رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكومة لبنان الجديدة



الصورة بدت حلوة. عشرون وزيرًا بينهم ست سيدات، إحداهن أول وزيرة دفاع فى تاريخ لبنان وفى المنطقة العربية. غير أن المضمون لم يعجب الشارع اللبنانى، أو الحراك الشعبى، الذى وصف الحكومة الجديدة بأنها «مُستفِزّة»، واستقبلها آخرون على «تويتر» بهاشتاج «حكومة الفشل»، لأن وزراءها، فى رأيهم، تابعون للطبقة السياسية، التى يتظاهر اللبنانيون ضدها ويطالبون بإزاحتها «كلن يعنى كلن»، منذ ثلاثة أشهر.
أحزاب عديدة، رفضت المشاركة فى الحكومة أبرزها تيار المستقبل، الذى يتزعمه سعد الحريرى، حزب القوات اللبنانية «سمير جعجع«، الحزب التقدمى الاشتراكى «وليد جنبلاط». وعليه، لم يكن أمام حسان دياب غير فريق واحد: التيار الوطنى الحر، الذى يتزعمه رئيس الجمهورية ميشال عون، ويرأسه صهره جبران باسيل، وزير الخارجية فى الحكومة المستقيلة. وكذا الثنائى الشيعى، المتحالف مع هذا التيار: «حزب الله»، الذى يقوده حسن نصرالله، و«حركة أمل» التى يرأسها نبيه برى، رئيس البرلمان.
بعد ٣٣ يومًا من تكليف دياب، قام الرئيس اللبنانى، مساء أمس الأول الثلاثاء، بالتوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة، وعقد مجلس الوزراء أولى جلساته صباح أمس الأربعاء، وتم التقاط الصورة التذكارية. بينما تجددت الاحتجاجات فى وسط بيروت، وتركزت حول مجلس النواب، وقطع المتظاهرون الطرقات فى الشمال والبقاع، معلنين عن رفضهم تلك الحكومة.
ما يحدث على الأرض يقول إن الحكومة الجديدة لم تنل ثقة الشارع. بينما يراهن الرئيس اللبنانى، كما قال لوزرائها، فى اجتماعه الأول معهم، صباح أمس الأربعاء، على أن تنجح فى «اكتساب ثقة اللبنانيين، والعمل على تحقيق الأهداف التى يتطلعون إليها»، وعلى أن تتمكن من «معالجة الأوضاع الاقتصادية واستعادة ثقة المجتمع الدولى بالمؤسسات اللبنانية».
ردًّا على وصفها بأنها «حكومة اللون الواحد»، وصف حسان دياب حكومته بأنها «حكومة اختصاصيين لا يقيمون حسابات إلا لمنطق العلم، حكومة غير الحزبيين الذين لا يتأثرون بالمصالح». مع أن الواقع يقول إن حصة رئيس الجمهورية و«التيار الوطنى الحر» بلغت ٦ وزراء، وإن «حزب الله» و«حركة أمل» تقاسما الوزراء الشيعة الأربعة. كما قال الواقع أيضًا، إن «المحاصصة» التى تكرست بعد «اتفاق الطائف»، ١٩٨٩، لا تزال هى المعادلة المعتمدة.
دياب أقر بأن بلاده تواجه «كارثة» اقتصادية، وأن هناك «تحديات هائلة» تواجه حكومته. وبعد أن وعد بأن يكون المأزق المالى والاقتصادى على رأس أولوياتها، وجه التحية إلى «الانتفاضة الشعبية» المستمرة، منذ أكتوبر الماضى، «التى دفعت نحو هذا المسار»، موضحًا أو زاعمًا أنها «حكومة تعبر عن تطلعات المعتصمين، وستعمل على ترجمة مطالبهم باستعادة الأموال المنهوبة ومكافحة البطالة ووضع قانون جديد للانتخابات».
باستثناء رئيس الحكومة ودميانوس قطار، وزير البيئة، فإن باقى الوزراء لم يشاركوا فى حكومات سابقة، وأبرزهم طبعًا زينة عكر عدرا، التى تولت موقع نائب رئيس الوزراء، إلى جانب وزارة الدفاع، ما أحدث صدمة، قد تراها إيجابية، وقد يراها آخرون غير ذلك، لكن المؤكد، أو ما حدث فعلًا، هو أنها نالت قدرًا كبيرًا من اهتمام وسائل الإعلام اللبنانية، العربية والدولية، وأحدث اختيارها ضجيجًا أكبر بكثير من ذلك الذى أحدثه سعد الحريرى، حين اختار فى حكومته المستقيلة ريا الحسن، وزيرة للداخلية.
كان اسم العميد متقاعد ميشال منسى مطروحًا لتولى المنصب، منصب وزير الدفاع، وحين لم يلقَ قبولًا لدى «حزب الله»، اقترح جبران باسيل اسم الطبيبة البشرية بترا خورى «٣٦ سنة»، لكن رئيس الجمهورية اعترض على صغر سنها. فكان أن وقع الاختيار، اختيار باسيل، على زينة عكر عدرا، زوجة رجل الأعمال جواد عدرا، صاحب «الشركة الدولية للمعلومات»، المتخصصة فى استطلاعات الرأى، ومجلة «الشهرية»، وكان اسمه مطروحًا، للمشاركة فى الحكومة السابقة، المستقيلة، وقت تعثر تشكيلها، كحل وسط بين رئيس الجمهورية وسعد الحريرى، ليمثل النواب السنة الحلفاء لـ«حزب الله» من خارج «اللقاء التشاورى» الذى يجمعهم.
جواد عدرا، تربطه صداقة قوية برئيس الجمهورية، وصهره جبران باسيل، ورئيس مجلس النواب، ويبتعد منزله بأمتار قليلة عن بيت الوسط حيث يقيم الحريرى. أما زوجته، وزيرة الدفاع، نائبة رئيس الحكومة الجديدة، فحاصلة على درجة البكالوريوس فى العلوم الاجتماعية، وكانت المديرة التنفيذية لشركته، والمشرفة على المجلة التى يصدرها، بالإضافة إلى أن لها ولعائلتها، علاقات قوية بالولايات المتحدة، وكان عمها جابى عكر مستشارًا للسفارة الأمريكية.
الصورة، كما قلنا، بدت حلوة. لكن بقليل من التركيز، ستدرك أنها قاتمة، وستستنتج أن قتامتها ستزداد مع استمرار الاحتجاجات، التى ما زالت تطالب بتشكيل حكومة إنقاذ من التكنوقراط، إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، معالجة الأوضاع الاقتصادية، استرداد الأموال المنهوبة، محاسبة الفاسدين، و... و... ونتمنى أن يلتمس القراء والأشقاء لنا العذر، لأن قتامة الصورة منعتنا من السخرية أو التهكم على دمج وزارتى البيئة والتنمية والإدارية، ووزارتى الثقافة والزراعة!.