رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الدستور" ترصد حوادث مهووسي سباق السيارات في مصر

جريدة الدستور


نقطة بداية وربما نهاية، سيارات تتأهب لإشارة البدء، أفرادًا عقدوا نية خوض هذه التجربة، غير مبالين لمدى خطورتها، أصوات السيارات ترتفع مع الضغط على البنزين بقوة لحظة سماع صافرة الانطلاق، وفي نقطة النهاية سائقون تستقبلهم الجماهير باحتفاء وتصفيق حار، وآخرون لم يصلوا نقطة النهاية ليحظوا بهذا التكريم.. هذه هي قوانين حلبة سباق السيارات في مصر، والتي منها المقنن والرسمي والغير رسمي.

"الدستور" في هذا الملف التقت عدد من الأشخاص الذين يشاركون في رياضة سباق السيارات في مصر، والقائمين ومنظمو الرياضة، وضحايا حلبات السباق الغير رسمية؛ للاستماع إلى تجاربهم في حلبات السباق والحوادث التي تعرضوا لها، معترفين بمدى خطورة الرياضة ولكنهم قبلوا المخاطرة بحياتهم؛ إذ أنهم يرون أن المغامرة والرياضة تستحق، متمنين دعم رياضتهم ورعايتها.

الإدكاوي: فقدت صديقي أمام عيني.. ولم أستطع أن ترك الرياضة
عبد الرحمن الإدكاوي، الشهير بـ بودي الإدكاوي، 24 عامًا، من أكبر المشاركين في السباق الحر، يقول: "السباق الحر له متعته الخاصة أكثر من حلبات السباق المسبقة التنظيم، على الرغم أنني من أشد المعجبين بهذا النوع وأداوم على حضوره.

عن السباق الحر يقول "الإدكاوي": "يقرر الفريق فجأًة إقامة "جرية" في غضون يومين مثلًا، فنبدأ بالتنظيم والاستعداد، وكل منا يدعو فريقه وأصدقائه، وبرأي الأغلبية نتفق على نقطة البداية والنهاية، والتي عادًة ما تكون بين بوابات إسكندرية – القاهرة على الطريق الصحراوي، وعادًة ما يشاركنا في السبق محمد فواز وهو علامة من علامات السبق الحر.


يضيف الإدكاوي، خطورة السباق الحر تفوق بكثير خطورة السبق المنظم؛ مرجعًا أسبابه أن ليس هناك فرق دعم وإنقاذ كما في السباق المنظم، والطريق مفتوح في السباق مع التريلات والسيارات الأخرى، وهذا عادًة ما يشتت السبق، وتقع الحوادث بسبب مثل هذه الأشياء.

يروي الإدكاوي تفاصيل حادثة مروعة حصلت قبل عامين، اتفق هو وعدد كبير من الأصدقاء على "جرية"، واستقل السيارة هو وصديقه "إسلام"، وبدأوا السباق، كان عدد الحاضرين كبيرًا، وعندما اقتربوا إلى نقطة النهاية، اصطدمت بهم مقطورة، فأدت إلى انقلاب السيارة في ترعة على الطريق الزراعي، وعلى إثرها فقد إسلام حياته، وعانى "الإدكاوى" من إصابات شديدة متفرقة في الجسم، وفقد النطق لمدة ثلاثة أشهر.



الجوهري: المجازفة كبيرة ولكنها تستحق
أما عن كبير سباقات الرالي في مصر، ياسر الجوهري، 32 عام، يقول: "هناك أنواع عديدة من سباق السيارات على مستوى العالم، موجود منها 3 أنواع في مصر فقط، وهم الكارتينج، وهي مدرسة السبق على حد وصف الجوهري لهذا النوع، وسباق السرعة والراليات أي سباقات صحراوية، والراليات هي التي تخصص فيها ياسر الجوهري بشكل كبير في الفترة الأخيرة.

يقول الجوهري: "سبق الراليات من أصعب لسباقات على الإطلاق؛ إذ أن السباق يتم تنظيمه في الصحراء، والبيئة وعرة على السيارة حتى وإن تم تجهيزها بالملايين، فإنك تتسابق في طريق ليس ممهدًا ولا معروف هويته أو تضاريسه، والحوادث في الراليات أمر مفروغ منه، ليس هناك رالي بدون حوادث أو انقلاب سيارات".


