رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«معجزة أسيوط».. «الدستور» داخل مركز تأهيل ذوى الإعاقات الحركية

جريدة الدستور

- ساعد فى عودة الروح لفاقدى الأمل بالتعاون مع مؤسسة هندية.. وخطة موسعة للتطوير

من كابول إلى أسيوط، قصة إنسانية ربما تختلف فى التفاصيل، لكنها لا تختلف على المبدأ الإنسانى، الذى يتجلى فى العطاء، ومنح الأمل لمن شعر باليأس من الحياة بعد أن فقد إحدى قدميه أو ذراعيه فى حادث سير أو بسبب المرض.
من كابول، حيث الفرحة التى عاشها الملايين مع الطفل الأفغانى أحمد سيد رحمن، الذى فقد ساقه خلال الاشتباكات بين طالبان والأمن هناك، وظل سنوات فى ظروف سيئة قبل أن يمنحه القدر قدمًا صناعية تعيد له سعادته، بمعاونة الصليب الأحمر الدولى والأفغانى، ليرقص فرحًا فى مشهد بديع جعل الإنسانية تبكى على ما حدث.
ومن أسيوط، حيث مركز تأهيل ذوى الإعاقات الحركية، الذى ينشر الأمل بين أبناء الصعيد فى استعادة حياة هؤلاء الذين فقدوا أحد أطرافهم بسبب مرض أو حادثة.
«الدستور» تواصلت مع مسئولى المركز من المصريين والهنود، واستمعت لقصص المستفيدين منه، الذين اعتبروا إنشاء المركز بمثابة الإنجاز القومى الذى يؤكد أن الاستثمار فى البشر أهم من كل شىء، وأنه أعاد الحياة إليهم من جديد دون مقابل، ليصبح بإمكانهم ممارسة أعمالهم فى المجالات المختلفة من زراعة وصناعة وتجارة ولعب كرة القدم أيضًا.

أشرف..
صاحب الـ5 أعوام يعود إلى لعب كرة القدم مجددًا
قبل أن نبدأ فى معرفة قصص المستفيدين، لا بد أن نعرف أن مركز تأهيل ذوى الإعاقات الحركية أسسته جمعية الأسر المنتجة للتأهيل والتدريب التابعة لوزارة التضامن الاجتماعى، بالتعاون مع جمعية BMVSS، التى تعد واحدة من كبرى المنظمات الأهلية الهندية.
ويعمل المركز على تقديم الخدمات لنحو ٥٠٠ مصرى كى يستفيدوا من الأطراف الصناعية الجديدة، التى يتم إنتاجها بالتعاون مع الجمعية الهندية التى تعمل على تأهيل الأشخاص ذوى الإعاقة وتزويدهم بالأطراف الصناعية، وتعد واحدة من كبرى المنظمات التى تخدم مليونًا و٧٠٠ ألف شخص من أصحاب الإعاقات الحركية على مستوى العالم.
بداية، التقينا الطفل أشرف عاطف عبدالوهاب، صاحب الخمسة أعوام، الذى كان يتحرك مستندًا إلى والده، بعدما ظل سنوات يحاول الوقوف والمشى بساق واحدة، بعد بتر الأخرى.
لم يكن بمقدور الوالدين خلال تلك السنوات الماضية، إلا الدعاء لرب السماوات، أن يرحم صغيرهما الذى يحب كرة القدم، ويتخذ من أيقونة الكرة المصرية محمد صلاح ملهمًا وقدوة له.
بعكاز صغير، تحرك «أشرف» رفقة والديه، مستقلين إحدى سيارات الأجرة، من محافظة قنا، منطلقين صوب محافظة أسيوط، يحلمون باللحظة التى يقف فيها الصغير على قدميه مرة أخرى، بعد تركيب طرف صناعى مصرى من إنتاج ورشة الأطراف الصناعية الخاصة بخدمة أبناء الصعيد، التى أقيمت بالتعاون مع الجمعية الهندية BMVSS للتأهيل والتدريب.
قبل ٣ أعوام، حاولت الأسرة تأهيل الصبى ودمجه فى المجتمع، بدءًا من إلحاقه بروضة الأطفال، لكنه لم يستمر فيها إلا يومًا واحدًا، بعد أن عاد إلى المنزل مصابًا، بسبب خناقات الأطفال الذين اعتبروه غير طبيعى حسب تعبير الأب.
يحكى الأب عن تلك الحادثة التى لم يصلح أى علاج معها: «كنّا رايحين فى يوم عند جده، وحصلت الحادثة والعربية عدّت على رجله»، لتخوض الأسرة بعدها محاولات غير ناجحة فى تفصيل ساق طبية خاصة بالطفل، لتفقد أسرة أشرف الأمل بعدها، حتى سمعوا بمركز التدريب والتأهيل الموجود فى أسيوط، فتوجهوا إلى هناك لمنح الحياة إلى ابنهم مجددًا.


