رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المستحيل ليس مصريًا..كيف أعاد «فراعنة اليد» كتابة التاريخ فى «مونديال مقدونيا»؟

منتخب شباب اليد
منتخب شباب اليد

فى ملحمة تاريخية وليلة لن ينساها المصريون، سطر الشباب المصرى واحدة من ألمع وأروع الصفحات فى تاريخ الرياضة المصرية والإفريقية، بعدما تمكن منتخب ناشئى اليد من الفوز ببطولة كأس العالم بمقدونيا، أمس الأول، بعد التفوق على ألمانيا فى المباراة النهائية بنتيجة ٣٢ - ٢٨.
وتعد هذه هى المرة الأولى التى يفوز فيها منتخب غير أوروبى بمونديال اليد للناشئين، لتعبر مصر وبقوة عن الحضور القوى لإفريقيا، وتغير نظرة العالم للمواهب داخل القارة السمراء فيما يتعلق بكرة اليد.
ولم تكن المباراة النهائية للبطولة المقامة فى مقدونيا مجرد مواجهة عادية تبارى فيها فريقان متقاربان فى المستوى، بل تسيد المصريون المباراة منذ الدقيقة الأولى حتى نهايتها، لدرجة أن «الماكينات» الألمانية ظل متأخرًا طوال اللقاء بثلاثة أهداف على الأقل، ونجح ناشئو «الفراعنة» فى التقدم بفارق ٦ أهداف لفترات طويلة.
ورغم محاولات الألمان، المعروف عنهم القتالية والقوة البدنية الكبيرة، نجح المصريون فى حرمانهم من تحقيق التقدم ولو لمرة وحيدة، فظهر العجز والاستسلام عليهم، ولأول مرة يرفعون الراية البيضاء ويسلمون مبكرًا، وشهد الجزء الأخير من المباراة تراخيًا وتسليمًا بالواقع من قبلهم، ليردد العالم «المستحيل ليس مصريًا» بعدما كان يردد «المستحيل ليس ألمانيًا».
ورغم ذلك لم يكن المنتخب الألمانى بالند الضعيف، وأظهر لاعبوه مهارات عالية، لكن فاق التركيز المصرى كل الحدود، وصنع العقبات أمام أهم مدرسة كرة يد فى العالم، تلك المدرسة اللى انتهجت العلم ووفرت ميزانيات ضخمة للرياضة وجعلت فى كل شارع ملعبًا لكرة اليد، وتشهد واحد من أقوى دوريات اليد فى العالم، لكن حقيقة الأمر بينت بما لا يدع مجالًا للشك أن الرغبة والإصرار المصرى هما من صنع الإعجاز.
لذا، ستكون هذه المباراة وتلك البطولة بمثابة المحطة الفاصلة التى ستبدل حال كرة اليد فى العالم، وتفتح المجال إلى البلدان التى ينظر إليها الأوروبيون من أعلى، وسيصبح للأفارقة وأولئك القادمون من بعيد فى آسيا وأمريكا الجنوبية المحرومون من إمكانيات أوروبا أن يحلموا بتكرار المجد المصرى.
وظهر ذلك فى مساندة لاعبى المنتخب النيجيرى لمنتخب مصر من المدرجات، فهم لم يشجعوا الفريق المصرى فحسب بل رأوا أنفسهم فى هذا الموقع غدًا، وتيقنوا بأن ما صنعه المصريون الذين يشبهونهم وجاءوا من نفس مكانهم وظروفهم ما هو إلا تمهيد لثورة أبناء القارة السمراء.

