رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«بخط اليد».. أطباء مستشفيات حكومية يتورطون في بيع تقارير طبية مزيفة (تحقيق)

جريدة الدستور

وفاه رضيع «أحمد».. وتقرير طبي مزيف يُعطي البراءة لإهمال الطبيبة

تقرير طبي مزيف يحبس والدة «نرمين».. والتهمة «مُلفقة»

بـ250 جنيهًا.. «محررا الدستور» يتعاقدان لشراء تقارير طبية

إحصاء صادم لوزارة الصحة: «100 ألف تقرير طبي مزيف سنويًا في مصر»

اعترافات خاصة للجناه.. «سمر» تزور تقرير طبي للانتقام من جارتها

«نقابة الأطباء» تعترف: «الأزمة أن التقارير الطبية تسلم لموظفين صغار بالمستشفيات»

ضوابط التقرير الطبي وعقوبة تزييفه تصل إلى الأشغال الشاقة


لحظات عصيبة مرت على «أحمد عبدالعظيم»، 37 عامًا، بعدما أغلقت ممرضة مستشفى سوهاج العام باب غرفة العمليات على زوجته «آمال محمود» 30 عامًا بالداخل، التي أصيبت بآلام الولادة فجر يوم 3 يونيو الماضي، وقام بنقلها سريعًا إلى أقرب مستشفى حكومي.

7 ساعات متواصلة حاولت خلالهم طبيبة المستشفى استخراج الجنين دون جدوى، حتى لجأت إلى إجراء عملية توسيع فتحة المهبل للسيدة، فخرج الطفل يعاني من نقص في الأوكسجين.

لم يكن الأوكسجين متوفرًا في مستشفى قنا العام، فقامت الطبيبة بنقله إلى مستشفى أسيوط الجامعي في سيارتها الخاصة، ووضعته داخل حضانة وتم توصيل أنبوبة حنجرية له، إلا أنه بعد دقائق قليلة أصيب باختناق توفى على إثره.

طبيبة مستشفى سوهاج، وضعت له الأنبوب الحنجري دون توصيل الأوكسجين ما أدى إلى وفاته، بحسب اعترافتها أمام النيابة العامة (حصلنا على نسخة منها)، إلا أنها غيرت أقوالها، بعدما استخرجت تقرير طبي مزيف، يقول أن الزوجة أخذت حقنة من إحدى سيدات القرية، قبل إجراء عملية الولادة هي من أدت إلى وفاه الجنين.

«أحمد» هو ضحية ضمن كثيرون، ضاعت حقوقهم أو وجدوا أنفسهم مدانون في قضايا لا يعلمون عنها شيء؛ بسبب تورط أطباء وممرضون مستشفيات حكومية، في بيع تقارير طبية مزيفة لمن يريد، يستخدمها متورطون في قضايا جنائية كأدلة للوصول إلى البراءة زورًا وتلفيق الإتهامات لآخرون.

«معدا التحقيق» استطاعا استخراج تقارير طبية مختومة رسميًا من مستشفيات حكومية متفرقة، دون أن يوقع الأطباء الكشف الطبي القانوني على أصحاب تلك التقارير، لكونهم يقومون بالمتجارة فيها عبر بيعها مقابل مبالغ مالية، وترك خانة التشخيص فارغة يملأها المشتري حسبما يريد من الإصابات المزيفة، في غياب رقابة وزارة الصحة.

وفاه رضيع «أحمد».. وتقرير طبي مزيف يُعطي البراءة لإهمال الطبيبة

«أحمد» حرر محضر رقم 4325 إداري طما 2018، ضد المستشفى والطبيبة بشخصها (حصلنا على نسخة منه)، تحول إلى النيابة العامة، اعترفت فيه الطبيبة بأنها نقلت الطفل وهو في حالة اختناق داخل سيارتها الخاصة، ووضعت له الأنبوب الحنجري دون توصيل الأوكسجين.

قضيته نظرتها محكمة طما في سوهاج، وفي إحدى الجلسات تفاجأ الزوج بالنيابة العامة تواجهه بتقرير طبي مختوم من مستشفى أسيوط الجامعي يفيد بأن زوجته تناولت حقنة عضل على يد «داية» في المنزل قبل الذهاب إلى المستشفى، ما أدى إلى وفاه الطفل، والذي خرج متوفيًا من أحشاء أمه وكانت الطبيبة تحاول إسعافه.

