رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالوهاب داود يكتب: التاريخ الأسود لـ«هيومن رايتس ».. رأس أفعى التضليل


قالت لى زميلة صحفية كانت فى زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إنه فى بداية الرحلة جمعتها جلسة عمل بفريق منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التى لم يكن لها تمثيل فى القاهرة وقتها، ورغم ذلك شهدت الجلسة تسليمها نسخة من التقرير السنوى الذى أعدته المنظمة عن حقوق الإنسان فى مصر ٢٠١٩، ونظرًا لحجم التقرير الكبير.

كان من الطبيعى أن تسأل «كيف وصلتكم المعلومات الواردة فى التقرير؟ وكيف استوثقتم من صدقها رغم عدم وجودكم فى مصر؟».

كانت المفاجأة فى إجابة مسئولة المنظمة، التى تذكر تقاريرها أنها تلقت فى عام ٢٠٠٨ وحده تمويلًا بقيمة ٤٤ مليون دولار أمريكى، والتى قالت بمنتهى الأريحية إنهم أحيانًا ما يعتمدون فى عملهم على ما يردهم من اتصالات هاتفية، وأحيانًا عبر وسائل التواصل الاجتماعى، من خلال ما يتم رصده من تغريدات وقصص على «تويتر وفيسبوك» وغيرهما من المواقع، إلى جانب ما تنشره الصحف ووكالات الأنباء من أخبار وتقارير، وهنا انفعلت صديقتى وهى ترد عليها: «وهل يكفى اتصال هاتفى من مجهول كمصدر لعمل منظمة تدعى الدقة؟ وكيف تتأكدون من صفة المتصل، أو صدق ما يرويه؟ هل تكفى كلمات مرسلة على صفحات يعلم الجميع أن منها المجهول، والمدفوع، ومنها من يعمل على ترويج الشائعات والأكاذيب، كمادة لتقرير يتم توزيعه على وسائل الإعلام دون توثيق، أو التأكد مما يتضمنه من اتهامات وأكاذيب؟».. توترت مسئولة المنظمة، وانفعلت، وقالت إنها ليست هى من أعدت التقرير، ولا مسئولية تقع عليها، مضيفة أن هناك فريقًا بحثيًا مسئولًا عن الملف المصرى، وهو من قام بإعداد التقرير، لكنهم غير موجودين لكى يردوا على أسئلتها.

هكذا كان لا بد أن تنتهى المقابلة، فلا مجال لحديث، أو استفسار، ولا إمكانية لحوار مع بشر يعترفون، بوقاحة لا مثيل لها، بأن تلك هى طريقة عملهم، ولا مجال أيضًا لتصديق ما يبثون من أكاذيب، ولا مجال لبحث عن فريق إعداد التقرير الذى لم يغادر الولايات المتحدة، ولم يكلف واحد من أعضائه نفسه مشقة توثيق ما يصله من ادعاءات وأوهام عابرة للمحيطات.

ولتعرف ما هى منظمة «هيومن رايتس ووتش» عليك بذل الكثير من الجهد فى البحث والاستقصاء والتدقيق، بل وعدم الاطمئنان إلى كل ما تجده على شبكة الإنترنت من معلومات عن هذه المنظمة على وجه التحديد، خصوصًا أن المعلومات المتوفرة ليست كلها دقيقة، وليست كلها صحيحة، ولكنها مع بعض التركيز والدأب تقود إلى بعضها البعض، لمن يملك الرغبة والصبر، فهى حسب صفحتها منظمة دولية غير حكومية معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والدعوة لها، مقرها مدينة نيويورك. تأسست فى سنة ١٩٧٨ باسم «هلسنكى ووتش»، لمراقبة امتثال الاتحاد السوفيتى لاتفاقية هلسنكى، من خلال مراقبة تصرفات الحكومة وتتبعها عبر وسائل الإعلام، بعدها تم تأسيس فروع أخرى كمنظمة «آسيا ووتش» عام ١٩٨٥، و«إفريقيا ووتش» عام ١٩٨٨، ثم «الشرق الأوسط ووتش» عام ١٩٨٩، ثم تم دمجها جميعا فى ما يعرف اليوم باسم «هيومن رايتس ووتش» التى تضم أكثر من ١٨٠ شخصًا حول العالم، تقول إنهم محامون وصحفيون وأساتذة جامعات، من مختلف الجنسيات، ويقيمون علاقات مع جماعات حقوق الإنسان، بينما تقول الوقائع الملموسة على الأرض إنهم فى الغالب غير ذلك تمامًا.