بداية قوية أمام السويد إخفاق مؤقت ضد فرنسا وريمونتادا بـ7 انتصارات

كان مشوار الفريق المصرى فى بطولة العالم لناشئى اليد حافلًا ومليئًا باللحظات التى لا تُنسى، بداية من الفوز على السويد «٣٢-٢٩»، ثم الخسارة من فرنسا «٢٤-٢٨»، وبعدها الفوز على تايوان «٣٦-٢٥»، والفوز على كندا «٤٧-٢٠»، وتجاوز المجر بنتيجة «٣١-٢٤» فى ختام دور المجموعات.
وواصل منتخب «الفراعنة» مشواره الناجح فى البطولة بعد ذلك، ونجح فى الفوز على سلوفينيا فى دور الـ١٦ بنتيجة «٣٠-٢٣»، ثم تغلب على أيسلندا بنتيجة «٣٥-٣١» فى دور الثمانية، وحقق فوزًا كبيرًا على البرتغال فى نصف النهائى بنتيجة «٤١-٣٦»، وأخيرًا الفوز على ألمانيا فى المباراة النهائية.
ويعد هذا الإنجاز هو أحد أهم الإنجازات فى تاريخ كرة اليد المصرية، بعد أن شهدت آخر نسخة فى بطولة مونديال الناشئين عام ٢٠١٧ اكتفاء مصر بالمركز الـ ١٤، بينما كانت أفضل المراكز التى حققها منتخب ناشئى اليد فى تاريخ بطولات العالم للناشئين منذ ظهورها للنور عامى «٢٠٠٧-٢٠١١»، عندما حقق المركز الخامس، ليعود «الفراعنة» بقوة فى هذا العام ويسطرون المجد وينالون إشادات العالم.
وتضم قائمة الشرف لمنتخب مصر كلًا من اللاعبين «عبدالرحمن حميد، ومؤمن حسام، ومازن رضا، وإبراهيم السيد، وعمر عطية، ومهاب سعيد، وسيف هانى، وحسن قداح، وزياد عبدالعال، ومحمد سمير، ويوسف علاء الدين، ويوسف أحمد حسن، وعبدالفتاح على، وأحمد هشام السيد، وعمر لطفى، وياسر سيف».

حكاية 3 نجوم احتكروا منصات التتويج العالمى فى أسبوعين

يحمل كل إنجاز كبير مجموعة من التفاصيل التى صنعت الفارق، وفى قصة تتويج المنتخب المصرى بكأس العالم لكرة اليد للناشئين ظهرت تفاصيل لبطولات فردية من نوع خاص، كان أبطالها ٣ مقاتلين لفتوا أنظار العالم، بعد أن اقتنصوا الميدالية البرونزية مع منتخب الشباب قبل أسبوعين، ثم عادوا مجددًا ليحملوا كأس العالم على منصة التتويج مع منتخب الناشئين.
وبمجرد انتهاء معركة مونديال الشباب بإسبانيا، تحول الثلاثى أحمد هشام السيد، لاعب «هليوبوليس»، وحسن وليد، لاعب «الشمس»، وعبدالرحمن حميد، حارس «الأهلى»، إلى مقدونيا للانضمام إلى كتيبة الناشئين دون أن يلتقطوا الأنفاس أو ينالوا قسطًا ولو قصيرًا من الراحة للتأهب للمعركة الجديدة، ولم تكن مشاركتهم عادية أو نمطية بل كان لهم الفضل الأكبر فى مساندة زملائهم ونقل تجربتهم ورفع دوافعهم وحوافزهم، ولعبوا الدور الأكبر داخل الملعب فى تحقيق الفوارق وصناعة المعجزة.
منذ اليوم الأول لهم فى مقدونيا، عمل الثلاثى- دون أن يشعروا- على رفع سقف الطموح، بعد أن اكتسبوا الثقة بالفوز بالبرونزية مع منتخب الشباب، وحرصوا طوال الوقت على الحديث مع زملائهم وزرع الثقة بداخلهم، والتأكيد على قدرتهم فى الوصول إلى منصة التتويج والفوز باللقب.
ونجح الفرعون أحمد هشام، أحد عناصر الجيل الذى توج ببطولة إفريقيا بمراكش ٢٠١٨، فى اقتناص لقب أفضل لاعب ببطولة كأس العالم لناشئى اليد، عقب الأداء الرائع الذى قدمه خلال مشوار المنتخب بالمونديال، ما دفع أكبر الأندية لمتابعته وتقديم عروض مغرية للتعاقد معه، إذ كان حاسمًا وصانعًا للفارق فى أصعب اللحظات.
وأحرز «هشام»، قلب دفاع المنتخب ونادى «هليوبوليس»، الشهير بـ«دودو»، ٤٨ هدفًا فى البطولة من أصل ٧٦ تصويبة، بنسبة نجاح ٦٣٪، حسب إحصائيات موقع الاتحاد الدولى لكرة اليد، وذلك بعد أن أحرز اللاعب المولود فى ١٥ مايو ٢٠٠٠، ٢٦ هدفًا خلال مشواره مع منتخب الشباب بإسبانيا خلال يوليو الماضى، ليصبح بعدها أحد أهم الأعمدة الرئيسية لمنتخب الناشئين، ويحصد جائزة أفضل لاعب فى ٣ مباريات بمونديال مقدونيا أمام كل من السويد والمجر والبرتغال.
أما حسن وليد، لاعب المنتخب الوطنى والشمس، فحصد لقب هداف بطولة العالم للناشئين برصيد ٥١ هدفًا، من أصل ٨١ تصويبة، بنسبة نجاح ٦٣٪، إضافة إلى تتويجه بجائزة أفضل ظهير أيسر فى البطولة، وهو واحد من أصحاب التسديدات الصاروخية، التى أهلته ليكون كبير مدفعجية مصر، مهددًا دفاعات أعتى خصوم الفراعنة.
ورغم صغر سن اللاعب المولود فى ١ مايو ٢٠٠٠، لكن إمكانياته ساعدت فى تصعيده من منتخب الناشئين ٢٠٠٠ إلى منتخب الشباب مواليد ٩٨، الذى حصد برونزية بطولة العالم فى إسبانيا قبل أسابيع قليلة، وحصد إشادات واسعة فى البطولة، بعد أن أحرز ٢٤ هدفًا بمونديال الشباب.
ويعتبر حسن وليد هو صاحب الهدف القاتل لشباب الفراعنة فى مرمى صربيا فى مباراة الدور الــ١٦، والذى صعد بمصر لدور الـ٨ بالمونديال، ويحلم «وليد» بالاحتراف الخارجى، ويفكر حاليًا فى الانتقال لنادى الزمالك، حسب تصريحات سابقة له.
وحصد الفرعون عبدالرحمن حميد، حارس مرمى منتخب مصر والأهلى، جائزة أفضل حارس بالبطولة، بعد أن سجل بصمة فارقة فى تتويج مصر بالكأس، وكان السبب فى حسم أكثر من مباراة خلال مشوار المنتخب.
ويعد «حميد» لاعبًا من الطراز الأسطورى، إذ لعب دورًا حاسمًا فى تحديد وجهة اللقب بالمباراة النهائية مرتين، الأولى عندما عاد الألمان بقوة مطلع الشوط الثانى وكان الفارق حينها ٦ أهداف للفراعنة، ثم قلص الألمان الفارق لـ٣ أهداف، وفى طريقهم لتقريب الفارق وإعادة المباراة لنقطة البداية، إلا أن «حميد» برع فى التصدى بروح قتالية وألقى جسده كالسد المنيع فى طريق المهاجم الألمانى الذى توهم أنه نجح فى التسجيل.
وتسببت تلك اللقطة فى تحويل دفة ومجريات المباراة، وبدلًا من عودة الألمان للقاء وتعقيد الأمور أمام الفراعنة، نجح المنتخب فى الارتداد بالهجمة، ليوسع الفارق إلى ٤ أهداف، ليكسب المباراة بأريحية، بفضل «حميد الأسطورى». ووفقًا لإحصائيات موقع الاتحاد الدولى لكرة اليد، فإن «حميد»، المولود فى ١٥ يناير ٢٠٠٠، نجح فى التصدى لـ٨٧ كرة من أصل ٢٦٠ كرة بنسبة وصلت لـ٣٣ ٪.
العالم يشيد بالإنجاز المصرى: أول فريق غير أوروبى يفوز بالبطولة