هيثم..
فقد ذراعه فى حادث قطار والعلاج يرحمه
هيثم أيوب شاكر، شاب ثلاثينى من محافظة سوهاج، تعرّض لحادثة قبل سنوات، فقد على إثرها إحدى ذراعيه، إذ سقط من عربة قطار، مما اضطر الأطباء إلى بتر ذراعه اليمنى.
وصف «أيوب» تلك الأوقات بأنها أصعب فترات حياته، حتى إن الإنسان يشعر بعدها بكم النعم التى حبا الله عباده بها.
يقول: «عندما انقطعت الشرايين والأوتار، ووجب بتر ذراعى اليمنى، كدت أفقد الأمل تمامًا»، إلا أن إحدى قريباته أخبرته بفرصة حصوله على طرف طبى، ليتجدد الأمل لديه مرة أخرى، ويبدأ رحلة البحث عن الطرف الطبى.
ظل «أيوب» صابرًا لسنوات، يحلم باللحظة التى يعوّضه الله فيها بطرف طبى بديل عن ساعده المبتور، إلى أن تحقق الحلم، عندما ذهب إلى مركز أسيوط، ووصف تلك اللحظة قائلًا: «الحمد لله التعب والشقا والوجع اللى كنت بشوفه فى وشوش الناس، والعطف اللى كنت بحس بيه فى نظراتهم، مش هشوفه تانى».

الحاج أحمد..
المزارع العجوز يحصل على قدمين بعد مرارة الغربة
من بين المستفيدين أيضًا، تحدثنا إلى الحاج أحمد السيد، المزارع، صاحب الـ٦٢ عامًا، الذى يعيش بإحدى قرى مركز جزيرة شندويل، ويعانى من مرض السكرى، وبسببه اضطر الأطباء إلى بتر قدميه الاثنتين.
يحكى «السيد» أنه سافر إلى إحدى دول الخليج للعمل كمزارع تارة، أو كعامل بالأفران تارة أخرى، ولكن السكرى نهش جسده، ما اضطره إلى العودة إلى الوطن، ولكن الظروف لم ترحمه فى البيت كما لم ترحمه فى الغربة، وبمرور الأيام تفاقم المرض، وتسبب فى بتر جزء من ساقه اليمنى، ثم أجهز بعدها على ساقه الأخرى.
يؤكد «السيد» أن ابنته لم تفقد الأمل، وتواصلت مع جمعية التأهيل والتدريب، وتقدمت بطلب للحصول على طرفين صناعيين يعينانه على الحياة، وباتت تتابع مع الجمعية التى اتصل مسئولوها بعد فترة بالوالد القعيد، لتبشره بأن صار بإمكانه أن يحصل على طرفين ويعود إلى حياته مرة أخرى: «كان ذلك حلمًا كبيرًا، والحمد لله تحقق».