والثابت أن المنظمة التى تدعى أنها «غير ربحية وغير حكومية» بدأت عملها بالاعتماد على منح وتمويلات ضخمة من شركة العقارات «هيلمان هاميت» المملوكة للكاتبة المسرحية، يهودية الأصل، ليليان هيلمان، وعشيقها الروائى داشييل هاميت، وما لا يعرفه الكثيرون هو أن ليليان فلورنس هيلمان ولدت فى نيو أورليانز، بولاية لويزيانا سنة ١٩٠٥، لعائلة يهودية، وكان والدها ماكس هيلمان، بائع أحذية فى نيو أورلينز، وجدها لأمها تاجر خمور فى ديموبوليس، وفى ديسمبر ١٩٢٥ تزوجت من آرثر كوبر، الكاتب المسرحى والصحفى، على الرغم من أنهما كانا يعيشان فى غالب الأحيان بعيدا عن بعضهما البعض، وفى عام ١٩٢٩، سافرت إلى أوروبا واستقرت فى بون لمواصلة تعليمها، حيث شعرت بانجذاب لمجموعة طلابية نازية، رغم يهوديتها وعلاقاتها باليهود، وهو ما أثار علامات استفهام كثيرة حول حقيقة انضمامها لهذه المجموعة، وأسبابها، خصوصًا بعد استجواب جميع أفراد المجموعة باتهامات العداء للسامية بعد عودتها للولايات المتحدة، حيث كتبت: «للمرة الأولى فى حياتى أنتبه إلى كونى يهودية»!!.

علامات التعجب من عندى طبعًا، وربما كان التعليق الوحيد المناسب على هذه العبارة هو «لا والنبى؟!.. أول مرة تاخدى بالك فعلًا؟! وبعد التحقيق مع كافة أفراد المجموعة؟!».

ليليان عملت فى مسارح برودواى ككاتبة مسرحية وكاتبة سيناريو، وكانت معروفة بميولها اليسارية، ونشاطها السياسى، وقيل إنها كانت تنتمى إلى الحزب الشيوعى، رغم إنكارها، وتم إدراجها فى القائمة السوداء بعد مثولها أمام لجنة مجلس النواب «الكونجرس» للأنشطة غير الأمريكية فى ذروة الحملات المعادية للشيوعية فيما بين ١٩٤٧، و١٩٥٢، لكنها رفضت الإجابة عن أسئلة اللجنة، فتم وضعها على القائمة السوداء، مما أدى إلى انخفاض دخلها من المسرح والسينما.

ارتبطت هيلمان بعلاقة عاطفية مع الكاتب والناشط السياسى داشيل هاميت، مؤلف روايات الجريمة الكلاسيكية، وأدرجا معا فى القائمة السوداء لمدة ١٠ سنوات حتى وفاته فى عام ١٩٦١، ولم يتزوجا مطلقًا.

