رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مهنية «بُص أمك»!


وكالة «رويترز» اعترفت بأنها اعتمدت على معلومات «غير دقيقة وقديمة»، فى تقرير نشرته حول قيام الولايات المتحدة بحظر شحن البضائع إليها من مطار القاهرة، و«فرانس ٢٤» استخدمت الاسم الشعبى لـ«الخصيتين» فى عنوان قصة خبرية، وفى عنوان تقرير، طرح الموقع العربى لهيئة الإذاعة البريطانية، BBC، هذا السؤال: هل أصبحت «بُص أمك» أسلوب حياة فى مصر؟!
حدث ذلك فى أسبوع واحد، هو الأسبوع الثالث من يناير ٢٠١٨، وتصادف أن جريدة «جارديان» البريطانية، فى الأسبوع نفسه، أصيبت بحالة «حول»، بصرى أو ذهنى، جعلتها تزعم أن «مصر أعادت بناء ديكتاتوريتها الحاكمة مرة أخرى»، فى تقرير عن مظاهرات شهدتها تونس، بسبب ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الأجور وزيادة أسعار السلع والخدمات!
وقتها، تحديدًَا يوم ٢٣ من ذلك الشهر، كتبنا تحت هذا العنوان: «مهنية بُصْ أمك»، أن النية الحسنة ما عادت تصلح لتفسير إصرار وكالات أنباء وصحف، من المفترض أنها رصينة «وفى قولٍ آخر عريقة»، على الاستعانة بـ«زبالين»، ثبت بدل المرة ألف مرة، أنهم يرسلون لها أى «كلام فارغ» يجدونه على الأرصفة، المصاطب أو المقاهى، وقلنا إن السؤال «العبقرى» الذى طرحته «BBC»، جاء ليؤسس نظرية جديدة فى الإعلام: نظرية «بُص أمك»!
نذكّرك لو كنت نسيت، أن «بص أمك» هى أغنية مصورة أو «فيديو كليب»، كانت دعاية لفيلم اسمه «سلك عريان»، وكان لصاحبة الأغنية من اسم الفيلم نصيب، وفى المقابل حققت الأغنية شهرة عالمية، ولفتت انتباه الـ«BBC»، وحاولت أن تخرج منها بدلالات وأبعاد اقتصادية اجتماعية سياسية، وفى التقرير، الذى طرحت فى عنوانه السؤال السابق ذكره، وجدت مَن يرون أن هذه الظاهرة «فنًا جريئًا» يعبر «عن واقع الحال حولهم».
وجدت «BBC»، أيضًا، مدرس طب نفسى فى جامعة الزقازيق، يزعم أن تلك الأغنية «من تجليات الغضب»، وأن المناخ أصبح مهيأ لهذا النوع من الأغانى، بسبب «تغييرات سياسية كبيرة خلال السنوات الماضية بعد ٣٠ عامًا من حكم مبارك»، وعليه، لم نقل لطبيب «BBC» النفسى: «أدّيك تقول ما أخدش»، أى لم نلفت نظره إلى أن أغنية أحمد عدوية الشهيرة، وغيرها من أغانيه وأغانى غيره الشبيهة، ظهرت قبل أن يحكم مبارك بعشر السنوات على الأقل، وإنما أحلناه إلى عدد من أغنيات عشرينيات القرن الماضى.
قد تكون نسيت تلك الأغنية وما صاحبها من هرى وهبد، وقد تكون نسيت أيضًا أن «BBC»، كانت فى ذلك الوقت تواصل نشر ما زعمت أنها وثائق بريطانية سرية، حصلت عليها حصريًا، ولم تكن المشكلة فى الأوراق، أو الوثائق المزعومة، بفرض صحتها، ولا تتعلق بما جاء فى محضر الجلسة، لو سلّمنا بدقة تسجيله، إنما فى التدليس الذى لا أصل له فى تلك الأوراق، الأمر الذى لا يمكن ردّه إلى التأويل المفرط، أو إلى سوء فى الفهم، وإنما إلى سلامة القوى العقلية لمحرر «BBC»، التى جعلته ينسب أفعالًا إلى الرئيس أنور السادات، زعم أنها حدثت فى أغسطس سنة ١٩٨٢، أى بعد وفاته، بـ١٠ أشهر!
لاحقًا، وقبل نهاية ٢٠١٨، اضطرت مجلة «دير شبيجل»، كبرى وأعرق المجلات الألمانية، إلى الاعتراف بنشر عدد من التقارير المفبركة، ليُضاف قتيل جديد إلى مشرحة لا ينقصها مزيد من القتلى، ولن أحيلك إلى فبركات جوزيف مايتون، مراسل«جارديان» البريطانية السابق بالقاهرة، التى كانت حديث العالم منذ سنتين تقريبًا، أو فبركات ديفيد كيركباتريك، مراسل «نيويورك تايمز»، الذى لا تزال الجريدة الأمريكية تفتح صفحاتها لفبركاته، وسبق أن أشرنا، مرارًا وتكرارًا، فى ضوء معلومات ووثائق، أن عددًا من مراسلى الصحف والوكالات الأجنبية بالقاهرة، وفى غيرها، استغلوا صفتهم «المهنية» فى جمع معلومات لصالح جهات سياسية، أمنية أو مخابراتية، أو بصيغة أوضح، «اشتغلوا مخبرين»، ومشّيها مخبرين.
بهذا الشكل، وتأسيسًا على ما سبق، وعلى وقائع أخرى كثيرة وثابتة، لم يكن طرح «سؤال المهنية» منطقيًا، حين وقعت الآلة الدعائية الإخوانية، فى فخ نصبه عمرو أديب، فى برنامجه على قناة «mbc مصر» بأنه أعلن أنه سيستضيف محمود عبدالفتاح السيسى، بينما كان ضيفه صيدلانيًا اسمه محمود حمدى عبدالفتاح السيسى، مع اثنين شركائه فى سلسلة صيدليات، أشيع أنها مملوكة لقواتنا المسلحة، وظلت الشائعة متداولة حتى بعد أن نفاها المتحدث العسكرى.
لم يكن طرح «سؤال المهنية» منطقيًا أو عقلانيًا أو فى توقيته الصحيح، خاصة من هؤلاء الذى ابتلعوا ألسنتهم، وهم يرون عددًا من وكالات الأنباء والصحف، التى تُوصف بأنها الأكثر رصانة ومصداقية وموضوعية، تتخلى عن رصانتها ومصداقيتها وموضوعيتها وتخلع كل «كل» شىء، حين تتناول حدثًا أو قضية أو شائعة تتعلق بمصر.