ورشة الإنتاج:
أطراف من شجر الصفصاف والألياف الخفيفة غير قابلة للكسر
وصل عدد الفنيين المصريين العاملين فى ورشة المركز إلى ٧ عمال، يعملون بنظام المكافأة، ويقومون بدورهم فى إنتاج الأطراف عبر ٢١ جهازًا مختصًا بذلك، وتم الاتفاق مع الجمعية الهندية على تدريبهم؛ كى يصبحوا مدرّبين فى مصر، ويقدمون التدريبات لجميع الورش الأخرى التى تحتاج للتطوير.
وشدد عصمت ثابت، مدير التشغيل بمركز التأهيل والتدريب فى أسيوط، على أهمية مشروع إنتاج الأطراف الصناعية المميزة والخفيفة عن الأطراف القديمة التى كانت أقل جودة وأثقل وزنًا.
ويذكر «ثابت» أن المركز تعاقد على توريد كمية كبيرة من الخامات التى يعمل بها الفريق الهندى، وتم تدريب العمال المصريين عليها، لإنتاج العديد من الأطراف الطبية التعويضية خلال الأيام المقبلة.
ويكشف عن طبيعة الخامات المستخدمة لصناعة أطراف عملية وخفيفة، إذ تتكون من خشب الصفصاف خفيف الوزن، متداخل الألياف، غير القابل للكسر، إضافة إلى البوليستر الخام، الذى يوضع كجورب تريكو قطن، ويخصص لتقوية الأطراف.
ويحلم «ثابت» بأن يخدم المركز عددًا أكبر من الفئات التى تحتاج للأطراف، إلى جانب تطوير وتعديل المعدات الموجودة، لكى تتم صناعة الأطراف فى وقت قياسى، ليتمكن المركز من خدمة المواطنين وتحقيق المنفعة للجميع.
كما التقت «الدستور» محمود جمال، أحد العمال الذين يسابقون الزمن، لخروج الأطراف بأفضل شكل، غير أن راتبه القليل الذى يتقاضاه «٦٠٠ جنيه»، يسبب له عائقًا كبيرًا أمام استمراره فى المهمة التى يحب أن يؤديها، ويتمنى تعديله كى يتمكن من مواصلة دوره خلال الفترات المقبلة.
ويقول «محمود» إنه عمل بالمركز لمدة ٥ سنوات، ليل نهار، كى ينتج أكبر قدر من الأطراف، لمساعدة الغير على الوقوف على أرجلهم مرة أخرى، ويعتبر ذلك قمة السعادة بالنسبة له، حتى إنه أصبح يقدم روشتة النصائح إلى زملائه الجدد فى كيفية تعاملهم مع أصحاب الإعاقات ممن فقدوا أطرافهم دون نظرات شفقة، إذ يؤثر العامل النفسى على صاحب الإعاقة.
ويوضح «محمود» أن الطرف الصناعى الواحد يحتاج لمدة عمل تتراوح من ٥ إلى ١٠ أيام، حسب اختلاف الخامات وتغيرات المواسم، ففى الصيف تحتاج الأطراف لوقت أقل، كى تصبح مناسبة للاستخدام، مضيفًا أن التطوير الأخير أعطى للأجهزة قدرة أكبر على التحمل والحركة الخفيفة.
من جانبه، يقول عبدالباسط عبدالغنى، مدير جمعية الأسر المنتجة للتأهيل والتدريب بأسيوطـ: إن هدف الجمعية تحقيق النفع العام للجميع؛ إذ ترعى المعاقين حركيًا وذهنيًا وسمعيًا، مشيرًا إلى أن المعاقين حركيًا يمثلون الفئة الأكبر من المستفيدين من أعمال الجمعية فى جميع محافظات الصعيد.
ويضيف «عبدالغنى» أن لحظات حصول المعاقين على الأطراف البديلة هى واحدة من أسعد لحظات حياته، إذ يرى بعينيه كيف يعود الأمل للإنسان فى عيش حياة آدمية دون تعقيدات أو مضايقات.
ويتابع: «الجمعية الهندية شاركت فى عمل الجمعية بأسيوط، بسبب معرفتهم بمحاولتنا الدائمة للعمل منذ عقود، رغم ضعف إمكانيات وكفاءة ورشة إنتاج الأطراف، التى لا تتماشى مع التطورات الحالية، ولذلك قاموا بدعمنا بأجهزة فريدة من نوعها، وخامات تختلف تمامًا عن الخامات المصرية، التى تحتاج إلى إعادة النظر بعد ظهور خامات أكثر متانة وقوة من غيرها».

«التضامن»:
نعتز بتجربة التعاون مع المؤسسة الهندسية.. الصعيد يستحق مجهودنا.. وقريبًا إنشاء مركز لخدمة جميع المحافظات
قالت وزارة التضامن الاجتماعى إن تجربة التعاون مع المؤسسة الهندسية تعد واحدة من التجارب التى نعتز بها لعدة أسباب، أولًا: أنها تمت بشراكة إحدى أهم المؤسسات الهندية ذات السمعة العالمية فى مجال تصنيع الأطراف، وثانيًا: لأنها تخدم صعيد مصر، الذى يستحق مجهودنا، ونحن حريصون على استغلال كل الأفكار المتاحة لخدمة أبناء الصعيد.
وعبرت الوزارة عن اعتزازها بالتجربة التى قدمت نحو ٥٢٥ طرفًا بديلًا لأصحاب الإعاقات الحركية: «استطعنا أن نصل إليهم من خلال قاعدة البيانات التى تضم حوالى مليون شخص من المستحقين للأطراف الصناعية، والأهم من ذلك هو نجاحنا فى الاتفاق مع الجانب الهندى، على تدريب مجموعة من المتخصصين المصريين، لاستكمال تصنيع هذه النوعية من الأطراف، خلال الفترة القادمة».
وكشفت عن اتفاق المؤسسة على تأسيس مركز دائم فى أسيوط، لتصنيع الأطراف الصناعية، ليصبح مركزًا لتقديم الأطراف الصناعية لكل المحافظات على مستوى الجمهورية.
وأشارت إلى وجود صور وفيديوهات، توثق يوميات العمل فى ورشة تصنيع الأطراف، من أطفال يلعبون كرة القدم، وآباء استطاعوا الحصول على فرصة لنزول سوق العمل وبدء حياة جديدة.
وذكرت وزارة التضامن أن مصر كانت تمتلك ٩ ورش صغيرة محدودة المساحة والإمكانيات والتكنولوجيا لإنتاج الأطراف الصناعية منذ الستينيات، غير أن التكنولوجيا الموجودة فيها أصبحت غير مناسبة للعمل الآن بالتقنيات العالمية.
ونوهت بالتقدم بمشروع قانون إلى مجلس النواب لإنشاء تمويل للخدمات المتصلة بالإعاقة، إلى جانب إنشاء الوزارة أول صندوق استثمار خيرى، سيتم فتح الاكتتاب فيه قريبًا، لحماية ورعاية ذوى الإعاقة.