رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الأستاذ» يمنعنى من الكتابة


تزامن قيامى بإجازة من العمل لثلاثة أيام، انقطعت خلالها عن الكتابة أيضاً، مع حوار «الأستاذ» محمد حسنين هيكل للزميلة لميس الحديدى، ضمن حلقات «مصر إلى أين» والتى نحرص على متابعتها مع رجل عرك الحياة وعركته، على مدى تسعين عاماً، هى كل عمره المديد، إن شاء الله.. ولذا فإن ما يخرج عنه من كلمات، هى تعبير عن أفكار ورؤى، صاغتها خبرات السنين التى مضت، تعامل خلالها مع ملوك ورؤساء، وعاصر حكومات، وشهد ثورات، وعاش أحداثاً جساماً، حلت بمصر ووقعت حول العالم.. لذا، فما ينبئك مثل خبير.. وهو هنا، «الأستاذ» هيكل.

قال الأستاذ فى حواره، أننا «نتحدث طول الوقت دون معرفة، وأنا طول الوقت انتقد زملاءنا الصحفيين فى الصحف، وأقول لهم أن الخبر غاب تماماً عن الصحف والرأى غلب، وبما أن الرأى فى غياب الخبر هو غياب لما حدث فعلاً، يكون الاجتهاد به قصور.. اتساع الثقافة أو ضيقها يحدد قيمة الرأى.. تخلينا عن الخبر ليكون منبعاً للرأى، وجعلنا الرأى يستغنى عن الحقيقة الراهنة الموضوعية.. اليوم وأنت تطالعين الصحف الرئيسية، ستجدين بها خمسمائة رأى فى العدد الواحد.. موضوعات إنشائية أكثر منها مواضيع ذات قيمة صحفية، وليس ذلك فحسب، بل إننا الآن قد نكتب أشياءً غريبة بعض الشىء.. لا أرى هذه الأشياء تحدث فى النيويورك تايمز ولا الواشنطن بوست، وهناك كثرة للأعمدة.. وفى غياب الحقيقة يتحدث الجميع، وهذا تشوش كبير»!.. انتهى كلام الأستاذ.

توقفت كثيراً أمام هذا الكلام الموزون بميزان الذهب، والذى يعكس حقيقة بتنا نراها واقعة فى إعلام هذا اليوم، وصحافته بالذات، تلك التى راح فيها الحابل والنابل يسود بيض الصفحات بغث الكلام وأرذله، بدعوى أنه من أصحاب الرأى، على غير هدى، وبغير حقيقة، كلام انطباعى، يضر أكثر ما ينفع، وكأننا فى فرح العمدة، وربما كان لتصفية حسابات أو مجاملات، أو لتجييش انحيازات، حتى امتلأت الصفحات، خاصة بعد ثورة 25 يناير، بمقالات الهواة، بعدما توارى الكبار، احتراماً لأقلامهم وتاريخهم، وهم الذين يعصرون فى كتاباتهم رحيق رحلتهم فى الحياة وخبراتهم فى المهنة ومع الأحداث، فكيف يأتى اليوم لنرى من يكتب، وهو لم يتخط بعد أعتاب أخطائه الإملائية، ما بالنا بعثراته الفكرية؟!.

ظللت حائراً طيلة الأيام الماضية، بين التوقف عن الكتابة أو العودة إليها، فكلاهما أحلاه مُر.. إذ كيف يعيش من امتزجت روحه بعبق الكلمات ورحيق الأحبار وصرير المطابع وهياكل الصفحات لحظة الميلاد، وهو يصنعها قبل أن يطالعها؟.. كيف ينسلخ القلم منسحباً عن مهمته؟.. ألسنا من انتقد البرادعى حينما تخاذل وانسحب، فى لحظة فارقة، ضعفاً منه عن تحمل مسئولية تاريخية يواجهها الوطن، ورهاناً منه على أحلام شخصية بعيدة كل البعد عن مصالح الأمة؟!.

وكان قرار بمعاودة الكتابة، رغم الكآبة، من أولئك المتنطعين الذين يتلونون كالحرباء، أولئك الذين يرتدون كل العباءات فوق بعضها البعض، ينزعون عن أجسامهم بعضاً منها ليظهر البعض الآخر، لأن اللحظة تتطلب هذا «اللوك» الجديد.

اللهم امنحنا القدرة على أن نكون لسان صدق، لا ينطق إلا بالحق، ولا ينحاز إلا للوطن.. ولو كره الكارهون.. آمين.

رئيس تحرير بوابة الجمهورية أونلاين

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.