رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«نيويورك تايمز» تتجول فى حلب: لا رجال بالمدينة.. والنساء وحيدات

حلب
حلب

«كل دروب الحب توصل إلى حلب».. هكذا وصف الشاعر الكبير نزار قبانى المدينة السورية فى إحدى قصائده التى تناول فيها نساءها الجميلات، اللاتى ما زلن ينشرن الحياة فى شوارع «الشهباء» التى أكلها الدمار، وحيدات دون رجالهن الذين دارت عليهم رحى الحرب والقتل، هذه هى الصورة التى تنقلها صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فى تقرير حديث عن المدينة السورية الشهيرة.
كتبت محررتا الصحيفة فيفيان يى وهويدا سعد، فى تقريرهما: «قبل الحرب، كان من النادر أن تشاهد النساء فى شوارع المدينة السورية التجارية القديمة، إلا أن المشهد تغيّر الآن، حيث اختفى الرجال بعد ٨ سنوات من الحرب والقتل والدمار، فخرجت الأرامل يبحثن عن عمل يطعمن منه أطفالهن وأمهاتهن المسنات».
وأضافتا: «بددت سنوات الحرب جيلًا من الرجال والشباب السوريين بالقتل أو السجن أو الفرار من البلاد والشتات واللجوء إلى دول بعيدة، والآن، مع خضوع معظم البلاد مرة أخرى لسيطرة الحكومة، فإن الناجيات من النساء خرجن للعمل، بينما تنتظرهن الجدات فى البيوت رفقة أطفالهن».
وأشارت «نيويورك تايمز» إلى أنه فى كثير من الحالات «تغادر النساء البيوت بمفردهن ويعملن لأول مرة، حيث انفكت قبضة العادات القديمة تحت وطأة الحرب والاقتصاد المنهار»، لافتة إلى أن تحولًا سريعًا تشهده ربوع المدينة فى البلد المحافظ اجتماعيًا ودينيًا.
وتنقل محررتا الصحيفة شهادة إحدى الناجيات السوريات، وتدعى فاطمة رواس، ٣٢ سنة، التى افتتحت صالون تجميل للنساء المحجبات فى شهر مايو من العام الماضى، بعد ثلاث سنوات من وفاة زوجها.
وقالت «رواس»: «فى السابق كانت النساء خائفات من كل شىء، لكن الآن لا يوجد شىء نخاف منه».
وروت قصتها وكيف جرت خطبتها وهى فى سن التاسعة عشرة دون أن يستشيرها أحد: «كنت عنيدة وقتها وأبلغت والدى بأنى غير مهتمة بتلك الخطبة، ثم بدأ خطيبى بالاتصال بى ثلاث مرات يوميًا، وبمرور الوقت وبعد أن تزوجنا وجدتنى أحبه».
وبعد أن استقر الزوجان فى شرق حلب تذكرت «رواس» كيف كانت تخرج من البيت بشكل غير منتظم مرتدية عباءة سوداء محافظة، وكذلك كان الأمر نفسه بالنسبة للنساء فى باقى أجزاء المدينة التى تقطنها أغلبية مسلمة سنية.
وفى عام ٢٠١٢، دمرت الحرب شرق حلب، وتوسلت «رواس» لزوجها أن يفرا من المدينة، لكنه أصر على البقاء لأنه كان يملك ورشة نجارة، كما رفض الانضمام إلى «داعش»، فألقى به رجال التنظيم الإرهابى فى السجن.
وأضافت: «بعد مرور ١٥ يومًا على غياب زوجى، كان الجوع يقرص أحشاء أطفالى، فتشجعت على الخروج وشراء بعض الحليب للمرة الأولى، كما بعت كل ما لدىّ من مدخرات وعملت بعض أعمال الخياطة، واقترضت لأدفع فدية خروج زوجى من السجن، وبالفعل خرج، وفى اليوم التالى سمعنا صوت انفجارات، وجاءنى خبر وفاته بعد أن اخترقت الشظايا جسده».
وقالت: «بعد وفاة زوجى ذهبت إلى مدرسة تجميل لأتعلم فنون المهنة، وحصلت على قرض من الهلال الأحمر لأفتتح صالونًا فى غرفة بالطابق العلوى مدمرة جزئيًا، وعلقت عليها لافتة لجذب السيدات».
وكتبت محررتا الصحيفة: «عرضت (رواس) خدمات المكياج وتصفيف الشعر على النساء المحجبات مثلها، حيث حرصت نساء المدينة على الظهور بمظهر حسن رغم كل شىء، غير عابئات بالموت والدمار، متمسكات بالأمل والحياة».
وأخبرت «رواس» محررتى «نيويورك تايمز» بأنها وقعت فى الحب مرة أخرى بعد وفاة زوجها، لكن والدها أخبرها بأنه يتوجب على الأرملة أن تكرس نفسها لتربية أطفالها، وهددها إذا عصت أوامره بأن يحرمها من رؤية أطفالها مرة أخرى.
ونقلت الصحيفة شهادة لسورية أخرى، تدعى لواء الشيخ، تسكن جنوب حلب، فى مدينة اللاذقية الساحلية، حيث قالت: «هناك عدد قليل جدًا من الرجال، هذه هى المشكلة الآن، بعض صديقاتى ينتظرن من الرجال أن يقدموا لهن كل شىء، لكنه صعب.. نحن فى حرب».
وقالت عفراء داغر، ٣٦ عامًا: «لا يوجد رجال فى سوريا الآن»، مضيفة: «كان لدىّ الكثير من الأصدقاء لكنهم الآن إما شهداء أو جنود فى الحرب».
وسألتها إحدى المحررتين: «كيف ستجدين رجلًا للزواج والحب الآن؟»، فردت بابتسامة: «لا أعرف، أترك الأمر لله».
وقالت سامية حنوف، ٣٩ سنة، إنها خرجت للعمل لإطعام أطفالها الثلاثة بعد أن أصابت رصاصة قناص زوجها الجندى فى عام ٢٠١٣، معللة خروجها: «أريد أن يلتحق أطفالى بالمدارس، لا أريدهم أن يكونوا مثلى لا يستطيعون الاعتناء بأنفسهم لأنهم غير متعلمين».