رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراما الصعيد


الدراما كما عرّفها أرسطو، منذ أكثر من ألفين وثلاثمائة عام، هى جنس إبداعى مكتوب على الورق كى يتم تنفيذه مسموعًا ومرئيًا، وظل هذا التعريف حتى ظهر المسرح وتطور فى عصر الإذاعة والسينما والتليفزيون، فأصبح للدراما كيان مستقل بين الأجناس الأدبية.
ما يهمنا هنا هو دور الدراما فى نقل التاريح أو التعبير عن الواقع أو محاولة تغيير المجتمع، وكلها وظائف للدراما والكتابة بصفة عامة، غير أن الدراما التليفزيونية أكثر تأثيرًا وانتشارًا فى المجتمع بكل طبقاته.
لأجل هذا، كان توجه الدولة فى مطلع ثورة يوليو 1952 بالهيمنة على كل وسائل الإعلام، من صحافة وإذاعة وتليفزيون، وتدخلت بالرقابة على الأعمال الفنية والأدبية من أجل وقاية المجتمع من الأفكار التى تتعارض مع الفكر السائد فى ذلك الوقت، وفى نفس الوقت نشر الفكر الذى تعتنقه الدولة، وهو الفكر اليسارى، وقد نجحت الدولة وقتها فى اكتشاف كتّاب وروائيين ونقاد وشعراء تجاوبوا مع هذا الفكر من دافع أيديولوجى محض.
ولكن هذا لم يستمر، وسرعان ما بدأ التحول عن الفكر اليسارى بعد وفاة جمال عبدالناصر وتولى السادات، وبدأت فى عهده عملية تحول كبير فى الاتجاه نحو اليمين، وسرعان ما ضاق الكتّاب والأدباء بالرقابة على ما يكتبون فطالبوا الدولة بالتخلى عن الرقابة، ونجحوا فى ذلك، وإن بقيت الرقابة على الإذاعة والتليفزيون.
وبدأت الدولة فى التخلى عن فكرة الإنتاج الدرامى وتركته للسوق والعرض والطلب، وظهرت أعمال تتغلغل فى قاع المجتمع المصرى وتخرج لنا أسوأ ما فيه، وكانت الأعمال التى ينتجها السبكى تعتمد على البطل الفرد الذى ينتمى إلى طبقات دنيا، يخرج شاهرًا سيفه فى وجه المجتمع الذى ظلمه ويحاول الانتقام منه.
كما وجدوا فى الصعيد عالمًا آخرًا من الدراما تمثل العادات والتقاليد الصعيدية التى ظلت على حالها منذ آلاف السنين، وكانت هناك موضوعات تجذب المشاهدين مع التركيز على بعض الظواهر الإجرامية والعادات والتقاليد، مثل البطل الذى يفرض سطوته على الأغنياء، أو اللص الذى يسرق من أجل الفقراء، أو القاتل الذى يقتل من أجل الشرف، وهى موضوعات تجذب المشاهد، خصوصًا من الطبقات الدنيا، حيث ينبهر عندما يجد التليفزيون والدراما تسلط الأضواء على بعض القيم التى يعتنقها.
وظلت الدراما الصعيدية تهيمن على المشهد الفنى فى مسلسلات رمضان، حيث الزخم الأكثر فى نسب المشاهدة، ثم تراجعت فى السنوات الماضية قليلًا، ثم عادت بقوّة فى العامين الأخيرين، من خلال «نسر الصعيد» و«سلسال الدم» و«طايع» وغيرها من الأعمال المهمة.
ويعرف المنتجون جيدًا والمشاركون فى صناعة المسلسلات كيفية استغلال النجاح، خاصة أن المستقبل الدرامى للصعيد، حيث لاحظ بعض النقاد محاولات بعض كتّاب الدراما الابتعاد عن الدراما الاجتماعية التى تصور أجواء حوارى القاهرة القديمة، والبحث عن تغيير فى مناطق أخرى، وكان الصعيد هو المجال الخصب الذى لا ينضب لصنّاع الدراما.