رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكاية الصحف القومية


حكاية المؤسسات الصحفية القومية مع الإخوان، من خلال مجلس الشورى وبعض الوزارات، بل ومؤسسة الرئاسة، كانت حكاية غريبة.. فبالرغم مما لهذه المؤسسات من دور فى صياغة الوعى المصرى وتنمية مشاعر الولاء والانتماء لدى الفرد تجاه بلاده، إلى جانب دورها التنويرى، وبالرغم من أداء هذه المؤسسات دورها حيال الدولة، جنباً إلى جنب مع تبنيها هموم المواطن وتعبيرها عن آماله وآلامه، والدفاع عن مكتسباته، وما ينبغى له من الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، إلا أن الثأر كان مبيتاً فى نفوس جماعة الإخوان تجاه هذه المؤسسات، عبر القنوات التى أشرت إليها بداية هذا المقال.

فمنذ اللحظة الأولى التى اعتلى فيها الرئيس المعزول سدة الحكم فى البلاد، عمد مجلس الشورى، المكون فى غالبية أعضائه من جماعة الإخوان وأشياعهم من التيارات الدينية، إلى إحداث مجزرة فى الصحافة، استغلالاً لكون مجلس الشورى هو الممثل لمالك هذه المؤسسات، وهو الشعب، وكم من الجرائم ترتكب باسمك أيها الشعب الكريم وأنت لا تدرى.. هذه المجزرة التى أطاحت بأكثر من 56 رئيساً للتحرير فى المؤسسات الصحفية الست، دفعة واحدة، وبلا كفاءة من الكثيرين من هؤلاء الورثة الجدد لبلاط صاحبة الجلالة، هؤلاء الذين انجرفوا يُسبِّحون بحمد الإخوان، ويسيرون فى ركب الجماعة نحو الهيمنة والاسئثار وإقصاء الآخر، حتى ولو كانوا من أصحاب الكفاءات، وما أكثرهم لو كانوا يعلمون.

وللحق يجب أن أؤكد أن نفراً قليلاً من هؤلاء الجدد رجعوا إلى جادة الصواب، عندما رأوا أن الإخوان ورئيسهم مرسى قد حادوا عن الحق، فقرروا الانحياز للوطن، حتى قبل رحيل مرسى نفسه، وتلك شجاعة تُحسب لهم، وكلنا نعرفهم، خاصة فى مؤسستى الأخبار وروز اليوسف، دون غيرهما من المؤسسات التى واصل رؤساء التحرير فيها مشوار التطبيل والطنطنة للإخوان ومرسى، حتى آخر لحظة لهم فى حكم البلاد، وعندما جاءت ثورة 30 يونيو، انقلبوا إلى النقيض، غير مدركين أن الشعب لن يغفر لهم ذلك، وما عادت تنطلى عليه حيل هؤلاء الأغبياء، لأنه يعرفهم من كتاباتهم، حتى ولو تجملوا بألف ثوب وتلونوا بألف لون.

الكارثة الثانية التى وقعت على رأس المؤسسات الصحفية على يد الإخوان، كانت من خلال الكتاب المدرسى الذى تتولى طباعته سنوياً لحساب وزارة التربية والتعليم، وتمثل عماداً مهماً من أعمدة الدخل الأساسية فى سد حاجاتها وحاجات العاملين فيها، باعتبار أن صناعة الصحافة وحدها، دون الإعلان أو المشروعات المساندة، صناعة خاسرة من نقطة الصفر.. والمأساة صنعتها مؤامرة دبرها الإخوان الذين امتلأت بهم إدارات الوزارة بين عشية وضحاها وخاصة فى قطاع الكتب، هؤلاء الذين رأوا ضرورة الإجهاز على المؤسسات الصحفية، ثأراً لأهلهم وعشيرتهم.. كيف؟

أولاً: تعمدوا، فى العام الماضى، تأخير صرف الدفعات المستحقة لهذه المؤسسات على أوقاتها، عما أنجزته من طباعة الكتب، مما أدخلها فى عسرة استحال معها توفير الورق والخامات اللازمة لطباعة ما تبقى عندها من كميات كتب فى الموعد المحدد، فاستدانت من البنوك، مما كبدها غرامات تأخير، وصلت إلى ملايين الجنيهات، فخرجت المؤسسات من هذه العملية خاسرة، وهى التى كانت تتكسب منها كل عام.

ثانياً: فتح أنصار المخلوع باب الوزارة أمام موردين جدد، لأول مرة منذ أعوام، وبها أصلاً مايزيد على الـ 150 مطبعة تتعامل معها، لإتاحة الفرصة أمام دور طباعة بعينها، يمتلك بعضها إخوان، ليشاركوا فى الفصل الجديد من المؤامرة على المؤسسات القومية.. وما إن انعقدت الجلسة الجديدة لتوزيع حصص كتب العام الحالى، حتى فوجئ الجميع بإلغاء أسلوب الممارسة، وحلول شىء جديد لا نعرف له تسمية، ورغم رفع قضية من دور الطباعة جميعها، بالتضامن مع غرفة الطباعة لعودة المناقصات، إلا أنها رُفضت لسبب مجهول.. ولعبت فى هذا الشىء داران للطباعة، من المحسوبين على التيار الدينى، دور يهوذا، فسلما المطابع الصحفية والخاصة «تسليم أهالى» للوزارة، بتقديمهما أسعارًا متدنية للطباعة، وهى الأسعار التى تم فرضها بالإذعان على المؤسسات الصحفية والمطابع الخاصة، لنفاجأ بعد ترسية الأسعار وقد «خلعت» الداران، دون طباعتهما كتابًا واحدًا بهذه الأسعار الخاسرة.. ومن ثم انسحبت أكثر من 72 دار طباعة فى القطاع الخاص لأن استمرارها فى المهزلة يعنى خراب بيوتها، وتحملتها الأخريات، بما فيها نحن، لنظلم أنفسنا، ولكن قلنا أن تدور المطابع بأجور العاملين فيها، خير من توقفها، بسبب مؤامرة خسيسة.

نحن لا نفتش فى الماضى، وما كان قد كان.. لكن الأمل معقود بناصية الدكتور محمود أبو النصر -وزير التربية والتعليم- للحيلولة دون تطبيق غرامات التأخير عن العام الماضى والتى بدأ خصمها من مستحقات هذا العام، والتى لم يكن لأى مؤسسة دور فيها، بل كان تأخير دفع الوزارة للدفعات المستحقة هو السبب الرئيسى، إلى جانب تعمد وزارة المالية خصم 50% من أى شيك مستحق لأى مؤسسة تحت بند ضرائب سابقة، لتضييق الخناق عليها، لعلها تركع لغير خالق البشر، ومن ثم خصخصتها، لكن الله غالب على أمره.. فهل يفعلها الوزير؟.. نعم، أنا أُحسن الظن به، من منطلق درء المفاسد.. والله من وراء القصد

رئيس تحرير بوابة الجمهورية أونلاين