تابع الجوهري، على الرغم من خبرتي الكبيرة في هذه الرياضة، ومشاركتي فيها منذ عام 2006، إلا إنني تعرضت لحوادث عديدة في سباقات السرعة والراليات، ففي عام 2017 في رالي سهل حشيش، أُقيم السباق على مسافة حوالي 300 كم، وفي منتصف السباق اصطدمنا بصخور لم نرها، وأدى هذا الاصطدام بكسر "الكرونا" أو "كبالن" السيارة، وهي جزء مُعدل في عفشة العربية، وتوقفنا لفترة كبيرة، حتى وصل لنا فريق الدعم لإصلاح العطل في أقصر وقت ممكن، ومع الإصابات الخفيفة التي تعرضنا لها صممنا على إكمال السباق بأعطال السيارة وبإصاباتنا، وكانت مجازفة كبيرة.. ولكنها تستحق.

يذكر "الجوهري" حادث آخر في رالي نهائي الجمهورية بالصحراء الشرقية، موضحًا أنه مع ضيق الوقت لم يكن راضيًا عن تجهيز السيارة، والاستعداد لخوض معركة السبق بشكل جيد، وفي يوم السباق وبعدما قطع الفريق مسافة 30 كم بعمق الصحراء، وجدوا أدخنة كثيرة تتصاعد من الجزء الأمامي للسيارة، وعندما انتبهوا وتوقفوا لفحص السيارة تبينوا حدوث ماس كهربائي في الموتور، معلقًا "كادت السيارة أن تحترق بسبب قفلة في الأسلاك الكهربائية في "الضفيرة"، وهي الجزء المسئول عن توصيل الكهرباء في السيارة، العربية كانت هتولع بسبب القفلة اللي حصلت في الكهرباء، وطبعًا كنا هنموت بس الحمدلله، وتكبدنا خسائر كبيرة حينها".

بحسب القانون رقــم 449 لسنة 1955 بشأن تنظيم حركة السيارات وقواعد المرور، تنص المادة (8): على ألا يجوز إجراء سباق بدون ترخيص من المحافظ أو المدير ويتحمل المرخص له بإجراء السباق ما ينشأ عنه من ضرر له وللغير.

سباق الرالي من أخطر أنواع السبق، بسبب العوامل البيئية القاسية التي يتسابقون فيها، وتصل مسافات السبق إلى مئات الكيلومترات، على مدار أيام، والأهم في سباق الرالي هو الوصول لنقطة النهاية بالفريق الخاص بك، دون وقوع خسائر أو بأقل خسائر ممكنة، بمجرد أن تصل لنقطة النهاية المحددة يعد هذا تحطيمًا لرقم قياسي.

معروف عن حلبات الرالي، وقوع حوادث وإصابات تصل أحيانًا لحد الوفاة؛ بسبب احتمالية انقلاب السيارة في أي وقت، حتى وإن كانت السرعة هادئة؛ ويرجع ذلك إلى البيئة غير الممهدة للسبق، وعند وقوع الحوادث، يتم التواصل مع فرق الإنقاذ عن طريق أجهزة اتصال بالقمر الصناعي، وذلك بتبادل الرسائل النصية بين الفريق المتسابق وفرق الدعم للتأكد من نقطة تواجد المتسابقين حتى يستطيعوا من تقديم الدعم الكامل لهم.


موكا: أصعب تحدي في السباق هو الخسارة أمام الجميع
إسلام موكا، 28 عامًا، من محافظة السويس، يقول أن بدايته في الدخول إلى عالم السباق كانت في عام 2007، في سباق "أوتو كروس"، وحتى الآن لا زال يشارك في فعاليات سباق السيارات التي تُقام في مصر، بيد أن ابتعد فترة الخدمة العسكرية فقط.

"النتائج غير معروفة والعواقب ليست مضمونة"، يقولها "موكا"، موضحًا أن ليس هناك قاعدة أو مؤشر في سباق السيارات عن الشخص الذي سيحقق مراكز متقدمة ويفوز، أو من يخسر السبق؛ فكل ما نقوم به هو التجهيز المسبق للمشاركة في سبق ما، وفحص السيارة واختبارها.

وتابع: "على الرغم من كل هذه الإجراءات المتبعة لضمان صيانة السيارة وفحصها بشكل آمن، إلا أن ليس هناك سبق بدون خسائر، والحوادث أمر لا بد منه في هذه الرياضة، ولا يمكن تجنبها؛ لأنها تحدث على غير إرادتك ورغبتك، وهذا ما حدث معي في سباق "جيم خانة" في شهر رمضان السابق، كان سباقًا مهمًا وفارق في حياتي، حينها بدأت تجهيز العربة قبل المسابقة بشهر، وجددت أجزاء منها كثيرة، فضلًا عن تجربتها يوميًا، والتدريب المسبق استعدادًا لخوض السباق".