الطريف بقى إن الست هيلمان «اليهودية الشيوعية النازية» رفعت دعوى تشهير ضد مارى مكارثى عام ١٩٧٩، بسبب ما قالته فى برنامج تليفزيونى حول حقيقة علاقتها بالحزب الشيوعى، وكونها ستالينية، حيث أكدت مكارثى أن «كل كلمة كتبتها ليليان هى كذبة، بما فى ذلك حروف العطف و.. و.. و..»، وتم بالفعل التحرى من مكتب التحقيقات الفيدرالية حول مدى دقة ما كتبته هيلمان فى مذكراتها، ووجد المحققون الكثير من الأخطاء والأكاذيب، حتى إن مارثا جيلهورن، زوجة الكاتب الأمريكى الشهير أرنست هيمنجواى الثالثة، وإحدى أبرز مراسلى الحرب فى القرن العشرين، أكدت أن ذكريات ليليان هيلمان عن هيمنجواى، والحرب الإسبانية كاذبة وغير صحيحة على الإطلاق.

كل هذا التاريخ من الكذب والتلفيق، لأكبر داعمى تأسيس المنظمة، وتمويلها فيما بعد، لن تعثر عليه بسهولة، لأنه باختصار عبارة عن جملة هنا، وفقرة هناك، حتى إن صفحة «ويكيبيديا» الخاصة بهيومن رايتس ووتش، تشير إلى ممولتها الرئيسية كرجل لا امرأة، وتقول عنها: «الكاتب المسرحى ليليان هيلمان»، إذ يبدو أن جهودًا كبيرة قد بذلت لحذف كل ما يتعلق بتاريخها المشوه من معلومات، أو تشتيتها على شبكة الإنترنت، أو لمحوها من الصفحات التى تتحدث عن تاريخ المنظمة، أو أسلوب عملها، أو تركيبتها وطرق تمويلها، وهو بالتأكيد لا يخرج عن كونه محاولات بائسة لطمس التاريخ الأسود للمنظمة، وداعميها الأوائل، وهو ما يفسر ذلك القدر من الاستسهال فيما تبثه المنظمة من تقارير، وسهولة وصولها إلى وسائل الإعلام الغربية «المملوكة فى الأغلب ليهود يحترفون التأثير فى السياسات الخارجية لدولهم»، كما يفسر السخاء فى الإنفاق الذى يتسم به عمل «منظمة رأس الأفعى» النيويوركية، والتى تحصل على الجزء الأكبر من تمويلها من أموال كاتبة مغمورة، لم تترك أثرًا يذكر فى تاريخ «برودواى»، أو السينما الأوسع انتشارًا فى العالم، فالمؤكد أن صلاتها بمنتجى هوليوود «اليهود» لعبت دورًا فى دعمها، وفرضها على استوديوهات الإنتاج، لكى تتمكن فى النهاية من تأسيس شركة العقارات، المصدر الرئيسى لتمويل «هيومن رايتس» التى تمنح سنويًا الكثير من الجوائز لمن تريد أن تصورهم على أنهم ناشطون ومدافعون عن حقوق الإنسان فى جميع أنحاء العالم، سواء من كتاب أو صحفيين، أو سياسيين، يعملون فى الأغلب وفق أجندات يتم تحديدها بعيدًا عن بلدانهم، ومصالحها، بل وبعيدًا عن نيويورك، المقر الرئيسى لمنظمة رأس الأفعى التى يستمرون فى العمل معها.

أما عن وقائع التحيز، وفقدان المصداقية، وحقيقة العمل وفق أجندات معدة مسبقًا، فلا أظن بعد هذه المعلومات الأساسية، أن هناك ضرورة لسردها، أو الحديث عنها، وهى كثيرة جدًا، ومفضوحة جدًا، ومثيرة للاشمئزاز جدًا جدًا جدًا.. لكن المريب أن يكون هناك من يصدق هذه الأكاذيب، وينساق خلفها كالأعمى، دون أن يحاول البحث والتقصى، أو قراءة «السطور بدقة وتركيز»، فهنا لا تحتاج إلى قراءة ما بين السطور للبحث عن مكامن الخلل، أو مناطق الكذب، تكفى السطور ذاتها، لتكتشف تهافت كل ما تدعيه هذه المنظمة من أكاذيب، وما تبثه من شائعات، ومعلومات مضللة غير موثقة، ولا ظل لها على أرض الواقع.