رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حسن عبدالموجود في ندوة «الدستور»: مكاني بين نجيب محفوظ وحمدي أبو جليل

حسن عبدالموجود
حسن عبدالموجود

استضافت الدستور في ندوتها الكاتب الصحفي حسن عبد الموجود، وتحدث حول روايته الأولى التي أعاد طبعها مع دار بتانة «عين القط» واستفاض عبد الموجود في الحديث عن مشروعه الكتابي.

حضر الندوة الشاعر أحمد المريخي والروائي أحمد مجدي همام، والزملاء حسام الضمراني وجمال عاشور وآلاء حسن، وجاءت الأسئلة والإجابات كالتالي..

◘ العمل الصحفي بالنسبة للأديب كيف تراه؟
العمل الصحفي يأخذ كثيرا من الوقت والجهد، ولكن هل العمل الصحفي فقط هو من يفعل هذا، بالعكس مهنة الصحافة تجعلك تعمل دائما في مجالك وتطور لغتك. لاعب الكرة مثلا يجري حول المضمار قبل نزول الملعب، وما نفعله في الصحافة هو تمارين على الكتابة أيضًا، لكن بالنسبة لي لا أستطيع الكتابة أثناء تواجدي في مقر العمل، حاولت كثيرا لكنني فشلت في كتابة قصة أو جزء من رواية في المكتب، لكن الصحافة تستطيع تحييدها لكي تكون إيجابية تماما.

هيمنجواي في "وداعا للسلاح" قال إن من يعمل في الصحافة عليه ألا يعمل لأكثر من سبع سنوات.. ما رأيك في هذه المقولة؟

زمننا أكثر تعقيدا من زمن هيمنجواي، نحن نفكر كثيرا في أمور أخرى كالالتزامات والواجبات التي تفرضها علينا ظروف الحياة، كثيرون من الصحفيين يضطرون للعمل في أكثر من مكان طمعًا في دخل يتيح لهم حياة كريمة.مطحنة يومية، وعمل مرهق، لكني استفدت من العمل بالصحافة، إذ أنها طورت من كتابتي، وأصبحت أكتب في الصحافة بلغتي الأدبية تقريبًا.

كلنا يملك التزامات ولولا هذه الالتزامات لكتبت عملا كل عام، نحن نعيش وسط الكثير من الصراعات التي تستنزف طاقتك، وبالتالي إن أنتجت عملا كل ثلاث أو أربع سنوات، فهذا جيد جدا.

◘ عملك في أخبار الأدب، تحديدا حين توليت مسؤولية ساحة الإبداع وطد علاقتك بأدباء كثيرين!؟

على العكس، تعرضت بسبب أخبار الأدب لكمية كراهية غير طبيعية، ولو عاد بي الزمن لما توليت مسؤولية النشر، كانت أخبار الأدب سببا في خسارتي للكثيرين، وأذكر أن كاتبا جاء إلى مقر أخبار الأدب وسأل عني، وقالوا له إنني غير موجود، ولم أكن أعرف أن هناك من سأل عني، ثم اتصل هذا الكاتب بزميل من إصدار آخر، فسمح له بالصعود، وحين رآني اعتقد أنني رفضت مقابلته،وأنكرت وجودي. فتحول إلى عدو وما زلت محتفظا بخطاب كراهية منه، لأذكر نفسي كيف يتحول الناس من أصدقاء إلى أعداء بسوء تفاهم بسيط.

◘ هل سنرى حكاياتك مع جمال الغيطاني في كتاب؟

أتمنى ذلك، لدىّ الكثير من الحكايات معه، وقد تعلمت منه الكثير من الأمور في العمل الصحفي، الإتقان والدأب وعدم الاستسلام لأول نتيجة تظهر لك، والإيمان بأن هناك ما هو أفضل دائما، كما تعلمت منه على المستوى الإداري، التنظيم الشديد. كان الأستاذ جمال يضع في جيبه مقلمة، ليستخدم قلما معينا للصحافة وقلما للكتابة الإبداعية وقلماأبيض لمحو الشخبطات. وعلى المستوى الإبداعي تعلمت منه أن الكتابة تحتاج إلى صبر كبير وأتمنى أن أحذو حذوه في غزارة الإنتاج، إذ كان مثل أستاذه نجيب محفوظ يكتب حينما يجلس. وأنا لديّ هذه الملكة لكنني لا أملك كل وقتي.

يظل كتابي عن الأستاذ جمال الغيطاني مشروعا مؤجلا أتمنى أن يتاح لي الوقت لأحققه بما يليق بمكانته الكبيرة.

◘ في رأيك.. ما تأثير التكنولوجيا على الوسط الثقافي؟

انتقلت النميمة من مقاهى وسط البلد إلى فيس بوك، كما انتقلت إليه أمراض الوسط الثقافي، وبالتالي أصبحت النميمة تدور بين خمسة آلاف شخص على فيس بوك بدلا من خمسة على المقهى.

◘ ما الذي دفعك إلى كتابة رواية "عين القط"؟

"عين القط" حكايتها أنه لي شقيق أصغر مني بعامين اسمه حسين، ومن يراني كان يعتقد أننا توأم، وكنت أستغل هذا الأمر، لدرجة أنني كنت أرسله ليقابل أشخاصا لا أريد مقابلتهم، أو يرد على أحدهم من شباك البيت.كانت لنا جارة في قريتنا بنجع حمادي تدعى رمانة، وهي جدة لحفيدين توأم، ونحن لدينا اعتقاد في الصعيد أن الأصغر في التوأم يتحول إلى قط، لذلك كانت تغلق الجدة باب الغرفة على الحفيد إذ أنه لا بد أن تعود الروح لتجد الجسد كما هو في مكانه. ولو تم تحريكهلن تتعرف عليه الروح وبالتالي سيموت.