يضيف: "لم أغفل عن فحص السيارة، وليس هناك تقصير من قبل المنظمين، ولكن مع بداية السبق، ومع أول منحنى، بدأت أدوس فرامل لكي أُهدئ من سرعة السيارة؛ لآخذ المنحنى بشكل صحيح، إذا بالسيارة لم تتوقف، ومع الضغط الكثير على الفرامل بدأ الزيت يخلص ويسرب، ووجدت مساطر الفرامل ضربت، واصطدمت بالحواجز الجانبية لحلبة السباق، حتى أوقفني فريق الإنقاذ وساعدوني في الخروج من السيارة والسباق، كان هناك احتمالية إن السيارة تتقلب ولكن خبرة السبق والتعامل مع مثل هذه المواقف هي التي تخدمك في هذه اللحظات، والعناية الإلهية ساعدتني من انقلاب لسيارة في هذا الحادث والخروج منه بأقل خسائر".

"هذا لا يعتبر الحادث الأول بالنسبة لي، كل سباق بيكون فيه حوادث وتصادمات وخسائر كبيرة، نحن على علم جيد بها، ولكن حب الرياضة والمغامرة فيها هو ما يطغى علينا، وفي إحدى السباقات التي شاركت فيها، جهزت السيارة وفحصتها، وتمت تجربتها، ولكن في حلبة السباق اصطدمت بالحواجز الجانبية، والعجلة لفت يمين وشمال، وعلى الفور أنقذني فريق الدعم وأوقفني، وعند فحص عجل السيارة وجدوا أن رمان البلي فك وهو المسئول عن إحكام عجل السيارة، وكادت العجلة أن تنفجر أو أن تفك من مكانها والعربية تتقلب، ولكن فريق الإنقاذ تتدخل في الوقت المناسب"، يقولها موكا.


"قاسم" درس هندسة الميكانيكا بسبب جنونه بالسيارات
أما عن أحمد قاسم، 33 عام، مهندس ميكانيكي، يقول: "أول تجربة سبق لي كانت في 2005، وتعرضت لحادث تصادم حينها، ولكنه أرجع ذلك لعدم الخبرة الكافية في مجال التسابق، يقول كانت السيارة على وضعها الطبيعي، لم أقم بتعديل الموتور أو تعديل أجزاء أخرى من السيارة، وقررت خوض التسابق دون أدنى فكرة عنه".

يضيف "قاسم": بعد دقائق من بداية السبق، تعطلت آلات الجر بالسيارة، والفتيس تحطم بشكل كامل، ووجدت نفسي مصطدمًا بصدادات وحواجز الحلبة، حتى فقدت السيطرة على السيارة أو إيقافها، ولقيت نفسي خرجت برة حلبة السباق، وساعدني على التوقف الرمال على جانبي حلبة السبق، ولولا هذه الحواجز والرمال كان زمان العربية اتقلبت بيا".



"ساعدني والدي، وفريق الدعم، والسيارة كانت تعطلت تمامًا، وتم رفعها على كساحات ونقلها إلى مركز الصيانة، وكانت هذه هي ذكرى أول سبق لي، الخبرة لها عامل كبير في السبق ولاسيما سباق السرعة؛ لأن بتصل لقدر من الفهم والوعي عن التوقيت المناسب لزيادة السرعة ومتى تحتاج إلى تهدئة هذه السرعة"، يقول قاسم.

قاسم من شدة تعلقه بهذه الرياضة، فضل أن يدرس هندسة ميكانيكا ويتخصص فيها، حتى يقوم بتجهيز سيارته بنفسه وإصلاحها عند حدوث أي مشكلة أثناء السباق، ويكون واحدًا ضمن فرق الإنقاذ والدعم في السباقات في مصر.

واختتم "قاسم"، بأنه حاصل على جوائز وميداليات كثيرة في رياضة السبق في مصر، معلقًا: "برغم هذه الجوائز إلا أن الإصابات التي تحدث معنا داخل حلبة السباق، تعتبر من أسوأ ما يمكن حدوثه مع متسابق؛ خاصًة لأن هناك الكثير من الجماهير التي تهتف باسمك وأن الخطأ خارج عن سيطرتك وليس لك يد فيه".


