رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طه حسين: الأزهر ينحاز إلى نفسه والجمهور سيتجاوزه

طه حسين
طه حسين

نَظَر طه حسين إلى التعليم بطريقة مركزية بوصفه السبيل الأول والأساسي للتقدم، وكاد أن يختزل وعد المستقبل الثقافي في تثوير مضمون التعليم وتطوير أنظمته، وذلك في إطار المعنى المدني الجديد للوطنية التى ارتكز عليها في كتابه " مستقبل الثقافة في مصر".

في ذكرى مرور 130 سنة على ميلاده نطالع في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" مناقشة طه حسين لمنظومة التعليم الأزهرى في مصر، وهى المنظومة التي اكتوى بنارها بعد أزمة كتابه" في الشعر الجاهلي".

يقول طه حسين في الفصل المعنون بـ"مستقبل التعليم الديني في الأزهر" أن الثقافة التى تصدر عن الأزهر لابد وأن تكون ملائمة لحياة الشعب وحاجاته لا مناقضة لها، وإلى جانب ذلك لابد أن يعصمهم من الخوف والسخط واليأس والقنوط، وليس من الخير أن يكوّن الأزهر حربًا على الحياة الحديثة، فإن هذه الحرب لا تجدى ولا تفيد، وإنما الخير والواجب أن يكون الأزهر ملطفا للحياة الحديثة مخففا لأثقالها ملائما بينها وبين ما يأمر الله به من الخير والمعروف مباعدا بينها وبين ما ينهي الله عنه من الشر والمنكر.

ورأي طه حسين أن الأزهر ينخدع بالجمهور الواسع ممن يسمعون له، رغم أن هذا الجمهور لا يفهمون عنه سوى القليل، لأن الأزهر يتواصل معهم بخطاب قديم وهم محدثون، و"رغم أن الكثرة من المصريين لازالت متأثرة بعقلية القرون الوسطى لكن طبيعة الحياة ستخرجها غدا وبعد غد عن هذا الطور، وستصوغ الأجيال الناشئة والأجيال المقبلة صيغة حديثة أوروبية أجدى وأقوى من اتصاله بالأجيال الماضية والأجيال الحاضرة".

لا يخفى طه حسين الولع بهذه "الصيغة الحديثة الأوروبية" على مدار الكتاب بكامل فصوله، فلا تتوارى مسألة الأنا والآخر في خطاب طه حسين، كما أن التأثر بالحداثة الفرنسية جعلت طه حسين ينطلق من داخل منظومتها ووصاياها، حتى في مسألة الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني، لكن طه حسين كان يرد على ذلك بإيمانه بوحدة العالم وأن استلهامه لحلول الثقافة والتعليم يأخذها أيضا عن الفلسفات اليونانية.

حاول طه حسين أن يقدم صياغات كي يستفيد منها الأزهر في تطوير منظومته التعليمية، أول هذه الصياغات أن يَعدل الأزهر عدولًا تاما عما دأب عليه من الانحياز إلى نفسه والعكوف عليها والانقطاع عن الحياة العامة.

يقول في كتابه"قد يقال إن الأزهر قد أخذ يترك هذه السيرة ويتصل بالحياة العامة ويأخذ بحظوظ حسنة من الثقافات الحديثة عن اختلافها. وهذا صحيح في ظاهره، ولكنه في حقيقة الأمر غير صحيح، فالأزهر منحازا إلى نفسه متمسكا بهذا الانحياز حريصا عليه، والأزهر حين يسلك طريقه التى يسكلها في هذه الأيام لا يشارك في الحياة العلمية أو العملية وإنما ينافس فيها ويريد الاستئثار بها أو ببعض فروعها دون غيره من المعاهد".

ورغم محاولات طه حسين لمكاشفة الأزهر بمشكلاته ومشكلات التعليم فيه إلا أن مكاشفته، جاءت متعجلة، ومتعثرة ببعض التكريس لدور الأزهر باعتباره "مصدر الحياة الروحية للمسلمين"، لكن يبدو أن سلطة الأزهر كانت أكبر من سلطة طه حسين وسلطة هيكل باشا وزير المعارف وقتها، وهو ما نلاحظه فى إشارة طه حسين فى فصل التعليم الأزهرى عن تجاهل الأزهر لخطاباته ومقترحاته" فقد فكر وزير المعارف هيكل باشا وكتب إلى الأزهر يطلب منه البحث في توحيد التعليم الديني والمدني في المرحلة الأولية والثانوية فلم يرد الأزهر أن يسمع له ولا أن يستجيب لدعائه، وقد كان مع ذلك دعاء إلى الحق والخير ومصلحة مصر في الدين والدنيا جميعا!".