رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"زينب".. أول رواية عربية لـ محمد حسين هيكل

جريدة الدستور

دبت روح الصباح وأكلت ماتبقى من أطراف الليل.. وصعدت العجوز فوق سطح المنزل القديم.. لكى توقظ زينب وأختها بعد أن افترشا حصير الفقر.. وتلحفا بلحاف السماء.

اتجهت زينب وأختها إلى غيطان الحاج محمود.. لتجنى مع أترابها محصول القطن.. كعادتها وعادتهم.. فى مثل هذه الأيام من كل عام.. هناك التقاها حامد ابن الحاج محمود..الذى شعر بأن زينب تمتلك خفة ظل كخيوط الشمس الحريرية التى تعانق صقيع شتائه.

كانت عيون كليهما مرسالا للحب.. حتى سمحت لهم الظروف باختلاس النظرات.. من بين العاملات.كان قوام زينب الممشوق وعيناها النجلاوتان تحت قوس رمشيها وسيلة ضغط كبرى لأن ينسى حامد ابنة عمه عزيزة.. التى ربط أهلهما بينهما بعقدة الزواج منذ الصغر.. فلم يعد حامد يتذكر كل هذه الأشياء.. بل واعتبرها هراء وخرافات وانخرط فى حب زينب الفلاحة البسيطة.

كان فرحا فى البلدة وعرف أن زينب ذهبت اليه.. فاندفع إليها مسرعا.. وعلم أنها فوق سطح الدار. فجرى إليها اقترب منها ورسم قبلة بشفاهه الغليظة على خدها الناعم.واستمرحامد عاشقا لـ«زينب» ولكن لأن القلوب دوما كبندول الساعة فى حالة اهتزاز دائم.. رأت زينب أن إبراهيم الشاب الفتى رئيس العمال.. هو أحق بحبها من حامد.. وأن ماكان بينها وبين حامد ليس إلا حب العبد للسيد.

اجهدت زينب من كثرة التفكير وقت العمل.. فوقعت مغشيًا عليها.. ولما استفاقت وجدت نفسها بين يدى إبراهيم.. يبلل وجهها بالماء فتحت عينيها على عينيه.. فامتزجا بشعاع الحب.. ولكنها حبست أنفاسها بداخلها.

فى هذه الأثناء انطلقت شائعة بأن حسن أبو خليل سيتزوج من زينب.. وكانت أم حسن امراة قديمة أصابها الوهن.. وتمنت لو تزوج ابنها النحيل ابن الثامنة عشرة. فى هذه الأونة اشتدت الأشواق وصارت على أوجها بين إبراهيم وزينب.. لكنها أشواق تسجد للصمت.. لم يقطعها إلا كلمات إبراهيم أنى أحبك. تنفس الصبح وزقزقت العصافير.. وتلونت الدنيا بلون البهجة.. وتعطرت بأذكى العطور.. وبين فرحة الحب لإبراهيم وخوف الألم من قدوم حسن عاشت زينب..

وها هو حسن يتقدم لخطبتها تمنت كثيرا أن تتوقف هذه العجلة القادمة لتدوس أنفاسها وأحلامها وتحرمها من إبراهيم.. لكن الحرمان كان هو الشىء الوحيد الذى لا مفر منه ولا مناص.. بعد أن وافق والدها على زواجها من حسن.. وذهب الوكيل إليها فقدمت دموعها.. فاعتبرها الجميع دموع فرح وقال المأذون: (دى دموع باردة دموع فرح يعنى توكلنا على الله).

ذهبت زينب إلى دار حسن أبو خليل فأحست بالغربة.. وكأن خيالات إبراهيم وحدها لاتكفى لتؤنسها فى وحدتها.. بل تريده هو لاخيالاته فالخيال لا هو أمل ولا يأس.. وقد يكون اليأس أحيانا إحدى الراحتين.
ذهبت بالغداء إلى حسن التقاها إبراهيم تحت الشجرة وقبلها.. فعاشت فى عزلتها التى حاول حسن بكل براءة أن يخرجها منها ولم تكن عزلتها أقل من عزلة حامد.. الذى أرسل خطابات عدة لعزيزة لكى ينسى بها زينب لكنه لم يستطع.. حاول الإقتراب من زينب لكنها أبت.. فترك البلدة إلى حيث لم يعلم أحد،
كذلك كانت عزلة إبراهيم الذى يستعد للسفر إلى السودان تابعا للجيش.. والذى قرر أن يودعها فى بيتها مهما كلفه الأمر.. فودعها فى غفلة من حسن.. وترك لها المنديل المحلاوى ورحل، ومابين شحوب وزبول وزهول ظلت زينب أسيرة لمرض السل.. ونامت فى فراش الموت تطلب المنديل المحلاوى تقبله ثم تضعه على قلبها مرات ومرات.. وتتمتم باسم إبراهيم ثم يعلو الصراخ.. إعلانا لوفاة زينب.

تمت