أشادت المواقع العالمية بمنتخب مصر لناشئى كرة اليد، وقال موقع الاتحاد الدولى، تحت عنوان «مصر تكتب التاريخ»، إن «الفراعنة» هو أول فريق غير أوروبى وأول فريق إفريقى يفوز ببطولة العالم تحت ١٩ سنة، مضيفًا: «فى ليلة تاريخية بسكوبى (عاصمة مقدونيا) توّج الفراعنة بأول ميدالية ذهبية لهم فى تاريخ بطولات العالم للناشئين، بعد مباراة مثيرة مع ألمانيا».
وأوضح أن مصر أظهرت قوة كبيرة فى المباراة، خاصة فى شوطها الأول، متابعًا: «فى الشوط الثانى كانت الفرصة سانحة أمام منتخب ألمانيا للتقدم، إلا أن حارس الفراعنة الواعد عبدالرحمن حميد كان له رأى آخر».
وأضاف: «حميد سرق الأضواء خاصة فى الربع الأخير من المباراة، وفتح الطريق أمام مصر للبقاء فى المقدمة حتى صافرة النهاية، ليقودهم إلى لقب المونديال».
كما أشاد موقع الاتحاد الدولى بالثنائى المصرى حسن وليد وأحمد هشام السيد «دودو»، اللذين تألقا طوال مباريات البطولة، خاصة أمام ألمانيا، ليكونا على رأس قائمة هدافى المونديال.
من جهته، ذكر موقع «هاند بول بلانت»، المعنى بأخبار كرة اليد فى العالم، تحت عنوان «الفراعنة الصغار على قمة العالم»، أن مصر كتبت فصلًا جديدًا فى تاريخ كرة اليد، لتكون أول فريق غير أوروبى يحصد بطولة العالم للناشئين.
وأضاف: «لأول مرة يقهر منتخب إفريقى قوة منتخبات أوروبا، وليس هذا الإنجاز الأول للفراعنة هذا العام، فسبقهم منتخب الشباب الذى توّج ببرونزية بطولة العالم تحت ٢١ سنة.. يا له من صيف مدهش لكرة اليد المصرية».