يقول: «التقرير لا يمت للواقع بصلة، لاسيما أن تناقض مع أقوال الطبيبة في النيابة العامة والتي أكدت فيها أن الأم جاءت في حالة جيدة، وكشفت عليها بالسونار وقامت بفحوصات طبية وتحاليل دم لم تثبت فيها أنها تناولت شيء قبل العملية».




إزاء ذلك التقرير الذي وصفه بالمزيف، حرر بلاغ آخر لمكافحة الفساد رقمه 571/1، اتهم فيه الطبيبة بتزييف ذلك التقرير الطبي، وتتابعت جلسات القضية في المحكمة حتى حفظت برقم 193 لسنة 2018 وصدر حكم ببراءة الطبيبة استنادًا على التقرير الطبي.

يقول أحمد: «توفى ابني بسبب إهمال الطبيب، وكادت أن تلحق به زوجتي، ورغم ذلك حكمت المحكمة ببرائتها بسبب التقرير الطبي المزيف، الذي تناقض مع أقوالها، بعدما أدعت أنها قالتها تحت تهديد وضغط».


بـ250 جنيهًا.. «محررا الدستور» يتعاقدان لشراء تقارير طبية

اختار «معدا التحقيق» ثلاث مستشفيات حكومية في مناطق مختلفة، لإثبات تجارتها في التقارير الطبية، واستطاعا عقد إتفاقيات مع أطباء وممرضون لشراء تقارير طبية مختومة رسميًا من المستشفى وملأ خانة التشخيص بأنفسهم مقابل مبالغ مالية، إلا إنهما توقفا عند حد عقد الإتفاق المسجل فقط، حتى لا يتورطا قانوينًا في أعمال مخالفة.

الوجهة الأولى كانت مستشفى حلوان العام، حيث أدعت «محرر الدستور» أنها سيدة متزوجة ولديها ابنًا في المرحلة الابتدائية تغيب عن امتحانات نهاية العام الدراسي، وتريد استخراج تقرير طبي يثبت أنه كان مُصابًا بكسر في قدمه، حتى يحق له إعادة إمتحان تلك المادة في دور سبتمبر.

«التقرير هيطلع كدة شمال»، بداية حديث ممرض بالمستشفى يدعى «كرم.خ» مع محررة «الدستور»، والذي فسر حديثه بأن الأمر لن يكلفها إحضار ابنها إلى المستشفى أو توقيع الكشف الطبي عليه لاستخراج التقرير.

يؤكد في «كرم» أنها ليست المرة الأولى له، فيقوم بالإتفاق مع أطباء المستشفى ببيع التقارير الطبية لمن يريد وتحمل ختم المستشفى عليها، مضيفًا: «هتاخدي التقرير فاضي ومختوم، وتكتبيه في خانة التشخيص اللي إنتي محتاجة سواء إصابة أو كسر أو ضربة سكينة أو رصاصة».

يبلغ سعر التقرير الطبي الواحد 250 جنيهًا، فهي أوراق تسلمها وزارة الصحة إلى أطباء المستشفى المكلفون بالكشوفات الطبية في كل التخصصات، وهم من يقومون بختمها، إلا أن يحصل على جزء منها يبيعه لمن يريد بحسب حديثه المسجل.

الأمر نفسه تكرر في مستشفى الحسين الجامعي، إذ دلنا أمن المستشفى على أحد الممرضين بالداخل والذي يقوم ببيع تلك التقارير الطبية ملحق بها الختم الرسمي الخاص بالمستشفي بالإتفاق مع أطباء بالداخل.

يقول: «سهل ومش أول مرة نعملها، دي ورقة بنحط عليها ختم المستشفى وإمضاء الطبيب، ونسيب خانة التشخيص للزبون يكتب فيها أي حاجة هو عايزها، حتى لو كتب انتحار هتعدي وهتتصدق بسبب الختم».


تقرير طبي مزيف يحبس والدة «نرمين».. والتهمة «مُلفقة»

ليس «أحمد» وحده ضحية التقارير الطبية المزيفة، فـ«نرمين» 25 عامًا، من منطقة عين شمس، تفاجئت بمُحضر يطرق باب منزلها ويطالبها بحضور والدتها التي تعاني من مرض ارتفاع ضغط الدم والقلب إلى مقر النيابة، بتهمة الاعتداء على سيدة وإصابتها بعاهة مستديمة.

