رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صباح الخير يا سينا



بتكلفة تجاوزت الـ١٢ مليار جنيه، وبسواعد نحو ٣ آلاف مهندس وفنى وعامل مصرى، عملوا ليلًا ونهارًا، منذ يوليو ٢٠١٦، صار بإمكانك الانتقال من غرب قناة السويس إلى شرقها، فى دقائق قليلة، عبر الأنفاق الجديدة التى تم افتتاحها، صباح أمس، بجانب عدد من المشروعات، تستهدف تحويل سيناء ومدن القناة إلى إقليم تنافسى يسهم فى نمو الاقتصاد الوطنى.
وجود تلك الأنفاق، التى لا يستغرق اجتيازها ٢٠ دقيقة، بسرعة حدها الأقصى ٦٠ كم فى الساعة، ومع الكبارى العائمة، وكوبرى السلام وكوبرى الفردان، والمعديات الأخرى، صارت لدينا ١٧ نقطة اتصال، تربط «أرض الفيروز» بـ«أرض الكنانة». وبالمشروعات التى تم افتتاحها، وتلك التى يجرى تنفيذها، صارت التنمية فى سيناء وإقليم قناة السويس واقعا ملموسًا. وباكتمال بناء الطرق وشرايين التنمية، مع نهاية سنة ٢٠٢٠، تكون المشروعات والخطوات والقفزات التنموية، قد تكاملت مع مواجهة الإرهاب، بالعملية العسكرية الشاملة «سيناء ٢٠١٨»، وتكون «سيناء رجعت كاملة لينا»، فعليًا وواقعيًا، وليس مجازًا، كما قالت الأستاذة شادية.
حتى وقت قريب، ظلت سيناء تعانى فراغًا سكانيًا، كنتيجة طبيعية لقسوة طبيعتها وصعوبة الحياة فيها لعدم وجود مرافق أو خدمات. وسبق أن أوضحنا، ونحن نحتفل بعيد تحرير سيناء فى ٢٥ أبريل قبل الماضى، أنها حين عادت «كاملة لينا»، سنة ١٩٨٢، عادت بقيود الحدود الآمنة، لا بقيود الحدود الجغرافية أو السياسية. وبالتالى، ظلت منزوعة أو «مكتوفة» السلاح، ومرتعًا للإرهابيين، إلى أن استعادت مصر عافيتها السياسية والعسكرية. بالضبط كما ظل حلم التعمير حبيس الكتب والدراسات، إلى أن استعادت الدولة عافيتها الاقتصادية واستردت قرارها السياسى.
سيناء، كما ذكر جمال حمدان، فى كتابه «سيناء فى الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا»، ليست مجرد صندوق من الرمال، لكنها صندوق من الذهب، بما تمتلكه من ثروات طبيعية وبيئة فريدة، جعلتها «تختزل جيولوجيا مصر كلها تقريبًا»، وكل هذه الثروات، كما جاء فى الكتاب الصادر سنة ١٩٩٣، تنتظر التخطيط الاستراتيجى الواعى، لإطلاق طاقات التعمير، التى تحتاجها مصر للنهوض على المستوى الاقتصادى، لربط سيناء بالوادى والدلتا. وكان حلم التعمير، كما رسمه جمال حمدان، هو أن تكون قناة السويس مزدوجة، وأن يتجمع العمران الكثيف حول ضفتيها، وأن تكون هناك سلسلة من الأنفاق تحت القناة، تحمل شرايين المواصلات البرية والحديدية.
النظر إلى توازن القوى وليس إلى توازن المصالح، جعل سيناء نقطة ضعف أساسية وثغرة فى جدار أمننا القومى، أدى إلى اضطرابات وتهديدات لأمن مصر واستقرارها. ومع تراخى السلطات الإسرائيلية المتعمّد فى ضبطها ومع تواطؤ حركة «حماس»، صارت المنطقة الملاذ الآمن للجماعات الإرهابية والخارجة على القانون، وقاعدة أو نقطة انطلاق للأعمال التخريبية فى بقية مناطق سيناء وفى الوادى والدلتا. وظل الوضع يتدهور حتى وجدنا أنفسنا أمام ما لا نبالغ ولا نسخر لو سميناه «منتخب العالم فى الإرهاب».
بهذا الشكل، ظلت ملامح حلم تعمير سيناء، التى رسمها جمال حمدان، حبيسة دفتى كتابه، وكتب ودراسات أخرى له ولآخرين، ولم تبدأ تتحول إلى واقع إلا منذ ٥ أغسطس ٢٠١٤ بتوقيع الرئيس عبدالفتاح السيسى وثيقة حفر قناة السويس الجديدة، التى ألزم فيها منفذى المشروع بالانتهاء منه بعد عام واحد فقط، بدلًا من ثلاث سنوات. وبانتهاء حفر القناة الجديدة، زادت كفاءة قناة السويس وتعززت مركزية البحر المتوسط، بتضاعف البضائع المنقولة، عبره، مرتين. والكلام على عهدة دراسة للأكاديميين الإيطاليين «أنريكو فاربيلا» و«جيورجيو بوردي».
ليس عيبًا أن تتفاءل بحذر، لكن العيب هو ألا يقل تشاؤمك وأنت ترى مصر تسير، بثقة وثبات، فى الطريق الصحيح أو طريق السلامة، عبر إجراءات وإصلاحات عديدة: تحرير سعر صرف الجنيه المصرى، وتطوير البنية التحتية من خلال تطوير وإنشاء شبكة طرق جديدة، إنشاء محطات كهرباء جديدة لزيادة الطاقة الكهربائية للأغراض الاستهلاكية والإنتاجية، قانون التراخيص الصناعية الجديد، قانون سجل المستوردين، إنشاء جهاز موحد للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، منظومة تيسير التجارة المصرية «EgyTrade»، بالإضافة إلى إنشاء العديد من المدن الصناعية، وغيرها، من الإصلاحات التى أسهمت فى انخفاض معدلات البطالة، زيادة نمو الإنتاج الصناعى، زيادة احتياطى البنك المركزى، وانخفاض عجز الموازنة.
ما يحدث على الأرض، يقول بوضوح إن مصر استعادت عافيتها العسكرية والسياسية والاقتصادية. ومع القفزات التنموية، والمشروعات القومية، التى تسير وفق استراتيجية التنمية المستدامة «مصر ٢٠٣٠»، يكون طبيعيًا ومنطقيًا أن يقل تشاؤمك، وألا تلتفت إلى أكاذيب وادعاءات، أو هلاوس، مَن يحاولون إشاعة اليأس والإحباط، فى عالمهم الافتراضى، سواء كانوا من الضالين، بقايا النظام الأسبق، أو من الإرهابيين، بقايا النظام السابق.