات حفاظًا على صحتهم وصحة أطفالهن.
جدة: معلومات نعرفها لأول مرة
وكأنها تستمع لأول مرة إلى هذه المعلومات أنصتت باهتمام سيدة أحمد عادل 55 عامًا، وهي إحدى أمهات المستفيدات من مشورة عيادة الرضاعة الطبيعية، لتوضح في حديثها لـ"الدستور" أنها استفادت من معلومات جديدة لم تكن تسمع عنها من قبل عن كيفية الرضاعة السليمة، والتغذية الصحية للطفل الرضيع بل والأهم من هذا حسبما توضح هو توطد الصلة بينها وبين حفيدها نتيجة توجيهات طاقم عمل العيادة بضرورة احتضان الجد والجدة للرضيع حتى يعتاد عليهم، ويرتبط بهم، وهو ما لمست تحققه بالفعل مع حفيدها يحيى.

وأشارت الجدة إلى أن العيادة لا تقتصر خدماتها على السيدات الحوامل، وحديثي الوضع فقط بل امتدت أيضًا إلى إرشاد أزواجهن وأقاربهن على طرق التعامل مع الأطفال وتعلقهم بهم، بهدف توطيد العلاقة المستقبلية بين أفراد الأسرة جميعًا، موضحة أن أحد أسباب تغير سلوكيات أبناء المجتمع تعود إلى عدم ترابطهم من البداية، واقتراب الأبناء من آبائهم وعائلاتهم منذ اللحظات الأولى لميلادهم.

كما تشير إلى أنهم داخل العيادة يعملوا على تحفيز كافة الأمهات على الرضاعة الطبيعية حتى المريضات منهم مؤكدة أنه حتى مريضات الإيدز يستطعن الرضاعة بمجرد تناولهن العلاج الوقائي، لافتة إلى أن موانع الرضاعة الطبيعية تقتصر فقط على الإصابة بأمراض السرطانات، وبخضوع الأم للعلاج الكيميائي.

ـ خدمات العيادة تقدم للأطفال المبتسرين أيضا
كما تقدم داخل عيادة الرضاعة العناية الكاملة للأطفال الأصحاء وأمهاتهم فهناك خدمة أخرى لا تقل عناية بل تفوق، تقدم للأطفال المبتسرين وأمهاتهم فبداخل عيادة المبتسرين أوضحت الدكتورة راجية لبيب محمد استشاري أطفال حديثي الولادة، أنه على الرغم من وجود هؤلاء الأطفال داخل الحضانات حتى يكتمل نموهم فيتم إرشاد الأم إلى ضرورة عدم الاستغناء عن الرضاعة الطبيعية وتخزين اللبن داخل ثلاجات مخصصة لذلك بهدف تقديمه للطفل في أوقات منتظمة، وذلك من أجل عدم حرمان هؤلاء الأطفال من الرضاعة الطبيعية، وفوائدها الذين هم أكثر الأطفال حاجة لها.

وتستكمل أنه يتم التعاون مع عيادة المبتسرين، وعيادة الرضاعة الطبيعية داخل المستشفى في حال ادعت الضرورة عن طريق إرسال بعض طاقم العيادة إلى أمهات الأطفال المبتسرين، لإرشادهم طرق الرضاعة السليمة التي تتناسب مع حالة كل طفل، مؤكدة أنه يتم منع استخدام "اللاهيات" التي من شأنها إبعاد الطفل عن الرضاعة من أمه، كما يتم منع مندوبين شركات الألبان الصناعية من التواجد بالمستشفى لعدم استسهال الأهالي الحصول على تلك الألبان والتأثر بدعاياتها، ومن ثم اللجوء إليها كبديلًا عن الرضاعة الطبيعية، مشيرة إلى أنه تم منع إطلاق مسمى لبن على الألبان الصناعية بل تم إدراج مسمى "تركيبة غذائية" عليه لتوضيح الفرق بينه وبين لبن الأم الذي يختلف عنه تمامًا.