النيابة العامة واجهت السيدة المُسنة بتقارير طبية يؤكد أنه اعتدت على زوجة شقيق زوجها وأصابتها بتجمعات دموية في الرحم أثرت على جنينها وتم حجزها في المستشفي لإجهاضها.

نفت «نرمين» أن تكون أمها فعلت ذلك وأن الأمر لم يخرج عن مشادة كلامية نسائية داخل العائلة، ولم يعتد أحد بالضرب على زوجة الشقيق، لكن نفيها لم يلق صداه أمام التقارير الطبية، فتحولت القضية من النيابة إلى محكمة القاهرة.

المحكمة أصدرت حكمًا بحبس الأم شهر وغرامة مالية 200 جنيهًا، رغم طعن النيابة على الحكم وتوصلها إلى أن التقرير الطبي مزيف، قامت زوجة الشقيق بشراؤه من أحد المستشفيات الحكومية مقابل مبلغ مالي لأحد العاملين بها.

ما يدل على تزييف التقرير الطبي بحسب الفتاه، فإن ابنة عمها وضعت حملها فى وقتها وكانت بصحة جيدة، رغم أن التقرير أكد وضع الجنين سيء فى الرحم ولا بد من إجهاضه.

تقول نرمين: «بعد توصل النيابة العامة لتزييف التقرير، حصلت أمي على البراءة من محكمة الإستئناف إلا أننا عشنا شهورًا طويلة في قلق على أمي التي كانت ستسجن في قضية ليست لها علاقة بها بسبب تقرير طبي مزيف».

إحصاء صادم لوزارة الصحة: «100 ألف تقرير طبي مزيف سنويًا في مصر»

تقدر وزارة الصحة أعداد التقارير الطبية المزيفة التي تصدر في مصر سنويًا بأكثر من 750 ألف تقرير، يستخدم لتبرئة متهمين في قضايا الجنح والجنايات، والهروب من أحكام العدالة، وتلفيق التهم لآخرون أبرياء، بحسب بيان لها صدر في ديسمبر عام 2016.

بينما تقدر دراسة صدرت عن مركز الجبهة للدراسات الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومية) يناير 2017، أعدد التقارير الطبية المزورة التي تصدر في مصر سنويًا بأكثر 100 ألف تقرير طبي مزيف.

الدراسة وصفت التقارير الطبية المزورة بالتجارة الرائجة، التي يتم استغلالها في تلفيق الاتهامات الباطلة، والضغوط على الأبرياء وإقامة الدعاوى الكيدية، وكذلك استخدامها في عمليات الاختلاس والابتزاز.

وتنقل الدراسة عن المستشار محمود القاضي، رئيس محكمة جنايات المنيا قوله: «يتعين على النيابة العامة عند التعامل مع محضر مرفق به تقرير طبي مزور القيام بمعاينة المجني عليه وجهًا لوجه، لأن هناك العديد من الحالات يتم فيها عرض الجاني ولا يتم عرض المجني عليه على وكيل النيابة».

ويضيف: «عندما يطعن الجاني في التقرير يتم عرض المجني عليه على الطب الشرعي خلال فترة لا تقل عن خمسة شهور، وهي كافية لتماثل الحالة الصحية للمجني عليه للشفاء، وتكون الإصابات قد اختفت، وفي تلك الحالة لا يتسنى للطب الشرعي معرفة الحقيقية، ويتم إدانة الجاني حتى لو كان بريئًا».

القاضي، يؤكد أنه في حال اكتشاف تزييف التقرير، يتم مخاطبة الطب الشرعي الذي يتولى إثبات الواقعة من عدمه، وذلك بعد توقيع الكشف الطبي على الصادر بحقه التقرير، وإذا ثبت بالفعل تورط الطبيب المختص يتم معاقبته.

 

اعترافات خاصة للجناه.. «سمر» تزور تقرير طبي للانتقام من جارتها

«الأمر سهلًا» على لسان الجناه تلك المرة وليس المجني عليهم. «سمر محمد» 40 عامًا، سيدة تقطن في محافظة الدقهلية، استطاعت استخراج تقرير طبي مزيف  من مستشفى أجا العام؛ لتخليص نجلها من أحد التهم التي وجهت إليه.

بالتعاون مع أحد العاملين بالمستشفى استطاعت الحصول على تقرير طبي يؤكد أنها تعاني من إلتهابات شديدة في قاع العين، وارتجاج في المخ، وجرح بمقدمة الرأس استلزم 4 غرز، وتحتاج علاج لمدة 21 يومًا.