هشام نصر: 137 ألف جنيه لكل لاعب مكافأة التتويج التاريخى

قال الدكتور حسن مصطفى، رئيس الاتحاد الدولى لكرة اليد، إن منتخب مصر حقق إنجازًا كبيرًا بالتفوق على الماكينات الألمانية، التى تمتلك مليون لاعب يمارس كرة اليد، وقاعدة كبيرة وميزانية أكبر.
وأضاف «مصطفى»: «لاعبو منتخب الناشئين شرفونا فى بطولة العالم، ويبقى الهدف الأهم الذى يجب أن يسعى له الجميع، هو تحقيق إنجاز ببطولة العالم للكبار لليد، التى تنظمها مصر عام ٢٠٢١».
وقال هشام نصر، رئيس الاتحاد المصرى لكرة اليد: «إن أبطال مصر شرفونا وحققوا إنجازًا كبيرًا، وفقًا لخطة طويلة المدى، هناك أسس كبيرة للنجاح وضعناها نصب أعيننا، كنا نعمل وفق خطة، واخترنا الأجهزة الفنية والإدارة بعناية، حتى اختيار قوائم اللاعبين التى تصلح لتكوين المنتخب لم تكن عشوائية، وأخلصنا النية لتحقيق إنجاز من أجل إسعاد الشعب المصرى».
وعن مكافآت اللاعبين، كشف «نصر» عن أن الاتحاد سيصرفها للاعبين بعد التتويج ببطولة العالم وتبلغ ١٥٠٠ دولار لكل لاعب (نحو ٢٥ ألف جنيه)، مشيرًا إلى أن الاتحاد ليس لديه لائحة مالية خاصة ببطولات العالم نظرًا لقلة الموارد المادية، وعدم وجود راعٍ، لكنه ينتظر مكافآت وزارة الشباب والرياضة، التى تصل لـ١١٢ ألف جنيه لكل لاعب.
وأكدت وزارة الشباب الرياضة أنها لن تتأخر عن دعم أى أبطال رياضيين يحققون الإنجازات ويرفعون علم مصر فى المحافل الدولية، منوهة إلى أن قيمة مكافآت أبطال العالم لكرة اليد تبلغ ١١٢ ألفًا و٥٠٠ جنيه لكل لاعب، فيما سيتم صرف مكافآت لمنتخب الشباب المتوج بالبرونزية فى مونديال إسبانيا بقيمة ٥٩ ألف جنيه لكل فرد بالفريق.

مدربو الأبطال: تدربوا بالتزامن مع امتحاناتهم فى الثانوية العامة

هنأ حسين زكى، المدرب العام لمنتخب ناشئى اليد، الرئيس عبدالفتاح السيسى والشعب المصرى بالفوز، مؤكدًا أن اللاعبين والجهاز الفنى حلموا باقتناص الكأس منذ انطلاق البطولة.
وقال «زكى»: «لا نصدق حتى الآن أننا نجحنا فى اقتناص الكأس. اللاعبون أثبتوا أنهم رجال يعتمد عليهم، فرغم ارتباطهم بامتحانات الثانوية العامة أظهروا التزامًا كبيرًا خلال فترة الاستعداد للبطولة التى امتدت لـ٦ أشهر». وأضاف: «استطاع اللاعبون التغلب على الإرهاق وحققوا حلمهم وحلم مصر، والجميع بذل مجهودًا جبارًا خلال الفترة الماضية، ومصر تستحق هذه الفرحة».
من جهته، قال حمادة الروبى، مدرب حراس مرمى منتخب مصر لناشئى اليد: «حرصنا على أن نحقق التكامل بين كل عناصر الفريق، ونحمد الله على هذا النصر، وهذا أقل ما نقدمه للشعب المصرى»، مضيفًا: «الحارس عبدالرحمن حميد مميز وله مستقبل واعد، واستحق جائزة أفضل حارس فى البطولة».