رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لغز المدمرة كول



وزارة العدل السودانية أعلنت، أمس الخميس، عن توقيعها اتفاق تسوية فى واشنطن مع أسر ضحايا تفجير «المدمرة كول». وأوضحت، فى بيان، أن الاتفاق تم توقيعه فى ٧ فبراير الجارى، فى إطار جهود حكومة السودان الانتقالية لشطب اسم السودان من قائمة الولايات المتحدة لـ«الدول الراعية للإرهاب».
البيان لم يذكر مبلغ التسوية، لكن وكالة «رويترز» نقلت عن مصادر أن السودان وافق على دفع ٣٠ مليون دولار، أى ١٠٪ تقريبًا من الرقم الذى قضت به محكمة اتحادية أمريكية، وأكثر من ٣٠ مليون ضعف الرقم الذى قضت به المحكمة الأمريكية العليا!.
المحكمة الأولى أصدرت فى ٢٠١٢ حكمًا ابتدائيًا يحمّل السودان مسئولية الهجوم، بزعم أن منفذيه تدربا هناك، وألزم الحكومة السودانية بتعويض أسر الضحايا بحوالى ٣١٥ مليون دولار. ولاحقًا صدر حكم آخر يفرض على عدد من البنوك الأمريكية تسليم أصول سودانية بحوزتها، للوفاء جزئيًا بهذا المبلغ. لكن فى مارس الماضى، ألغت المحكمة الأمريكية العليا هذين الحكمين، بأغلبية ٨ أعضاء مقابل عضو واحد. ووقتها، وصفت الخارجية السودانية، فى بيان، هذا الحكم بأنه خطوة مهمة فى اتجاه دحض المزاعم بشأن صلة السودان بالعمليات الإرهابية. وأكدت مواصلة جهودها لإزالة كل ما لحق باسم السودان من تشويه ومزاعم واتهامات بالباطلة.
تأسيسًا على ذلك، أو انطلاقًا منه، ذكرت وزارة العدل السودانية، فى بيانها الصادر أمس، أنه «تم التأكيد صراحةً فى اتفاقية التسوية المبرمة على عدم مسئولية الحكومة عن هذه الحادثة أو أى حوادث أو أفعال إرهاب أخرى، وأنها دخلت فى هذه التسوية انطلاقًا من الحرص على دحض مزاعم الإرهاب التاريخية، التى خلفها النظام المُباد، وفقط بغرض استيفاء الشروط التى وضعتها الإدارة الأمريكية لحذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بُغية تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة وبقية دول العالم».
حاملة الصواريخ الأمريكيّة «يو إس إس كول»، المعروفة اختصارًا باسم «المدمرة كول»، تم تفجيرها، فى ١٢ أكتوبر ٢٠٠٠، أثناء تزودها بالوقود فى ميناء عدن، جنوب اليمن. وقيل وقتها إن الهجوم نفذه رجلان، ينتميان لتنظيم القاعدة، بقارب مطاطى مفخخ، وأسفر عن مقتل ١٧ وإصابة أكثر من ٣٠، وألحق أضرارًا بالغة بالمدمرة. ومع أن منفذى الهجوم، إبراهيم الثور وعبدالله المساواة لقيا مصرعهما، إلا أن عناصر تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية قامت فى نوفمبر ٢٠٠٢ بإطلاق النار على سيارة كانت تقل أبوعلى الحارثى وأحمد حجازى على الأراضى اليمنية بزعم أن الاثنين من المخططين الرئيسيين للعملية.
الطريف، أن اليمن قامت فى ٧ يوليو ٢٠٠٤ بمحاكمة المتهمين بتفجير المدمرة. وفى ٢٩ سبتمبر من السنة نفسها صدرت أحكام بإعدام المتهمَيْن الرئيسيين، المنتحرين أصلًا، وسجن أربعة آخرين لمدد تراوحت بين ٥ و١٠ سنوات. ثم أعلن الرئيس اليمنى السابق، على عبدالله صالح، فى ١ ديسمبر ٢٠٠٥، أن الولايات المتحدة الأمريكية، كانت تنوى احتلال مدينة عدن اليمنية، إثر استهداف مدمرتها، إلا أنه تم منعها بالوسائل الدبلوماسية.
السؤال الآن: لماذا وافقت الحكومة السودانية الانتقالية على تلك التسوية، مع أن القضاء الأمريكى نفسه قضى بعدم مسئوليتها عن التفجير؟!
الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما، أصدر قبل أيام من نهاية فترته الرئاسية الأخيرة، أمرًا تنفيذيًا برفع العقوبات المفروضة على السودان، جزئيًا، لمدة ستة أشهر، على أن يتم البت فى رفعها كليًا بعد الستة أشهر، حال التزام الحكومة السودانية بتعهدات قطعتها على نفسها عرفت بـ«خطة المسارات الخمسة». ومع أن الرئيس الأمريكى الحالى، دونالد ترامب، قام فى أكتوبر ٢٠١٧ برفع العقوبات الاقتصادية والتجارية كليًا، إلا أن السودان خاضع لعقوبات يفرضها بقاؤه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب.
عقب عودته من واشنطن، التى زارها فى ديسمبر الماضى، كشف عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء السودانى، عن ٧ شروط وضعتها الولايات المتحدة، عند بدء التفاوض، بشأن إزالة اسم السودان من القائمة، ثم صارت شرطًا واحدًا. وأوضح: «اتفقنا حول المسائل المتعلقة بتوصيل الإغاثة، حقوق الإنسان، الحريات الدينية، العلاقة مع كوريا الشمالية، البدء بشكل جاد فى عملية السلام بالسودان. ويبقى الآن أمران، الأول: التعاون فى مجال الإرهاب، وهذا مستمرون فيه، أما الموضوع الوحيد الباقى، فهو تعويضات ضحايا العمليات الإرهابية، وهدفنا توقيع اتفاق فى هذا الصدد من أجل تحصين الدولة السودانية ضد رفع أى قضايا أخرى».
اتفاق السابع من فبراير، إذن، هو ذلك الذى تحدث عنه رئيس حكومة السودان الانتقالية. غير أننا لا نجد تفسيرًا منطقيًا لقبول السودان بهذا الاتفاق أو بتلك التسوية، غير أن تكون الولايات المتحدة، هى التى ستتحمل مبلغ التعويض، أو أن تكون مصادر رويترز قد بالغت فى تقدير الرقم.