سامح عبد القوي، مؤسس إحدى بطولات السباق، يقول إن البطولة التي ينظمها تحرص على تواجد الشباب والمبتدئين، تشجيعًا لهم لممارسة الرياضة بشكل سليم بعيدا عن أي مخاطر لهم أو للآخرين من القيادة الخطرة في الشارع، كما تشجع البطولة التواجد النسائي للمشاركة في السباقات واللاتي تقمن حقا بمنافسات قوية ومشاركات متميزة وسط الرجال.

أوضح كابتن سامح عبد القوي، مؤسس البطولة والمنظم العام بأنه السائقين والمتسابقين في البطولة في غاية الاحترافية، وكذلك الفنيين الذين يقومون على تعديلات السيارات للمتسابقين، ولكن لا ننكر أن هناك معدلات خطورة، ونسعى إلى السيطرة على الحوادث عن طريق التجهيز الجدي لأرض التراك بداية من رسم وتحديد مسار التراك الذي نراعي فيه المخاطر التي قد تنشأ وفقا لردود الأفعال المختلفة من السائقين أو السيارة نفسها.

تابع مؤسس البطولة أن توفير وسائل التأمين المختلفة من طفايات حريق وتأمين حدود التراك والجمهور وغيرها.. والأهم من ذلك أن وجود طاقم من مهندسي الفحص الفني يقومون بفحص سيارات المتسابقين قبل نزولها ومشاركتها في السباق ويتأكدون من سلامة السيارة ومن سلامة حزام الأمان وطفاية الحريق الداخلية وغيرها من وسائل تأمين السائق.. وتمنع السيارات التي تظهر بها مشاكل قد تحدث ضرر للمتسابق أو غيره من المشاركة بالأساس لحين معالجة المشكلة.




الفحص والكشف على السيارة.. أهم القواعد
تم الكشف مؤخرًا عن القواعد العامة المنظمة لسباقات السرعة في مصر في عام 2017، والتي تؤكد أن سباقات السرعة خاصة في رياضة السيارات هي سباقات رياضية تحتاج للتحلي بالأخلاق الحسنة والسلوك الرياضي، مع حرمان أي متسابق أو فرد من الجمهور يتجاوز لفظيًا أو يخرج عن حدود اللياقة، كما يحق للجنة المنظمة للسباق استبعاد أي متسابق بدون إبداء الأسباب.

يحق للمنظمين استبعاد أي سيارة تعرض الجمهور أو المتسابقين للخطورة في سباقات السرعة، وفي حال تعطل السيارة يمكن تغييرها، ويتم استبعاد أي سيارة تحقق خطورة أو يتسرب منها زيوت.



كما يتم منع السيارات المكشوفة من المشاركة في سباقات السرعة في مصر، ويٌعلن عن المشاركين في السباقات قبل بدءها بيومين بحد أدنى، مع الحصول على رخصة قيادة رياضية، ويحق للعشرة الأوائل في السباقات اختيار أرقامهم، فيما يجب على كل المتسابقين الحضور قبل موعد السباق بوقت والتوقيع في كشوف الحضور واستلام الأرقام كما يمنع اشتراك السيارات المكشوفة عدا التي بها سقف معدني هارد توب.

تتراوح قيمة الاشتراك في السباق 600- 2500 جنيه للمتسابق، وهذا السعر يختلف مع الفريق، إذ يتم دفع قيمة اشتراك لكل عضو، يمكن مشاركة اثنين على سيارة واحدة في السباقات الخاصة بالسرعة، ويجب اجتياز السيارة شروط الفحص الفني للسباق كما لا يسمح باجراء تعديلات على السيارات بعد الفحص الفني، أو خروجها من مكان انعقاد التسابق.

كشف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، في تقريره الصادر عام 2018، أن إجمالي عدد حوادث السيارات على الطرق خلال عام 2017، بلغت 11.098 ألف حادث، نتج عن حوادث السيارات لعام 2017 نحو 3747 متوفى، و13.998 ألف مصاب، و1720 مركبة تالفة.

وأوضح التقرير أن السبب الرئيسي لحوادث الطرق هو العنصر البشري بنسبة 78.9%، يليه العنصر الميكانيكي أو الحالة الفنية للمركبات بنسبة 14 %، مضيفا أن العنصر البيئي أو حالة الطرق كانت أقل أسباب الحوادث بنسبة 2%.