رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السَّقا الأخير.. عبدالحميد: زبائنى من زوار الموالد والمريدين.. وأرضى برزقي القليل

عبدالحميد السقا
عبدالحميد السقا

عم عبدالحميد السقا.. و«السقا» هنا ليس لقبًا، إنما مهنة حقيقية يمتهنها ذلك الرجل السبعينى، الذى يحمل قِربة جلدية على ظهره ويسقى منها الظمآنين فى موالد آل البيت، ليشعل فى نفوس المصريين شغفهم وحنينهم للزمن الجميل.

اشتهر «عبدالحميد» فى الصعيد بأنه آخر سقا فى مصر، حيث ورث تلك المهنة عن أبيه الذى ورثها عن أجداده، وهو محترف فى صناعة تلك القربة العجيبة التى تحفظ للمياه برودتها وعذوبتها، ودأب على مجاورة أضرحة الأولياء والصالحين فى المحافظات المختلفة، راضيًا بالقليل من الأموال التى يحصل عليها نظير إطفاء عطش الزوار والمريدين، بعد أن انقرضت مهنته بفعل التطور، وامتداد شبكات مياه الشرب إلى بيوت المحروسة. 

السَّقا الأخير.. عبدالحميد: زبائنى من زوار الموالد والمريدين.. وأرضى برزقي القليل

وحكى «عبدالحميد»، لـ«الدستور»، أنه «منذ عقود، امتنع الناس عن شرب المياه من السقايين الذين يحملون القرب، ولهذا لجأت إلى العمل بين وسط الناس الطيبين فى الموالد، هناك أجد زبائنى الذين يشعرون بلذة مختلفة فى رى عطشهم من هذه المياه، كما أننى أعتبر وجودى فى هذه الأماكن محبة وخدمة لآل البيت».

وسرد تفاصيل صناعته تلك القِرب من جلد الماعز، قائلًا: «القربة أصنعها بنفسى، الأمر يستغرق عدة أسابيع، التحضير يبدأ بنزع الجلد من الماعز بشكل جيد، ثم وضعه فى ملح لتطهيره وإزالة البكتيريا منه حتى لا يتعفن».
وأكمل: «أترك الجلد يجف لفترة كافية بعد غسله، حتى لا يتسبب الماء داخله فى نمو بكتيريا، ما يتسبب فى تلوث المياه التى تدخل القربة».

السَّقا الأخير.. عبدالحميد: زبائنى من زوار الموالد والمريدين.. وأرضى برزقي القليل

وتابع: «جلد الماعز لديه قدرة على الحفاظ على المياه باردة رغم ارتفاع درجات الحرارة، كما أضع داخل الرقبة بعض النعناع أو ماء الورد حتى تتعطر المياه».

السَّقا الأخير.. عبدالحميد: زبائنى من زوار الموالد والمريدين.. وأرضى برزقي القليل

ولا يمكث «عبدالحميد» فى أى مدينة يزورها سوى أشهر قليلة، فيقول: «أتجول بين الأماكن طوال العام، أزور أغلب محافظات الجمهورية كل فترة»، مضيفًا: «لدىّ ٧ أبناء منهم ٤ ذكور، ولا يهتم أحد منهم بمهنة السقاية، لذلك سأكون آخر من يمتهن هذه المهنة فى عائلتى».

ودورة اليوم لدى «عبدالحميد» مليئة بالعمل: «أنام قرب الأضرحة، وأستيقظ فجرًا وأملأ القربة من أقرب صنبور مياه، وأنتظر حتى يزداد أعداد المريدين، ثم أبدأ فى السقاية»، مواصلًا: «فى الليالى الأربع الأخيرة من أى مولد، يكون العمل أكثر كثافة، أعمل من الـ١٠ صباحًا حتى الـ٩ مساءً تقريبًا، لكن فى باقى الأيام أرتاح بعد صلاة المغرب».


السَّقا الأخير.. عبدالحميد: زبائنى من زوار الموالد والمريدين.. وأرضى برزقي القليل


وواصل: «الإرهاق والتعب لم يعرفا طريقهما إلىّ طوال الأربعين عامًا التى قضيتها فى مهنة السقاية»، وتابع: «أحمل فوق ظهرى قربة تمتلئ بـ١٠ لترات من المياه، لم أشعر يومًا بثقلها حتى عندما قاربت على السبعين».

واسترجع أحوال مهنة السقاية قديمًا: «السلطات قديمًا كانت تجرى اختبارات للسقّايين، لأن المهنة كانت الأهم فى مصر، فالسقا هو الوحيد الذى يوفر المياه للمواطنين والمحالات التجارية».

وتابع: «الاختبارات قديما كانت تقيس مدى قدرة السقا، فكان الراغب فى العمل فيها يحمل قربة وكيسًا مليئًة بالرمل يزن نحو ٦٧ رطلًا لمدة ٣ أيام و٣ ليالٍ، دون أن يُسمح له بالاتكاء أو الجلوس أو النوم، وإذا نجح فى الاختبار التحق بطائفة السقايين».

لكن «عبدالحميد» لم يخضع لاختبارات للعمل فى هذه المهنة، موضحًا: «حصلت على تصريح من الطرق الصوفية للعمل كسقا فى الموالد».