استهوانى الموضوع وسألت نفسي لماذا لا يحل شقيقي في جسد قط، رغم تشابهنا، فقالوا لي لإنكم لستم توأما، كان الموضوع غريبا جدا بالنسبة لي، وعشت أجواء الرواية لسنوات، إلى أن جاء الوقت وكتبتها عام 2004.

كنت متأثرًا بأجواء يحيي الطاهر عبدالله وكنت أحاول حفظ قصصي، وأذكر أن أحدهم قال لي ساخرا هل تعتقد أنك يحيي الطاهر عبدالله.وأعتبر يوسف إدريس ويحيى الطاهر هما عمودا القصة القصيرة واستهواني يحيى لسنوات ولكني تخلصت من تأثيره الطاغي. إذ لم أعد أحب الغنائية التي كان يكتبها الطاهر، وحتى تدركوا حجم التأثر، كتبت مجموعة قصصية بعنوان "أجيال جديدة من المدن الرمادية"، وهذه المجموعة لم تصدر وصمم الغلاف الفنان الكبير محيي الدين اللباد، وكانت ستصدر عن قصور الثقافة خلال تولي فؤاد قنديل رئاسة تحرير سلسلة إبداعات، ولكني تراجعت في آخر لحظة لأنها لم تعد تمثلني.

◘ هل هذا يندرج تحت بند قتل الأب؟

لم تسر الأمور بهذه الطريقة، فلم أقتل أبا أو عما أو خالا. كنت أتطور تلقائيا، وبالتالي كانت وجهة نظري تتغير طبقا لتطوري كتابيا، وفي رحلة التطور في مصر هناك كتاب لا بد أن تقرأهم مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وإبراهيم أصلان.

أدركت بعد ذلك أن الكتابة دون سخرية لا قيمة لها، والسخرية بتعبير الكاتب الكبير عزت القمحاوي هي "قشرة السكر التي تغلف كبسولة الدواء". أنا شخص لا أكف عن الضحك حتى في أحلك الأوقات وليس من الطبيعي أن أصبح شخصا متجهما حينما أبدأ الكتابة. أعجبتني سخرية نجيب محفوظ لكنها سخرية الأفندي الوقور المحترم، كما أعجبتني سخرية حمدي أبو جليل العظيمة المجنونة ولو جاز لي التعبير، تضحك مع نجيب محفوظ بطريقة محمد عبدالوهاب ها ها ها، أما مع حمدي أبو جليل قد تحدث لك أزمة قلبية بسبب سخريته في الأساس من نفسه.

أستطيع أن أرى نجيب محفوظ يكتب وهو يرتدي بدلة كاملة كما أستطيع أن أرى حمدي أبو جليل يكتب متخففا من كل شيء إلا –ربما – من فانلة داخلية. وقد آثرت في سخريتي أن أقف بينهما. حمدي نفسه قال عن سخريتي في الكتابة إنها منظمة وتبدو كأنها كُتبت في نوتة موسيقية.

◘ لماذا قررت إعادة طبع روايتك الأولى "عين القط"؟

الرواية لم تعد متوفرة، كأن شخصًا عزيزًا عليّ لم يعد موجودًا، أنا الآن كذلك لا أملك نسخة من مجموعتي القصصية الأولى "ساق وحيدة".

◘ إذا كتبت "عين القط" الآن.. هل ستكتبها بنفس الطريقة؟

لو كتبتها الآن فلن تظهر بشكلها الحالي، الكاتب الكبير صُنع الله إبراهيم قال لي إن "عين القط" كان من الممكن أن تكون رواية شديدة الأهمية، وأنا حين أكتب لا أنظر للحجم أو غيره، اللغة في الرواية كانت متورطة في القرية، ولو كتبتها الآن لاستخدمت لغة أخرى، أو لأخضعت القرية للغتي الخاصة.

◘ ننتقل إلى مجموعتك الأحدث "حروب فاتنة".. كيف جاءتك أفكارها وهل تعتبرها نقلة في مشوارك الأدبي؟

بعد السهو والخطأ، وفي مناقشة مع صديقي الكاتب والمترجم أحمد شافعي، وهو من قلائل أثق بهم، جاءتني الفكرة العامة للمجموعة بالكتابة عن شخصيات مكتوبة بعناية شديدة، شخصيات كاملة وليست مبتسرة، إذ وجدت أن القصة القصيرةالمصرية تُعامَل كأنها غير مطلوبة،إذ أن الكتاب باستثناءات طفيفة يتعاملون معها باستسهال، فيقول لك أحدهم إنني أكتب القصة بين الرواية والرواية، كأنها استراحة تشبه بسطة السلم، حتى أن دور النشر تتعامل معها على أنها فن غير مطلوب أيضًا.

هناك فكرة سائدة ولا تعرف مصدرها أن القصة القصيرة يجب ألا تتعددى بضع فقرات، وربما هذه الفكرة هي ما جعل رسم الشخصيات في القصة المصرية محدودا وكذلك تداخل العلاقات وحتى الحبكات الفرعية التي تغذي الحدث الرئيسي في القصة، فأصبح معظم الكتّاب يخاف أن توصف قصته بالرواية بسبب الحجم، مع إنك إذا نظرت إلى آليس مونرو كاتبة القصة الحائزة على نوبل، فستجد بعض قصصها تتجاوز العشرة آلاف كلمة، المهم كيف تفهم هي القصة وكيف نستوعبها نحن.

قررت تحدي نفسي بأن أكتب قصصا طويلة، وكانت جائزتي الحقيقية أن معظم من قرأوها، أخبروني أو كتبوا أنهم استمتعوا بالقصص ولم يشعروا بطولها، كانت هذه جائزتي.