رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وائل خورشيد يكتب: عن البدايات وما بعدها

جريدة الدستور

أعرف أن السخرية من هؤلاء الذين يتحدثون عن جمال البدايات كثيرة ومنتشرة، وأعرف أنه سينالني قسط منها جزاء ما كتبت، ولكن مع ذلك يجب أن لا نسمح لهذا "الإرهاب" أن يمنعنا من الإشارة لبعض جماليات الحياة.

البدايات هي الأجمل.. حقا أحب البدايات، حيث الرغبة في الاكتشاف، البحث في باطن المجهول عن المتعة المنشودة. أن تجد الأشياء التي لا تعرف ما هي، لكن تعرف أن شيئا هناك. ولكن هذا ينتهي، فتبدأ أمور أخرى، قد تسرك، أو تضرك، لكن الأشياء تتغير.

الشغف الذي يصحب النظرة الأولى، التجربة الأولى لطعام ما، الضحكة الأولى، أول مرة تعرف أن من حركت قلبك كانت تحب أن تأكل السيريلاك في العيش الفينو، وهي في الجامعة وليست طفلة. اليوم الذي تلمح نظرة إعجاب منها، أو ضحكة على شيء مغفل أنت قمت به، أو خجلها من مناوشة الكلام الحلو الأولى.

البدايات دوما تأخذنا في رحلة ساحرة، مصحوبة بالكثير من الخيال والتفاؤل، عوض عن تلك الأوقات السيئة التي مرت.

لكل بداية طاقة تظهر معها، أشياء بداخلك كنت تجهل وجودها، فقط كانت تنتظر الحافز لتعلن عن وجودها. هل القادم أجمل؟ تسأل نفسك، وتمرح وتلعب.

ولكن البدايات لا تدوم، دائما تنتهي، ثم يبدأ الواقع في الظهور، حيث تتضح الصورة، ويكتمل البورتريه أمامك بنسبة كبيرة، لم يعد هناك الكثير لتبحث عنه، أو لتتكلما فيه، فقط ما تنسجه الأيام ترتديانه كل يوم، وهنا إما أن يكون الطريق أجمل وأيسر، أو أصعب ولا يمكن تحمله.

هذا البناء المشترك، هو الأساس الذي قد تبنى فوقه البنايات الشاهقة، أو البيوت الصغيرة الضعيفة التي لن تصمد أمام الزلزال الأول.

هناك بيوت بنيت من الطوب اللبن، من طابق واحد، ولكنها صامدة، متينة، لها رائحة مميزة، تصمد أمام كل الزلازل، ولكن ما في الأمر أن أصحاب هذا البناء أحبوه كذلك ليس أكثر، لم يفرضه عليهم الظرف. هم أقرب للأرض، وليس فوقهم سوى السماء، وما بينهما لهما.

لدي أيمان، أنه بجانب الأمور الأساسية التي يحب كل منا أن يراها في الآخر. هناك هذا الشيء الخاص الذي يملكه واحد فقط، مساحة المنحة التي وضعها الله في شخصه فقط، إن عثرت عليها في أحدهم، لا تتركه، فهو بئر لا ينضب، شيء يضمن استمرار رحلة البحث والتنقيب والشغف دوما.

لكل ما سبق أحب البدايات، وأحب طبعا أن تكتمل الحكايات، لكن فقط تلك الصادقة، الجميلة، التي تحمل نبض الحياة.

لا نحب كثيرا النهايات، وهو أمر منطقي، فعرباتها تجر معاني الرحيل، والصبر، وعدم فهم الأسباب، والتشاؤم، وفقدان الأمل، حتى تنتهي تلك المرحلة. ثم تكون بداية جديدة، ولتنتظر لترى ما صنعه القدر لك.