حصلت على التقرير في نفس اليوم، ولم يستلزم الأمر سوى ساعات ومبلغ مالي بسيط، ومكثت تلك الليلة في المستشفى، تحسبًا لأن ترسل النيابة أحد رجالها للتأكد من احتجازها بالمستشفى كما هو مكتوب بالتقرير.

تقول «سمر»: «لجأت إلى تلك الطريقة غير المشروعة، بعدما اتهمت سيدة من قريتنا ابني بالتحرش بابنتها، ولم توافق التنازل على المحضر وطالبتنا بمبلغ 20 ألف جنيهًا، حتى تقوم بالتنازل، ولم يكن بإرادتي تدبير هذا الملبغ خاصة أن زوجي متوفي وأن لا أعمل».

تضيف: «اقترح عليّ أحد الأقارب أن أقوم بتحرير محضر ضد هذة السيدة، وأثبت أصابتى بجروح تستلزم العلاج لمدة أكثر من 21 يوم حتى يكون محضري أمام المحضر الذي حررته ضد ابني فتضطر إلى التنازل عنه».

لم يمضِ سوى شهر واحد وتنازلت هذه السيدة عن القضية التي رفعتها ضد ابني، عندما تم استدعائها من النيابة بناءً عن التقرير الذي أرفقته بالمحضر، وبالمقابل تنازلت أيضا عن قضيتي.



ضوابط التقرير الطبي وعقوبة تزييفه تصل إلى الأشغال الشاقة
يحكم استصدار تقرير طبي من مستشفى حكومي، القرار الوزاري رقم 781 لعام 2001، والذي وضع شروط له بألا يتم إلا بناء على طلب النيابة أو الشرطة، ولا بد أن يكون ممهورًا بتوقيع الطبيب باسم واضح، مع الالتزام بضرورة توقيع الكشف الطبى بمعرفة الإخصائي بالمستشفى.

مع أخذ توقيع وبصمة المريض على هذا التقرير، وتسجيله بدفتر استقبال وطوارئ المستشف،ى على أن تتسلم التقارير إلى جهة رسمية مثل مندوبي أقسام الشرطة لمنع تزويرها.

وفي حال تزيفه، فتكون العقوبة وفقًا للمادة 112 من قانون العقوبات، التي تنص على معاقبة كل صاحب وظيفة عمومية يرتكب في أثناء تأدية الوظيفة، تزويرًا في أحكام صادرة أو تقارير أو محاضر أو وثائق أو دفاتر أو غير ذلك من السندات والأوراق، سواء كان ذلك بوضع إمضاءات أو أختام مزورة أو بتغييرها، بعقوبة تصل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.

«نقابة الأطباء» تعترف: «الأزمة أن التقارير الطبية تسلم لموظفين صغار بالمستشفيات»
أغلب التقرير الطبية المزيفة التي تخرج من مستشفيات حكومية تكون نتيجة تسيب إداري، بحسب طارق كامل، عضو مجلس نقابة الأطباء ومقرر لجنة آداب المهنة، الذي أكد أن المسؤول عن التقارير الطبية في المستشفيات يكون موظف صغير يتصرف فيها كيفما يشاء فيجامل معارفه، ويحصل على رشاوى من آخرين.

مقرر لجنة آداب المهنة، يقص واقعة قامت بها النقابة بتحويل طبيب إلى النيابة العامة؛ بسبب كتابته تقرير طبي مزيف، من أجل سيدة حتى ترفع قضية ضد زوجها زورًا، مشيرًا إلى أن النقابة حققت مع الطبيب وتم تحويله للنيابة.

«كامل» يرى أن القضاء على إصدار هذه التقارير المزيفة، لابد أن تُعرض الحالة على ثلاثة أطباء ويقوموا ثلاثتهم بكتابة هذا التقرير، ولايترك لأخصائي أو طبيب صغير في السن يكتبه منفردًا وبذلك يتم القضاء على جزء كبير من الأزمة.

حاولنا وضع كل ما توصلنا إليه في التحقيق أمام وزارة الصحة للرد عليه، تواصلنا مع الدكتور خالد مجاهد المتحدث باسم وزارة الصحة هاتفيًا أكثر من مرة إلا أنه لم يرد، وقمنا بمحاولة التواصل معه عبر تطبيق «واتس آب» برسالة نصية تضمن الحقائق التي وصلنا إليها والتقارير الطبية المزيفة التي استخرجناها إلا أننا لم نتلق منه رد حتى الآن.